
إبراهيم شاكر - ليل 1 أكتوبر 2024، بدأ الجيش الإسرائيلي توغلاً برياً على نطاق محدود داخل الأراضي اللبنانية، وسط تكهنات حول المستوى الذي قد يصل إليه هذا التوغل، وما إذا كان سيتحول إلى احتلال، أو اجتياح واسع.
وحتى اللحظة لا يتوفر كثير من المعلومات حول المناطق التي توغل فيها جيش الاحتلال، فبينما قال جيش الاحتلال إنه يخوض معارك عنيفة، نفى ذلك "حزب الله"، بالتزامن مع توجيه الجيش الإسرائيلي دعوة لسكان عدد من البلدات اللبنانية الحدودية لمغادرة منازلهم فوراً.
وبالرغم من حديث "إسرائيل" عن توغل بري محدود، فإن الاختراقات التي حققها جيش الاحتلال مؤخراً ضد "حزب الله" قد تغريه لتنفيذ عملية حاسمة، تتطلب توغلاً أوسع وربما احتلالاً، فكيف تبدو سيناريوهات التوغل البري المتوقعة؟
طلبات إخلاء
وبعد ساعات فقط من بدء العملية البرية التي بدأتها قوات "كوماندوز" في جنوب لبنان، طالب جيش الاحتلال سكان البلدات والقرى اللبنانية في الجنوب بإخلائها فوراً.
يأتي هذا في الوقت الذي يخوض فيه جيش الاحتلال معارك وصفها بالصعبة، مع قوات "حزب الله" في الجنوب، في حين قال الحزب إنه قصف بالمدفعية قوات الاحتلال في المطلة عبر الحدود.
ويبدو أن جيش الاحتلال يحاول استغلال حالة الإرباك التي تعرض لها "حزب الله" عقب اغتيال أمينه العام، وعدد من قيادات الحزبية، لتوجيه ضربة تالية، في الجنوب اللبناني، قبل أن يستعيد الحزب زمام المبادرة بعد استيعاب الضربات التي تعرض لها سابقاً.
ويقول جيش الاحتلال إن هدف العملية البرية هو القضاء على البنية التحتية لـ"حزب الله"، وإعادة سكان المستوطنات والبلدات الإسرائيلية في الشمال إلى مساكنهم، وهي عملية كما يبدو تحتاج إلى وقت طويل، وعمل بري ربما يكون أوسع من المعلن.
وبالرغم من حديث الأمريكيين عن أن العملية الإسرائيلية قد تأخذ أياماً فقط، فإن مسؤولاً إسرائيلياً قال لهيئة البث العبرية إن نطاق العملية العسكرية في جنوب لبنان يمكن أن يتغير، مشيراً إلى أن العملية حالياً "محددة بزمان ومكان لتدمير موارد الحزب".
سيناريوهات الغزو البري
وأمام هذه العملية البرية التي بدأها جيش الاحتلال، ثمة عدة سيناريوهات مطروحة على الطاولة، نستعرضها فيما يلي:
الغزو المحدود
على غرار ما حصل في العام 2006، حيث تقوم قوات الاحتلال بالتوغل بضعة كيلومترات، وبوتيرة بطيئة، لإزالة التهديدات التي لا يمكن تدميرها بالضربات الجوية كالأنفاق وغيرها، ويمكن أن يتم ذلك بمشاركة القوات الخاصة، وبغطاء جوي، وفق صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وهذا السيناريو محفوف بكثير من المخاطر، وقد لا تستطيع "إسرائيل" التحكم بحدوده، خصوصاً أن "حزب الله" قد استعد كثيراً منذ العام 2006، بالرغم من الضربات التي تعرض لها.
ويرجح المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن، في تصريح لـ"بي بي سي"، أن يكون التوغل "بطيئاً ومدروساً وحذراً"، يتضمن البلدات واحدة تلو الأخرى، تماماً كما حصل في 2006، لكن بعمق أكبر وصولاً إلى نهير الليطاني.
فرض منطقة عازلة
ومن السيناريوهات أيضاً، وفق صحيفة "لوفيغارو"، أن يقيم جيش الاحتلال منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية تمتد عدة كيلومترات، كما حصل عام 1985، وهو ما يعتبر احتلالاً للأرض، وهذا يتنافى مع المعلن حالياً، لكنه سيناريو مطروح، خصوصاً أن هناك تقارير تتحدث عن سعي "إسرائيل" لمنع تدفق السلاح من سوريا إلى لبنان، عبر الحدود.
لكن العميد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في بيروت، قال لـ"بي بي سي"، إنه من غير المستبعد أن تغزو "إسرائيل" جنوب لبنان وتبقى فيه فترة مطولة، مذكراً بعواقب التوغل الذي حدث في 2006.
التقدم نحو الليطاني
ومن السيناريوهات أن تسعى "إسرائيل" للتقدم نحو نهر الليطاني، بذريعة تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي ينص على انسحاب قوات "حزب الله" إلى جنوب النهر، على بعد 30 كيلومتراً من شمال "إسرائيل".
ووفق صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فإن جيش الاحتلال قد ينفذ عملية توغل لإضعاف وتدمير بنية "حزب الله" التحتية، تماماً كما حصل في عام 1978، ووفقاً للصحيفة، فإن هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً، وهو شبيه بما يحصل في قطاع غزة حالياً.
الوصول إلى بيروت
ويظل أحد السيناريوهات المطروحة خيار الاجتياح الواسع وصولاً إلى بيروت، وهو السيناريو الذي حصل عام 1978، عندما دفعت "إسرائيل" منظمة التحرير الفلسطينية إلى نهر الليطاني، وطاردتها إلى بيروت عام 1982، وحاصرتها لمدة شهرين، وفق "لوفيغارو".
لكن مسؤولاً إسرائيلياً قال لوكالة "رويترز"، إن خيار عملية أوسع تستهدف بيروت ليس مطروحاً على الطاولة، مشيراً إلى أن القوات المشاركة في العملية هي من النوع الذي يقوم بعمليات محدودة.
حرب مفتوحة
وثمة من يرى أن "إسرائيل" تخوض حالياً حرباً مفتوحة في لبنان، ومن هؤلاء الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور قاصد محدود، الذي قال لـ"الخليج أونلاين"، إن الواقع حالياً أن هناك حرباً مفتوحة ضد لبنان من البحر والجو، حيث يستهدف العمق اللبناني وتضرب الأهداف الاستراتيجية، والقيادات وأنظمة الاتصالات، والبنى التحتية.
وأضاف الدكتور قاصد محمود، أنه دون عمل بري لن تحقق النتائج المطلوبة، والمتمثلة في دفع "حزب الله" إلى شمال الليطاني، وإعادة سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم.
ولفت إلى أن ذلك لن يتم إلا باتفاق سياسي، وهذا أمر مرفوض إسرائيلياً، أو بعمل عسكري يصل إلى حالة عسكرية تُنهي إمكانيات "حزب الله"، وتمنع أي تهديد مستقبلي ضد الحدود الشمالية، وهذا لن يتم إلا بعمل بري واضح، حسب قوله.
واستطرد محمود قائلاً:
القصف الجوي يؤدي أغراضاً أخرى، لكنه يساعد العمل البري ويمهد له، ويحدث ضغطاً عسكرياً واجتماعياً ونفسياً وسياسياً، ويؤثر على الحالة العامة للبنان، وأيضاً في أوساط مقاتلي "حزب الله".
تم حشد 6 فرق وأكثر من 4 ألوية للعمل البري، لكنه مرتبط بإمكانيات النجاح، و"إسرائيل" حتى الآن غير متأكدة من مدى تأثير الضربات التي تلقاها "حزب الله"، بغض النظر عن مستواها وحجمها ونوعية أهدافها، وهل أضعفت قدرات الحزب.
الليلة الماضية، بدأت إجراءات عملياتية حقيقية على الأرض، بدأ جيش الاحتلال بقصف مدفعي كبير وطويل، وعلى مدى عريض وواسع وعميق، ثم بدؤوا ببعض الإرهاصات البرية، بالاقتراب من الحدود وخوض بعض المناوشات الصغيرة، وهي عمليات جس نبض، ومحاولات استطلاع واكتشاف لنقاط قوة وضعف المواقع الدفاعية والقتالية لحزب الله، بناء على ذلك سيحدد شكل العمل.
ويقدم الدكتور قاصد محدود، الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية، عدة سيناريوهات مختلفة للمشهد العسكري في جنوب لبنان، نوردها كما يلي:
التدرج في العمل العسكري
السيناريو الأول، الفكر الإسرائيلي يقوم على أن يحاول أن يتوغل بحدود قليلة وبسيطة في المراحل الأول، ويتقدم من أكثر من محور، ثم يقرأ التقدم، والمحور الأكثر نجاحاً يعززه، والمحور الضعيف يوقف.
ويضيف محمود أنه أينما اتجه نجاحهم فسيتجهون، وهذا السيناريو يعتمد على مدى نجاح حزب الله في استيعاب الهجوم وتعطيله أو تأخيره، وإجبار "إسرائيل" على إعادة النظر بخططها العملياتيه، أو العودة إلى القصف من جديد والتركيز على المواقع الأمامية.
وفي حال نجح الإسرائيليون في تحقيق اختراق، فإنهم سيعززون النجاح والتقدم، ومن وجهة نظر الدكتور قاصد محمود فإن كلمة "عملية محدودة" ليست أكثر من عبارة سياسية إعلامية.
وأضاف: "كلمة محدود أعتقد أنها عبارة سياسية إعلامية، لا مكان لها، نحن في حرب شاملة، العمل البري مقابل الحرب الشاملة في لبنان، هو يعتبر عملاً محدوداً".
وأشار إلى أن العمل البري حالياً يتم في قاطع جغرافي ضيق، وكلما نجحت "إسرائيل" فستتطور إلى أن يصلوا إلى الأهداف المرسومة، وفي مقدمتها الهدف الكبير المتمثل في الوصول إلى الليطاني، وإخراج "حزب الله" من الجنوب نهائياً.
وقف إطلاق النار
ويرى محمود أنه في حال لم تجد "إسرائيل" مؤشرات إيجابية للعملية البرية، واصطدمت باستعدادات "حزب الله"، فإن هناك الحل السياسي الذي تتبناه أمريكا، الذي يؤيده رئيس الحكومة اللبنانية، ورئيس مجلس النواب الذي يعتبر ممثلاً لـ"حزب الله".
وقال محمود: "إذا لم تقرأ إسرائيل آفاق النجاح، فسيكون الحل السياسي موجوداً من خلال هدنة أو وقف إطلاق النار، من أسبوع إلى ثلاثة، كأقصى حد، بشروط وظروف معينة، وأعتقد أن الأمريكان قد يفرضونها وتقبلها الحكومة اللبنانية، حتى لو فصلوا بين غزة والشمال، هذا يعتبر نجاحاً إسرائيلياً تقريباً، لكنه مرتبط بسقف زمني محدود، ومن ثم لن يكون هناك كثير من التغييرات الدراماتيكية على جبهة جنوب لبنان في هذه المدة الزمنية".
ونوّه محمود في ختام حديثه بأن قصف "حزب الله" لتل أبيب ومحيطها، يعني أنه استعاد عافيته العملياتية، وهذا مهم أيضاً، وسيؤثر على احتمالات توسع العمل البري من عدمه؛ لكونه سيبعث الروح في مقاتلي الحزب، وسيؤثر في روح النصر التي بثها نتنياهو في المجتمع الإسرائيلي بعد اغتيال نصر الله.
واختتم حديثه بالقول: "أعتقد أن الحالة العامة بدأت تأخذ نوعاً من إعادة التوازن بين حزب الله وإسرائيل، وهذا ستكون له تأثيراته على العملية البرية، وحالياً إسرائيل تقوم بالمرحلة الأولى من جس النبض، واستطلاع المواقع، وستستمر بناء على ذلك في تطوير خططها، ونحن أمام أيام أو أسابيع من هذا العمل".