
مذكرتا الاعتقال اللتان أصدرتهما محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غالنت تضع إسرائيل في درك أسفل أخلاقي غير مسبوق، كدولة يتهم زعماؤها بجرائم خطيرة ضد الإنسانية وبجرائم حرب ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
يلقي المدعي العام في المحكمة الدولية كريم خان على نتنياهو وغالنت مسؤولية التجويع ومنع المساعدات الإنسانية، والكهرباء، والوقود، والغذاء، والماء وبخاصة الأدوية ومواد التخدير، عن ملايين الفلسطينيين المحتجزين في القطاع كلاجئين، بعد أن طردوا من بيوتهم المدمرة. وقد ألقيت على الاثنين المسؤولية عن هجوم مقصود على المدنيين، وقتل أطفال ماتوا جوعاً وعطشاً وأفعالاً غير إنسانية أخرى.
لقد فشلت إسرائيل في كفاحها الدبلوماسي والقضائي لمنع مذكرتي الاعتقال، منذ أن طلب المدعي العام استصدارهما ولم يرو حتى من الادعاءات بحقه بالتحرش الجنسي. فجهاز القضاء الإسرائيلي، العسكري والمدني، لم يفعل شيئاً لاستيضاح الشبهات الجسيمة، وامتنعت لحكومة عن إقامة لجنة تحقيق رسمية تستوضح ادعاءات المدعي العام. لا يوجد احتمال سياسي في إسرائيل لمثل هذا الاستيضاح، وحتى لو تم، لكان في أقصى الأحوال دفاعاً إجرائياً. فإسرائيل تواصل العمل في غزة بالأساليب إياها التي تصفها مذكرتا الاعتقال وهي تعمق سيطرتها على الأرض وتطهير عرقي للسكان الفلسطينيين.
عقب نتنياهو كما كان متوقعاً باتهام المحكمة باللاسامية وعرض ذاته كـ “درايفوس” مثلما فعل في محاكمته الجنائية في إسرائيل. كبار رجالات المعارضة ساروا على الخط مع الحكومة، على طريقتهم، ومثلهم الإدارة الأمريكية الراحلة والوافدة. يأمل نتنياهو بأن ينقذه الرئيس المنتخب ترامب من الضائقة بمعونة عقوبات على المحكمة، وقضاتها ومدعيها العام. أما الآن فسيضطر، مثل غالنت، لمنع قدميه من أن تطأ الدول التي ستحترم مذكرتي الاعتقال، مثل فرنسا وهولندا.
لكن مشكلة إسرائيل وكل إسرائيلية وإسرائيلي ليست حرية تجول رئيس الوزراء وخصمه المنحى، بل أفعال رهيبة تمارسها حكومتها وجيشها، التي تصفها مؤسسة قضائية دولية. معظم الجمهور الإسرائيلي غير مبالٍ ومغلق الحس تجاه كل هذه الأفعال، وفي أقصى الأحوال يتهم بها حماس التي أحدثت مذبحة 7 أكتوبر في غلاف غزة. إن حقيقة ارتكاب حماس نفسها جرائم حرب فظيعة بحق الإسرائيليين وامتناعها عن الاستسلام وتحرير المخطوفين، كل ذلك لا يبرر القتل الجماعي والطرد والتدمير الذي أوقعته إسرائيل على قطاع غزة، كان يمكن الأمل في أن يثير بيان “لاهاي” أسئلة ثاقبة في إسرائيل عن أخلاق القتال المتواصل في غزة. لسوء الحظ، فإن الحكومة والرأي العام، بتأييد أغلبية وسائل الإعلام، ترفض الاستماع وتأمل بأن يسمح ترامب بمواصلته، إن لم يكن بتشديد الأفعال التي تصفها المحكمة الدولية جرائم ضد الإنسانية.
أسرة التحرير
هآرتس 22/11/2024