إيكونوميست: على ترامب حل نزاعات الشرق الأوسط القديمة وجعلها أولوية وليس مجرد إدارتها  

2025-01-24

 

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (ا ف ب)نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قالت فيه إن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يحاول وقف النزاعات القديمة في الشرق الأوسط لا إدارتها.

وقالت: “أصبح تقليدا غريبا، يستخدم فيه وزراء الخارجية الأمريكية أيامهم الأخيرة لتقديم سلسلة إخفاقاتهم في الشرق الأوسط. فعل جون كيري ذلك في عام 2016. ثم جاء دور أنتوني بلينكن في 14 كانون الثاني/ يناير 2025. ففي خطاب ألقاه في المجلس الأطلنطي، قدم بلينكن قائمة طويلة من المشاكل في غزة من البؤس الذي يعيشه المدنيون والفشل في إيجاد بديل لحماس وعدم وجود خطة سلام شاملة. وقد كان كلامه دقيقا، وكلمة وداعية قدمها أبرز دبلوماسي أمريكي، وجه فيها اتهاما ذاتيا”.

وتضيف المجلة أن الرئيس السابق جو بايدن فشل فشلا ذريعا في استخدام القوة الأمريكية لتحقيق أهدافه. وظل لأكثر من عام يتوسل هو ومساعدوه إلى بنيامين نتنياهو للحد من استخدام سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها إسرائيل في غزة وقبول وقف إطلاق النار.

ولم يواجه رئيس وزراء إسرائيل أي تداعيات لتجاهل المسؤولين الأمريكيين والرئيس نفسه.

وتعلق “إيكونوميست” أنه لو لم يخف الحلفاء من بايدن، فإن الخصوم بالتأكيد لن يخشوه. وقد أراد دونالد ترامب في ولايته الأولى، إجبار إيران على إبرام اتفاق نووي جديد، لكنه فشل في فرض العقوبات التي كانت أداة الضغط الرئيسية لديه. وفي حالات أخرى، لم يكن بايدن يعرف ما يريد، خذ مثلا علاقته مع السعودية. فقد وعد أثناء حملته الانتخابية بجعل المملكة “منبوذة”، ثم ناشدها لرفع مستويات إنتاج النفط، وعرض في النهاية على السعودية حزمة من الهدايا مقابل اعترافها بإسرائيل، ولم يحقق أي شيء.

ولم يكن بايدن بمثابة انحراف عن المسار، فلم يكن لدى أمريكا سياسة شرق أوسطية متماسكة منذ عقدين. وكان جورج دبليو بوش، آخر رئيس أمريكي تبنى أجندة إقليمية طموحة. وللأسف، فقد كانت ركيزة هذه الأجندة الإقليمية هي كارثة غزو العراق.

ومنذ ذلك الحين، نظر الرؤساء إلى المنطقة باعتبارها مصدرا للصداع، وتحولت سياساتهم منها إلى مجرد تمرين في التناقضات، فمن جهة تحدثوا عن فك الارتباط معها ولكنهم لم يفعلوا أي شيء بهذا الاتجاه، من جهة أخرى. واكتفوا بإدارة أزمات لا نهاية لها بدون حلها إلا في النادر، وفي كثير من الأحيان صبوا النار عليها.

ومع وصول دونالد ترامب للسلطة، فصينية المشاكل على طاولته مزدحمة بالملفات: وقف إطلاق النار الهش في غزة ولبنان، والانتقال المحفوف بالمخاطر في سوريا ما بعد الأسد والبرنامج النووي الإيراني الذي تقدم إلى مستويات قياسية. ولو أراد النجاح في معالجة هذه  الأزمات، فعليه التعلم من أخطاء أسلافه.

وعليه أولا التوقف عن التصرف كقوة مهيمنة غائبة. فعندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم يهتم أحد بكيفية رد فعل روسيا أو الصين أو الاتحاد الأوروبي، وشئنا أم أبينا، لا تزال أمريكا هي القوة الخارجية الوحيدة التي تتمتع بنفوذ حقيقي في الشرق الأوسط، ويجب عليها أن تتصرف وفقا لذلك.

ففي ظل الإدارتين السابقتين، غالبا ما كانت المناصب الدبلوماسية الرئيسية شاغرة. فقد استغرق كل من بايدن وترامب أكثر من عام لترشيح سفراء إلى السعودية. وكان المستشارون في البيت الأبيض يديرون مشاريعهم المفضلة، في حين تم تجاهل كل شيء آخر. وكان الهدف هو إبعاد الشرق الأوسط عن مكتب الرئيس، الأمر الذي ترك أمريكا في حالة مَن يرد على الأحداث.

وعندما فرضت الأحداث نفسها على مكتب الرئيس، أصبح الرؤساء الأمريكيون مفتونين بالطرق القصيرة للحل، فقد تحدث باراك أوباما عن حاجة إيران والسعودية إلى “تقاسم” حدود المنطقة والتعايش، وقبول الدول العربية إيران وشبكة وكلائها بالمنطقة نظرا لقوتها، ولا يمكن مواجهتها. ثم جاء ترامب ولوّح بالعصا السحرية للتطبيع العربي- الإسرائيلي، وهو ما تبناه بايدن في سنواته الأربع السابقة.

وترى المجلة أن أحداث الـ15 شهرا الماضية ستبدد، على الأرجح، الكثير من الأوهام. فمحور المقاومة كان قويا لأن أعداءه كانوا ضعافا، ولكنه انهار في أول مواجهة حقيقية. وفي نفس الوقت، لم يرغب حلفاء إسرائيل العرب بمواجهة إقليمية يكونون فيها طرفا، ولهذا جلسوا على مقعد المتفرج.

وقالت المجلة إن المفتاح للاستقرار الإقليمي هو إنهاء النزاعات القديمة. وسيكون من ضرب الخيال تصور قدرة رئيس أمريكي أيا كان على إنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في السنوات الأربع المقبلة، ذلك أن الظروف قاتمة جدا.

 وخلافا لأسلافه، يتمتع ترامب بحرية فريدة من نوعها في الانفصال عن مواقف الحزب الجمهوري التقليدية وتقديم خطة سلام عادلة. وهذا من شأنه أن يقدم خريطة طريق للرؤساء في المستقبل، ويقيد أقصى اليمين في إسرائيل، ويمنح الفلسطينيين بعض الأمل الذي يحتاجون إليه.

ويجب عليه أن يقرر ترامب طبيعة الصفقة التي يريد عقدها مع إيران، كما يجب عليه أن يحدد المدى الذي يريد الذهاب إليه لو فشلت المفاوضات. وهما سؤالان تجنب الإجابة عليهما في ولايته الأولى.

وللمرة الأولى، هناك فرصة لمقايضة كبرى: إيران ضعيفة، والسعودية التي كانت منافسة لها تدعمها الآن.

وتعتقد المجلة أن الكثير من علاقات أمريكا مع الشرق الأوسط ظلت تتبع مفاهيم عتيقة وعفا عليها الزمن وتتعلق بالاستقرار. والواقع أن صفقة النفط مقابل الأمن مع السعودية أصبحت هشة، لأن أمريكا هي أكبر منتج للنفط في العالم، والاستيراد الأمريكي للنفط الخام السعودي في أدنى مستوياته منذ عقود. ومع ذلك، لا يزال الرؤساء يتعاملون مع السعودية على أساس تعاقدي وعبر المعاملات التجارية.

ففي 20 كانون الثاني/ يناير، قال ترامب مازحا بأنه سيذهب إلى السعودية في أول زيارة خارجية له، لو وافقت المملكة على شراء أسلحة أمريكية بقيمة 500 مليار دولار أمريكي. وهو أمر صعب لأنه سيشكل نسبة 50% من الناتج المحلي العام في السعودية.

وتسعى دول الخليج بشكل دؤوب على تحويل اقتصاداتها بعيدا عن عصر النفط. وبدلا من أن يركز الرئيس على  الصفقات، عليه أن يبحث عن المزيد من الفرص لتعزيز العلاقات حول الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وغيرها من القطاعات الحيوية. وقد فعل بايدن ذلك في أيلول/ سبتمبر، عندما أبرم صفقة مع الإمارات للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت الذي كان فيه النفط والأسلحة أساسا لعلاقات أمريكا مع الخليج في القرن العشرين، فإن التجارة والاستثمار يشكلان أساسا أفضل في القرن الحادي والعشرين.

وقالت المجلة إن رؤساء أمريكا اعتادوا على النظر للشرق الاوسط من خلال عدسة القوة الغاشمة، ولكن الاقتصاديات تمثل تهديدا للأمن الإقليمي. والواقع أن العقوبات غالبا ما تكون بمثابة عجلة تدور في اتجاه واحد فقط. وتركها سارية المفعول ضد سوريا ما بعد الأسد من شأنه أن يجعل هذا البلد أكثر اضطرابا.

وتعتبر مصر مثالا آخر، حيث ترسل إليها أمريكا مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار باسم الاستقرار الإقليمي. ولكن أحد أكبر التهديدات لاستقرار مصر هو الجيش نفسه، الذي يأكل حصة متزايدة من الاقتصاد المصري.

وتتمتع أمريكا بنفوذ هائل في صندوق النقد الدولي، الذي تبلغ قيمة قروضه المستحقة على مصر تسعة مليارات دولار. وعلى ترامب الإصرار على صندوق النقد الدولي، كي يجبر مصر على  القيام بإصلاحات اقتصادية جادة.

وفي النهاية، حاولت أمريكا تجاهل مشاكل المنطقة، وهي تتفاقم الآن. وإذا كان ترامب يريد أن يتخلص من مشاكل الشرق الأوسط، فسيحتاج لأن يبدأ بالنظر إليها كأولوية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي