مخاوف من سيناريو "النجاح الكارثي" في سوريا وفراغ السلطة والاقتتال بعد انهيار النظام السريع  

الامة برس-متابعات:
2024-12-08

 

تواجه إدارة جو بايدن اليوم السيناريو الماضي الذي أطلق عليه قبل أكثر من عقد “النجاح الكارثي” ويقوم على فرضية يستطيع فيها المقاتلون الإسلاميون السيطرة على البلاد (أ ف ب)بعد سلسلة من الانتصارات المذهلة للمعارضة السورية التي قادت لانهيار نظام بشار الأسد بعد حكم استمر 24 عاما وحكم لعائلته العلوية استمر لأكثر من نصف قرن، زادت المخاوف الغربية من فراغ في السلطة.

وتواجه إدارة جو بايدن اليوم السيناريو الماضي الذي أطلق عليه قبل أكثر من عقد “النجاح الكارثي” ويقوم على فرضية يستطيع فيها المقاتلون الإسلاميون السيطرة على البلاد، في وقت يقول فيه الخبراء بأن المعارضة السورية اليوم تغيرت. وفي تقرير أعده جوبي واريك وإلين ناكشيما قالا إنه عندما هددت مجموعات متنوعة من المعارضة السورية، قبل عقد من الزمان العاصمة دمشق، اضطرت الحكومات من واشنطن إلى الشرق الأوسط إلى مواجهة احتمال مقلق: وهو أن انهيار الحكم الاستبدادي الوحشي في سوريا قد يؤدي إلى صعود شيء أسوأ.

وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعمون المعارضة المسلحة المؤيدة للديمقراطية بمليارات الدولارات. لكن الميليشيات التي شكلت التهديد الأكبر لدمشق كانت بقيادة متطرفين دينيين عازمين على تحويل سوريا إلى خلافة إسلامية.

وتساءل المحللون عن سقوط الأسد واستبداله بمجموعات تعتبرها واشنطن إرهابية. وقد أطلق على السيناريو اسم: “النجاح الكارثي”. وقد عاد السؤال من جديد في وقت تنظر فيه وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم إلى المكاسب الهائلة التي حققتها جماعة هيئة تحرير الشام خلال الأسبوع الماضي.

فتاريخ الجماعة معروف جيدا، حيث تربطها روابط تاريخية بكل من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة. ومن إسرائيل إلى الأردن وواشنطن وباريس، تستعد الحكومات لاحتمال حقيقي بأن تقع دمشق تحت سيطرة فصيل مسلح صنفته الولايات المتحدة رسميا كمنظمة إرهابية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الشرق الأوسط طلب عدم الكشف عن هويته: “ربما تطورت، لكن أيديولوجيتها الأساسية لا تزال كما هي”. فيما يعترف مسؤولون أمريكيون وفي الشرق الأوسط بأن الوضع في سوريا مختلف تماما مقارنة بما كان عليه قبل عقد من الزمان.

وتمتلك روسيا الآن قواعد عسكرية متعددة في سوريا وأظهرت استعدادا لاستخدام القوة الجوية لضمان بقاء حليفها الأكثر أهمية في الشرق الأوسط. وبحسب مجموعة واسعة من المحللين وخبراء سوريا، فقد تغيرت هيئة تحرير الشام أيضا، ليس فقط في خطابها ولكن في أفعالها، بما في ذلك على الأقل تبنيها العلني الأولي للتعددية والحرية الدينية في المناطق التي احتلتها.

وفيما إذا كانت مزاعم هيئة تحرير الشام بالإصلاح حقيقية أم لا، فعلينا الانتظار. وهذه هي جزء من عدم اليقين في أزمة تتغير بسرعة كبيرة، لدرجة أن محللي الاستخبارات الغربيين يعترفون بأنهم يكافحون لمواكبة الوضع.

وبعد سلسلة من الانتصارات في حلب وحماة وحمص، وهي من أكبر المدن السورية، قيمت الاستخبارات الأمريكية يوم السبت أن سيطرة جماعات المعارضة على دمشق باتت حتمية. لكن طبيعة الدور الذي ستلعبه هيئة تحرير الشام فيما بعد غير واضحة، وأيضا كيفية تعامل جماعات المعارضة المسلحة ومحاولة استغلال انهيار النظام للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة.

وقد يكون لهذه النتيجة تأثيرات أمنية كبرى على جيران سوريا، وكذا على الجنود الأمريكيين المنتشرين في المواقع العسكرية في جنوب وشمال شرق سوريا. وقد تكون العواقب أكثر أثرا على السوريين العاديين، بمن فيهم 14 مليونا، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد، من النازحين داخليا أو الذين يعيشون كلاجئين، والأعداد الهائلة من الآخرين الذين استنفدوا قواهم ببساطة بعد 13 عاما من الصراع.

ويقول تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “لم نعد في عام 2014، والمجموعات التي نراها في عام 2024 ليست هي نفسها. وعلى الرغم من المخاوف بشأن بعض المجموعات التي تقود هذه التطورات، فإن فكرة حدوث بعض التغيير في المستقبل القريب لا ينظر إليها السوريون بالضرورة على أنها أمر سيئ. فحتى قبل عشرة أيام عندما بدأ كل هذا، لم يكن هناك ضوء في نهاية نفقهم المظلم جدا”.

 ولم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك. وعلى مدى سنوات، ظلت الرؤية للنزاع السوري بأنه مجمد. وبعد أن وقف النظام على حافة الانهيار أنقذت روسيا وإيران الأسد في عام 2015، حيث تعهدتا بجيوشهما ضمان بقاء حليف حاسم.

وكانت قوات الأسد تكافح لمدة ثلاث سنوات ضد هجوم مستمر من قبل شبكة متنافرة من الجماعات المتمردة ذات المصالح والأهداف المتنافسة. وحصلت أكبر الفصائل العلمانية المؤيدة للديمقراطية على دعم من الولايات المتحدة، التي سعت إلى ترجيح كفة الميزان من خلال توفير التدريب العسكري وكميات هائلة من الأسلحة والذخيرة بموجب برنامج سري لوكالة المخابرات الأمريكية يعرف باسم “تيمبر سيكامور” أو خشب السيكامور. وكان الهدف من المساعدات جزئيا منع صعود الجماعات الإسلامية مثل تنظيم الدولة الإسلامية إلى السلطة أو “النجاح الكارثي” الذي خشيه صناع السياسات في الولايات المتحدة في أوائل عام 2015.

ومع ذلك، بمرور الوقت، أصبحت المعارضة خاضعة لسيطرة الإسلاميين. ومن بين هؤلاء كانت جماعة قوية مرتبطة بتنظيم القاعدة والمعروفة آنذاك باسم جبهة النصرة. واليوم، بعد محاولات عديدة لإعادة تشكيلها، سمت نفسها هيئة تحرير الشام.

وكانت هذه الجماعة المسلحة من بين الأهداف الرئيسية عندما بدأت الطائرات الحربية الروسية، بدعم من آلاف المقاتلين الإيرانيين وحزب الله، حملة في عام 2015 لطرد المسلحين من المدن الكبرى في سوريا. واستطاع النظام السوري عام 2016 السيطرة على الجانب الشرقي من مدينة حلب.

ورغم جدار الحماية الذي بناه الأسد حول نفسه إلا أنه بدأ بالتآكل حتى اليوم الذي قررت هيئة تحرير الشام هزه. وقال أندرو تابلر، المستشار الأول في شؤون سوريا في مجلس الأمن القومي أثناء ولاية دونالد ترامب الأولى في منتدى سياسي رعاه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يوم الخميس: “بمرور الوقت، كانت قدرات الأسد تتآكل، لكن كان لا بد من اختبارها، لذلك قررت هيئة تحرير الشام في هجومها أن تضرب خط المواجهة بطريقة دراماتيكية للغاية. أدى هذا الانهيار المفاجئ إلى انهيار مفاجئ للجبهة بأكملها”. وتوقع المحللون في الأيام التسعة الأولى للهجوم أن يتوقف عند حمص بعد إعادة قوات الأسد تجميع نفسها بمساعدة روسية ومنع تقدم المقاتلين نحو العاصمة دمشق.

ومع سقوط حمص وتحرك الجماعات المعارضة من الجنوب أصبحت توقعات المسؤولين بشأن مستقبل الأسد أكثر قتامة. وقال مسؤول أمريكي بارز إن هناك “مخاطر كبيرة” لسقوط النظام في “المستقبل القريب”. وعلى الرغم من التصريحات الروسية والإيرانية التي تعهدت بدعم الأسد، قال المسؤول إن المحللين الأمريكيين رأوا أدلة على أن دعم الزعيم السوري يتراجع.

وقال المسؤول إن كلا البلدين نصحا مواطنيهما بمغادرة البلاد بسرعة. وقال آرون لوند، الزميل في مركز سينتشري إنترناشيونال ومحلل شؤون الشرق الأوسط في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، في حديث له في بودكاست يوم الجمعة: “حمص هي المكان الذي نبدأ فيه دخول منطقة نهاية اللعبة للأسد”، فانهيار سيطرة الحكومة على ثالث أكبر مدينة في سوريا والمركز الصناعي الرائد من شأنه أن “يقطع النظام إلى قسمين”، ويفصل دمشق عن المناطق الساحلية التي توفر قاعدة الدعم الرئيسية للأسد وتضم القواعد الجوية الروسية والموانئ البحرية. وقال: “هذه هي النقطة التي يبدو فيها أن تدمير نظامه صار معقولا جدا”.

 وبحسب كل الروايات، فقد تغيرت هيئة تحرير الشام بشكل كبير منذ أيام تحذيرات “النجاح الكارثي”. وبحلول عام 2015، غيرت الجماعة المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة اسمها وتبرأت من أي علاقات مع تنظيم الدولة الإسلامية، المنظمة الأم. وفي عام 2016، انفصل زعيمها أبو محمد الجولاني علنا عن تنظيم القاعدة. ويقول المحللون إن الجولاني سعى منذ ذلك الحين إلى تعزيز صورة أكثر اعتدالا وتسامحا واستئصال أنصار تنظيم الدولة الإسلامية في إدلب وبوحشية في بعض الأحيان وكذلك تطهير تنظيمه من المتطرفين.

وحتى مع تقدم مقاتليه في الأسبوعين الماضيين، بذل الجولاني جهودا حثيثة لتقديم “أوراق اعتماده الإصلاحية للجمهور الغربي”، وعرض إجراء مقابلات مع شبكة سي إن إن وصحيفة نيويورك تايمز. وقال الجولاني في مقابلة مع شبكة سي إن إن بثت يوم الجمعة عن الأقليات العرقية والدينية في سوريا: “لا يحق لأحد محو مجموعة أخرى. لقد تعايشت هذه الطوائف في هذه المنطقة منذ مئات السنين، ولا يحق لأحد القضاء عليها”.

حتى إن الجولاني اقترح حل منظمته من أجل بناء حكومة جديدة تمثل جميع أجزاء المجتمع السوري. وقال الجولاني: “نحن نتحدث عن بناء سوريا. هيئة تحرير الشام ليست سوى جزء من هذا الحوار، وقد تنحل في أي وقت. إنها ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لأداء مهمة: مواجهة هذا النظام”.

ومع ذلك، قال العديد من المحللين الأمريكيين وفي الشرق الأوسط إنهم لم يقتنعوا بعد بمزاعم الجولاني بشأن الإصلاح. وأشار البعض إلى أن حكام طالبان في أفغانستان وعدوا أيضا بأسلوب حكم أكثر تسامحا بعد الاستيلاء على كابول في عام 2021. وبدلا من ذلك، فرضوا قيودا صارمة على السكان الإناث في البلاد، بما في ذلك حظر جديد على حضور الفصول الطبية. وأشار مسؤولون آخرون إلى أن هيئة تحرير الشام أعربت عن دعمها للهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ضد إسرائيل.

 من جهة أخرى أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لسمر سعيد وإيزابيل كولز وستيفن كالين إن انهيار حكم الأسد يثير المخاوف من فراغ السلطة في سوريا.

وقالوا إن حكومة الأسد نجت لسنوات من الحرب الأهلية وأزمات اقتصادية، لكن قواتها خنعت تحت الضغط أمام المقاتلين الذين تدفقوا من الشمال والجنوب والشرق. وكان القتال هو أحدث تحول دراماتيكي في سلسلة من الصراعات المترابطة التي هزت الشرق الأوسط لأكثر من عام، وكلها تمتد إلى هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل والذي أشعل فتيل الحرب في قطاع غزة ثم امتد إلى لبنان وإيران.

وتقول الصحيفة إن حكومة الأسد كانت ضحية جزئيا للحروب في لبنان وكذلك في أوكرانيا، والتي استنزفت قوة روسيا وحزب الله المدعوم من إيران، وهما الراعيان الرئيسيان اللذان حافظت جيوشهما على الأسرة في السلطة. وتضيف الصحيفة أن إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل والحكومات العربية والولايات المتحدة – التي لديها ما لا يقل عن 900 جندي في البلاد، تراقب عن كثب الأحداث تتكشف، وهي قلقة من تقويض الفوضى العميقة في الدولة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، مصالحها الخاصة.

وهناك قلق من أن الانهيار السريع للنظام دون التخطيط للخلافة قد يخلق فراغا خطيرا مع آثار غير مباشرة في البلدان المجاورة. وفي الأيام الأخيرة، سارعت الدول المجاورة إلى تعزيز حماية حدودها لمنع أي امتداد محتمل للصراع. وكان الأسد قد قال إنه سيلقي خطابا للشعب في الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي يوم السبت، لكن الخطاب لم يحدث قط. ولم يتسن تحديد مكان وجوده.

وقال مسؤول مقرب من عائلة الأسد إن الأشخاص المقربين من الحكومة السورية كانوا يختبئون من القتال في دمشق بينما كان المسلحون يزحفون عبر العاصمة. وقال: “إنها فوضى، نحن جميعا تحت الطاولات” و”هناك إطلاق نار في الخارج في الشوارع”. وفي الوقت نفسه، قال أحد الأشخاص إن مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين يبلغ عددهم 25,000 مقاتل، لا يبدو أن لديهم الأفراد للسيطرة على الأراضي الشاسعة التي اكتسبوها في الأيام الأخيرة وحكمها.

وقال دبلوماسي غربي يهتم بسوريا، مشيرا إلى الاقتتال الداخلي والانقسامات في ليبيا التي أعقبت الإطاحة بحاكم البلاد لفترة طويلة، العقيد معمر القذافي، في عام 2011: “ربما شهدنا انتصارا كبيرا وسريعا ولكن المشاكل ستبدأ بعد ذلك”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي