
على ضفاف أحد أنهر فيينا، أدّت الأعمال التي نُفّذت خلال السنوات الأخيرة إلى الحدّ من تأثير العاصفة بوريس، بحسب السلطات، وباتت المناظر الطبيعية تحل محل المباني الأسمنتية.
وتوصلت دراسة نشرتها شبكة "وورلد وذر اتريبيوشن" للعلماء الأربعاء إلى أنّ الأمطار التي طالت وسط أوروبا وشرقها في منتصف أيلول/سبتمبر كانت "الأشد على الإطلاق" في المنطقة.
وأشارت إلى "خسائر تزداد فداحتها للتغير المناخي" الذي يعزز من احتمال تسجيل هذه الظواهر مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، ويزيد من شدتها.
وفي العالم الراهن الذي يشهد احترارا يصل إلى نحو 1,3 درجة مئوية مقارنة مع معدلات ما بين 1850-1900، من المتوقع هطول كميات مماثلة من الأمطار "مرة كل مئة إلى ثلاثمئة عام".
وتضيف "وورلد وذر اتريبيوشن" أنّ رغم طبيعتها التاريخية، تسببت العاصفة "بوريس" بوفيات "أقل من سابقاتها" في أوروبا، لا سيما تلك التي حدثت عام 1997 (114 حالة وفاة) وسنة 2002 (232 حالة وفاة)، وذلك بفضل "الدروس المستقاة".
وفي المجموع، توفي ما لا يقل عن 24 شخصا في النمسا وجمهورية التشيك وبولندا ورومانيا.
- طبيعة وخزانات -
وفي العاصمة النمسوية، حيث لم يتم الإبلاغ عن أي حالة وفاة، أشادت البلدية ووزارة البيئة بالجهود المبذولة لاستعادة النظم البيئية، خصوصا في محيط نهر ليسينغ، الذي ارتفع منسوبه بمقدار ثلاثة أمتار، وهو رقم غير مسبوق منذ مئة عام.
وقال المسؤول في البلدية يوزف غوتشال لوكالة فرانس برس، وهو يشرح التحول الذي أُجري في الموقع، "لو لم نعد هذه المساحة إلى الطبيعة، لكانت الأمطار تسببت في أضرار أكبر بكثير".
وفي ظل الانتقادات بشأن التكلفة الإجمالية والفائدة من هذا المشروع الوقائي الذي استغرق ثلاث سنوات (نحو 135 مليون يورو)، يشدد على "الأرواح الثمينة التي أُنقذت والأضرار الأقل التي سُجلت".
ويقول الخبراء إن بناء أحواض لتجميع المياه أدى أيضا دورا إيجابيا، مما أكد كذلك فعالية أنظمة التنبؤ والإنذار المبكر.
وتقول فيديريكا ريموندي من شركة "سويس ري" للتأمين "بعد ظواهر 1997 و2002، استثمرت البلدان المعنية في تدابير التكييف وخفض التأثير".
وتضيف "لولا هذه الجهود، لكان من الممكن أن يكون التأثير العام والخسائر أكبر"، داعية إلى مواصلة الجهود، حتى لو "اختلفت الموارد بشكل كبير من بلد إلى آخر".
ففي رومانيا مثلا، وهي إحدى أفقر البلدان في الاتحاد الأوروبي، غمرت المياه منطقة غالاتي (جنوب شرقي) للمرة الثالثة خلال بضع سنوات.
وأقرّت وزارة البيئة بالحاجة إلى بذل جهود إضافية، إذ دعا الصندوق العالمي للطبيعة إلى وضع "خطة استراتيجية متماسكة" تعتمد على أفكار طُبّقت أصلا في أماكن أخرى.
-أضرار بالمليارات -
وفي جمهورية التشيك حيث لا يزال ثمانية أشخاص في عداد المفقودين، تم تحسين تدابير الحماية من الفيضانات لكنها لا تزال غير كافية. وعلى الرغم من أن قرية تروبكي تعرضت لأضرار بالغة عام 1997، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى سدّ ونجت بأعجوبة من كارثة جديدة.
من المفترض أن يؤدي مرور بوريس إلى تسريع الأمور، ففي حين فاض نهر أوبافا وجرف المدن، من الممكن أن تشهد أعمال بناء سدّ مخطط له عام 2027 تقدّما.
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ، تبقى الفاتورة مرتفعة، إذ أعلنت المفوضية الأوروبية عن مساعدات بقيمة 10 مليار يورو للمنطقة.
وفي النمسا، تقدّر شركات التأمين التكلفة بمبلغ يتراوح بين 600 و700 مليون يورو، ويتوقع الاقتصاديون بدلاً من ذلك مليارات عدة. وقد تم الحديث عن مبلغ مماثل في براغ.
وفي بولندا، خصص رئيس الوزراء دونالد تاسك أكثر من 5 مليارات يورو، بما في ذلك أموال الاتحاد الأوروبي، لإعادة إعمار المناطق المنكوبة. وتضرر أو دمر أكثر من 18 ألف مبنى ومنشأة، بالإضافة إلى 80 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
وتم إجلاء آلاف الأشخاص، وبعد مرور أسبوع، لا تزال بعض المنازل من دون كهرباء.
وتقول البروفيسورة هايلي فاولر من جامعة نيوكاسل البريطانية، في حديث إلى وكالة فرانس برس إنه "تحذير جديد بشأن تسارع التغير المناخي".
وتضيف ان "بنيتنا التحتية ليست مصممة بشكل أساسي لتحمل مثل هذه الفيضانات. تم إخلاء مدن بأكملها، وانهارت سدود، وشهدت شوارع سيولا، بالإضافة إلى مشاهد كثيرة أصبحت مألوفة في العالم. والسؤال ليس "هل ينبغي علينا" التكيف مع هذا النوع من الأحداث؟" بل "هل يمكننا ذلك؟".