
كامل جميل
لم تكن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت عناصر "حزب الله" اللبناني متوقعة من ناحية الأسلوب؛ باعتمادها على تفجير أجهزة الاتصال، ما يطرح تساؤلاً عن إمكانية الردّ ونوعيته من قبل إيران وحلفائها فيما يعرف بـ "محور المقاومة".
37 قتيلاً وأكثر من 3 آلاف و250 جريحاً، حصيلة يومي الثلاثاء والأربعاء (17 - 18 سبتمبر الجاري)، الناجمة عن تفجيرات أجهزة "البيجر" و"واكي تاكي"، ولحقها تفجير بهجوم جوي دقيق استهدف مبنى كان يشهد اجتماعاً لعناصر من حزب الله في بيروت، أدى إلى مقتل 15 شخصاً منهم، بينهم القائدان إبراهيم عقيل وأحمد محمود وهبي.
"إسرائيل" اعترفت في بيان أن طائراتها الحربية "نفذت غارة جوية دقيقة" قتلت من خلالها عقيل ووهبي ورفاقهما، لكنها لم تعترف بوقوفها وراء تفجير أجهزة الاتصال.
قرار إسرائيلي
وعقب التفجيرات أكد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن "إسرائيل ستضمن عودة عشرات الآلاف من سكان مناطق الحدود الشمالية إلى ديارهم".
أيضاً، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي: إن "إسرائيل مصممة على تهيئة الظروف الأمنية التي ستعيد سكان الشمال إلى ديارهم"، مؤكداً أنه "يجب أن يكون الثمن الذي يدفعه حزب الله في كل مرحلة أكبر"، مضيفاً: "لدينا المزيد من القدرات التي لم نفعّلها ورأينا جزءاً منها فقط".
لكن الصحافة العالمية نقلت عن مسؤوليين إسرائيليين دون أن يكشفوا عن هوياتهم أن ما جرى من تفجير لأجهزة الاتصالات كان مخططاً له منذ وقت طويل، ومن بين أبرز ما جاء في هذا الصدد:
- قال مصدر أمريكي لشبكة "إيه بي سي نيوز" إن:
المخططات الاستخباراتية التي تتيح التوغل في سلاسل التوريد لأجهزة "البيجر" استمرت على مدى نحو 15 عاماً.
"إسرائيل" كان لها دور في تصنيع هذه الأجهزة.
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" كانت لفترة طويلة مترددة في استخدام هذا الأسلوب بسبب المخاطر العالية التي قد يتعرض لها المدنيون.
- موقع "إكسيوس" الأمريكي نقل عن 3 مسؤوليين تأكيدهم أن "إسرائيل" قررت تفجير أجهزة "البيجر" في هذا الوقت تحديداً، بسبب مخاوف من اكتشاف حزب الله لعمليتها السرية، مبيناً:
- مسؤول إسرائيلي مطلع على العملية أكد أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خططت لاستخدام أجهزة البيجر المفخخة، التي تمكنت من زرعها في صفوف عناصر حزب الله، كضربة افتتاحية مفاجئة في حرب شاملة لمحاولة شل الحزب.
- أكد المسؤول الإسرائيلي أن القادة الإسرائيليين باتوا في قلق خلال الأيام الأخيرة من أن حزب الله قد يكتشف اختراق أجهزة البيجر، ولهذا قرر نتنياهو، وكبار وزرائه ورؤساء قوات الدفاع الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات، استخدام النظام الآن بدلاً من المخاطرة باكتشافه من قبل الجماعة في لبنان.
- كشفت المصادر أن كبير مستشاري الرئيس بايدن، عاموس هوكشتاين، عندما زار "إسرائيل"، قبل يوم من تفجير "البيجر"، كان نتنياهو ووزير دفاعه غالانت ومسؤولون كبار آخرون منخرطين في ساعات من المشاورات الأمنية حول قضية تعرض العملية للخطر، في إشارة منهم إلى تفجير "البيجر".
الحليف الأمريكي موقف صريح
- الولايات المتحدة التي تظهر بلعبها دور الوسيط لإيجاد حلّ سلمي للحرب في غزة بين "إسرائيل" و"حماس"، لا يمكن تصورها تقف إلى غير جانب تل أبيب، وهو ما تظهره علنياً من خلال الدعم العسكري.
- سياسياً أكدت واشنطن، في جلسة لمجلس الأمن خصصت لبحث التطورات في لبنان، الجمعة (20 سبتمبر)، حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حزب الله اللبناني.
- هذا ما قاله نائب المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن، روبرت وود، مبيناً أن "حزب الله استمر في مهاجمة إسرائيل بدعم من إيران، ولإسرائيل حق الدفاع عن نفسها ضد هجماته".
- سبق تصريح وود بيوم واحد، تصريحات صحفية للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، أكد فيها أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها لوقف أي تهديدات في المنطقة، لكنه أكد أننا "ندعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام حماس وحزب الله وإيران ووكلائها".
- في خضم هذه التطورات والتصعيدات عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة بحاملة طائرات وعدد كبير من الجنود، وهو تأكيد صريح على أن حماية "إسرائيل" والمصالح الغربية بالمنطقة هدفاً أمريكياً.
- إذ أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الجمعة (20 سبتمبر)، إرسال حاملة الطائرات "هاري إس ترومان" وطاقمها المؤلف من 6500 وفرقاطات عسكرية، إلى المياه الإقليمية في الشرق الأوسط.
موقف إيران وأذرعها
- لم تُظهر أطراف المقاومة التي تدعمها إيران بالمنطقة، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن سوى هجمات بأسلحة يمكن وصفها بالتقليدية؛ من طائرات مسيرة وصواريخ، في مقابل التطور التكنولوجي الذي استخدمته "إسرائيل" وبرز في تقجير أجهزة الاتصالات.
- الأمر هذا يبدي تساؤلاً عن مدى مستوى الرد الممكن على الهجمات الإسرائيلية في بيروت، وما إذا كان لإيران موقف أكثر حزماً وهي التي لم تثأر لاغتيال إسماعيل هنية الذي قتل بالعاصمة طهران في 31 يوليو الماضي بضربة إسرائيلية.
وتعليقاً على تطورات المشهد بين "إسرائيل" و"حزب الله" يقول المحلل السياسي عماد الشدياق لـ"الخليج أونلاين":
- فرص رد "حزب الله" على الحرب الإسرائيلية التي تشن على لبنان في الوقت الحاضر ضئيلة جداً، حزب الله لا يستطيع أن يظهر قدراته إلا في حرب شاملة، هذا إن كان بقي لديه قدرات.
- الاختراقات والنتائج التي حققتها "إسرائيل" بواسطة التكنولوجيا والذكاء الصناعي، والتفوق التكنولوجي عموماً، كل ذلك يظهر أن الاستراتيجية التي وضعها "حزب الله" منذ 2006 إلى اليوم استراتيجية خاطئة.
- "إسرائيل" كانت متقدمة بأشواط على "حزب الله"، مش بخطوة لقدام، استراتيجية حزب الله كانت قائمة على تكديس الصواريخ، من أجل ترهيب الإسرائيلي، وخلق ما يسمى الردع، لكن "إسرائيل" لم يعد هناك ما يردعها بعد طوفان الأقصى.
- هناك نوع من الإبادة تمارسها "إسرائيل" على "حزب الله"، من بعد عملية البيجر وأجهزة اللاسلكي، والاغتيالات بالأمس، التي شهدت تصفية قيادة الرضوان كلها، فضلاً عن تصفية الدائرة الضيقة التي تحدث عنها حسن نصر الله.
- "حزب الله" يتغاضى عن حقيقة أن المعركة اليوم تُدار بمباركة غربية، وحياد عربي، وصمت إيراني، "حزب الله" أخطأ خطأ استراتيجياً إذ اتخذ قراراً بمساندة غزة، الجميع في العالم يعترف أنه مقاومة للدفاع عن لبنان، رغم كل التدخلات خارج الحدود، في سوريا ودول الخليج، ولكنه حتى اللحظة الأخيرة كان يعتبر سلاح للدفاع عن لبنان.
- بدخول الحزب لمساندة غزة هو أراد أن يفرض نفسه شرطياً على المنطقة، وهذا مرفوض، واليوم الثمن قد يكون رأس "حزب الله"، يعني إنهاء الجناح العسكري وترك الجناح السياسي.
- الكل موافق على أنه ممنوع على "حزب الله" أن يمتلك جناحاً عسكرياً بعد اليوم، كيف سيكون تحقيق ذلك، بحرب شاملة، أم في جنوب لبنان، أم بقصف الضاحية؟ هذا ما سيظهر لاحقاً، لكن الواضح أن هناك قراراً اتخذ بإنهاء الجناح العسكري لـ"حزب الله".
وحول ما يمكن أن تقوم به الفصائل الموالية لإيران يقول:
- قد تكون هناك نية لدى فصائل إيران لمساندة "حزب الله"، لكن يبدو أن "إسرائيل" والغرب والولايات المتحدة وبريطانيا بالمرصاد، وفي حال رصدوا أي شيء، فسيتدخلون لوقف أي مساندة.
- الموقف الإيراني من بعد الانتخابات الرئاسية ملتبس وغير واضح، وباختصار قد تكون النية موجودة للتدخل، لكن القدرة ليست موجودة.
- المفاجآت قد تحدث من اليمن من خلال إطلاق الصواريخ، أكثر من هذا لا يستطيعون فعل شيء، ما فعلوه من أجل غزة قد يقومون به دعماً لـ"حزب الله" في لبنان.
- هناك سياسة أرض محروقة تعتمدها "إسرائيل"، من أجل غزو بري محتمل، عملية تنظيف، ثم تُجبر "حزب الله" على قرار دولي شبيه بالقرار 1701، وبما يضمن تحييده.
- اليوم تقوم "إسرائيل" بتحييد الخطر الإيراني من محيطها، "حزب الله" في الشمال، و"حماس" في غزة، والحوثي في اليمن، كل هذه الجماعات تعمل "إسرائيل" على التخلص منها، وقد نجحت في تحييد "حماس" والدور الآن على "حزب الله".