صدر حديثا عن دار غيداء للنشر والتوزيع في عمان في الأردن كتاب جديد لنادية هناوي بعنوان «قصيدة النثر العابرة دراسة في مطولات منصف الوهايبي وقصائد أخر» وهو يحمل الرقم اثنين وثلاثين في تعداد ما نشرته المؤلفة من كتب، والرقم أربعة في تعداد ما نشرته من كتب في مجال التطبيق الإجرائي على نظريتها الأدبية (نظرية العبور الأجناسي) التي تعد من ابتكارات معجمها النقدي. وأول كتاب في هذه النظرية كان قد صدر عام 2019 بعنوان (نحو نظرية عابرة للأجناس) وفيه وضعت هناوي أساسات نظريتها وحددت أبعادها وتمثيلاتها. أما الكتاب الثاني فكان «الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود»2021 وتخصص في التمثيل على عبور قصيدة النثر عند الشاعر العراقي عبد الرحمن طهمازي، ثم جاء كتابها الثالث «غاليانو صياد الكلام والعبور الأجناسي» 2022 معنيا بعبور القصة القصيرة في كتابات إدواردو غاليانو السردية. ويعضد الكتاب الرابع الرؤى النظرية لقصيدة النثر العابرة ويدعم جمالياتها. ويتخصص بقصيدة النثر عند الشاعر منصف الوهايبي. أما أسباب اختيار قصائد هذا الشاعر، فتحددها المؤلفة بثلاث نقاط أولاها، اهتمامه بكتابة المطولات الشعرية، وثانيها تنوع تجريبه في كتابة قصيدة التفعيلة وغنى تحولات هذا التجريب وأنساقه، وثالثها عمق البعد الفكري المتغلغل في مطولاته والمتأتي من اكتناز معرفي وثراء تاريخي ولغوي وميثولوجي، يدعمه تحصيل علمي وباع ترجمي. وترى المؤلفة أنه على الرغم من أن النظم التفعيلي هو الغالب على مطولات الشاعر منصف الوهايبي، فإن القالب التجنيسي الذي به استطالت قصائده وتنوعت تمظهراتها وثيماتها هو قالب قصيدة النثر.
وتشرح المؤلفة في مقدمة الكتاب ماهية نظريتها في العبور الأجناسي فتقول: (العبور الأجناسي مفهوم نقدي يصف دلالة الوضع المزدوج أو متعدد الميكانيزمات ومتنوع الأنساق في ما تشتمل عليه قصيدة النثر من مواصفات وامتيازات، تجعلها الجنس الشعري الوحيد الذي يتمتع بالقابلية على عبور أجناس الشعر وأنواعه وأشكاله الأخرى الموزونة منها وغير الموزونة. ويبدأ أولا بالقابلية على الجمع والاحتواء وينتهي آخرا بالاستجابة الطوعية للاستحواذ بقوة ما في قصيدة النثر من صفات وقدرات، ورصانة ما في قالبها من امتيازات. فالعبور عملية انتقالية وليست تشاركية أو تبادلية).
وتوضح الباحثة الفرق بين نظرية الأجناس ونظرية العبور؛ فتقول إنه (مثلما أن التجريب في كتابة الرواية قد يكشف عن أنواع سردية مختلفة فكذلك التجريب في كتابة قصيدة النثر قد يكشف عن أنواع وأنماط وصيغ مختلفة. وهو ما أثبتت فيه هذه القصيدة قدرة فنية عالية بقوة قالبها الذي أمامه تتضعضع تلك الأشكال والأنواع والأجناس فتدخل فيه وتصطبغ بصبغته وبما يدلل على أن قصيدة النثر جنس شعري متمكن من العبور. ولعل أوضح مثال على هذا التمكن هو ملحميتها التي بها تؤكد أنها أصل الأجناس الشعرية. وما وضعياتها الفنية في نشوئها ونموها وعبورها سوى حصيلة تاريخها الطويل. ولا ينتقص أمر عبور قصيدة النثر من قيمة أجناس الشعر الأخرى، بل هي تراتبية تاريخية فيها لقصيدة النثر الأولوية كونها نشأت مع أولى محاولات الإنسان في التعبير عن الواقع بالتخييل بحثا عن الحقيقة). ووقفت المؤلفة طويلا عند فلسفة التجنيس الأدبي وأكدت أن المنطلق الطبيعي والمعقول في الأجناس الأدبية، هو أن يجري عملها وفق صيرورة علمية وبخلفية تاريخية ومقومات وكيفيات، بها تتماسك البنى ويتبلور الإطار.