
غزة (الأراضي الفلسطينية) - في زاوية هادئة داخل مستشفى غزة الأوروبي، يستلقي المحرر الفلسطيني نادر حسين (34 عاما)، جسده الهزيل أشبه بظل لإنسان خرج من أعماق الجحيم لا يقوى على الحركة إثر رحلة قاسية خلف قضبان السجون الإسرائيلية.
على سرير المستشفى، محاطا بالأطباء، يعاني حسين فقدان القدرة على الكلام، بينما تظهر على جسده، وحتى رأسه، آثار التعذيب الذي تعرض له منذ اعتقاله من شمال قطاع غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبسبب عدم استطاعته الوقوف على قدميه جراء التعذيب، نُقل المحرر بسيارة إسعاف من الحافلات التي أقلتهم من إسرائيل بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى قطاع غزة وصولا إلى المستشفى، حيث يتلقى الرعاية الطبية.
وعندما اقتربت منه كاميرا الأناضول، بدا عاجزا عن النطق، بينما كانت عيناه المرتجفتان، ويداه وقدماه المتهالكة، تحكي الألم والمعاناة التي عاشها داخل السجون الإسرائيلية وويلاتها من تعذيب ونقص طعام وماء.
حاول أن يحرك شفتيه لينطق، لكن جسده المنهك ولسانه المتعب لم يسعفاه، فقد خرج من الأسر لكنه لا يزال سجينا داخل جسد أنهكه التعذيب.
يقول الأطباء المشرفون على حالته إن جسده يحمل آثار تعذيب مروعة، بعضها حديث، والأخرى قديمة، وكأنها خريطة للأهوال التي مر بها.
وتنتشر في جسد حسين كدمات زرقاء وسوداء وجروح لم تلتئم بعد، وعظامه بدت ضعيفة وهشة نتيجة شهور من سوء التغذية والإهمال الطبي، فيما كانت الندوب تغطي أماكن متعددة من جسده الضعيف.
أما عيناه الغائرتان، فكانت تحيط بهما هالات سوداء شاهدة على ليالٍ طويلة من العذاب.
كما تكشف مفاصل يديه عن الأصفاد المحكمة التي كان مقيدا بها حيث تظهر جروح غائرة حولها.
وبمجرد كشف الأطباء عن جسده برزت عظام صدره بشكل واضح تحت جلده المرهق، ما يشير إلى حجم التجويع وسوء المعاملة التي تعرض لها خلال فترة الأسر.
لم يتوان الطاقم الطبي في تقديم الرعاية اللازمة له فور وصوله، حيث بادروا بتقديم العلاجات الطبية الضرورية، إضافة إلى تزويده بالماء والطعام لتعويض ما فقده خلال فترة اعتقاله.
وكل حركة تصدر عنه بدت وكأنها صراع مع الألم، فيما كانت يداه المرتعشتان تحاولان بصعوبة الاستجابة لمحاولاته البسيطة في تناول الطعام والشراب، في صورة تحمل قسوة شهور الأسر، حيث بدت أطرافه ضعيفة، بالكاد تستجيب لحركاته.
وتحرر حسين، ضمن الدفعة السادسة التي شملت الإفراج عن 369 أسيرا، منهم 333 من غزة، ممن اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023، إضافة إلى 36 من أسرى المؤبدات.
وتشمل صفقة "طوفان الأحرار" في مرحلتها الأولى بشكل كلي، الإفراج عن 1737 أسيرا فلسطينيا، حيث تمتد هذه المرحلة على مدى ستة أسابيع، بواقع دفعات أسبوعية.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى يشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.