
إبراهيم شاكر
"لا تطبيع قبل قيام دولة فلسطين"، هكذا قدم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، موقف المملكة الثابت من موضوع التطبيع مع "إسرائيل"، مؤكداً على أنه لا يمكن إقامة علاقات مع دولة الاحتلال، ما دام الفلسطينيون بلا دولة، في قراءة للخليج أونلاين.
واللافت في هذا التصريح، أنه يأتي بعد عام كامل من تصريحات سابقة للأمير، قال فيها إن التطبيع بين الرياض وتل أبيب "أصبح قريباً"، ما يعني تحولاً في الموقف السعودي من جرائم الاحتلال المستمرة في غزة والضفة والمنطقة.
هذا التحول في الموقف السعودي، من شأنه أن يؤثر على التحركات الأمريكية الساعية لدفع عجلة التطبيع، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيدفع واشنطن للضغط على "إسرائيل" لوقف جرائمها في قطاع غزة.
تحول مهم
في الوقت الذي كانت واشنطن تسابق الزمن للوصول إلى صفقة تاريخية تضمن التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، خرج ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريح شديد اللهجة، دان فيه جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
بن سلمان، وخلال افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، يوم (18 سبتمبر) الجاري، اتهم "إسرائيل" بتجاهل القانون الدولي والإنساني في فصل جديد ومرير من المعاناة، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".
وتعهد بـ"مواصلة العمل الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية"، مؤكداً أن المملكة "لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك"، داعياً دول العالم إلى الاعتراف بدولة فلسطين.
تصريحات ولي العهد السعودي هذه، تأتي بعد قرابة عام كامل على أخرى أدلى بها لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية في (20 سبتمبر 2023)، قال فيها إن المملكة "تقترب كل يوم من الاتفاق مع (إسرائيل)".
جاء حديث بن سلمان الجديد نافياً ما تحدث به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي عقده في (5 سبتمبر) الجاري، حول أنه "لا يزال هناك أمل" في إبرام صفقة تطبيع بين السعودية و"إسرائيل" في الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في يناير المقبل.
ويشير الموقف السعودي الجديد إلى أن المملكة تسعى للضغط على "إسرائيل" من خلال تشديد موقفها بخصوص التطبيع؛ لإجبار تل أبيب على وقف جرائمها في غزة والضفة، وكبح جماح حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو التي تدفع المنطقة نحو الحرب الشاملة.
رداً على التطرف
وشهدت مفاوضات التطبيع الغير مباشرة بين "إسرائيل" والسعودية، والتي ترعاها الولايات المتحدة، حالة من الجمود، مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
ونقلت الوكالة عن المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي، قوله إن "مواقف نتنياهو المتطرفة والمتشددة وغير المسؤولة خلال الحرب في غزة هي التي جعلت الأمير محمد يصل إلى هذا القرار الحازم".
وأضاف العقيلي، إن "موقف المملكة الثابت منذ فترة طويلة يربط أي تقدم في العلاقات مع إسرائيل بحصول الفلسطينيين على حقهم في دولة مستقلة"، في حين قال الخبير في العلاقات السعودية الإسرائيلية عزيز الغشيان، إن "حديث ولي العهد موجه أيضاً إلى الإدارة المستقبلية للولايات المتحدة"، مشيراً في تصريح نقلته "الفرنسية" إلى أن الأمير "يحرص على أن يقول لكل من سيأتي ويدفع نحو التطبيع إن القضية الفلسطينية هي قضية مهمة للسعودية".
ولي العهد: المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية#الخطاب_الملكي | #الإخبارية pic.twitter.com/9W0Uyyie4Y
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) September 18, 2024
موقف ثابت
وبالنظر إلى تسلسل مواقف المملكة، يؤكد مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ" السعودية، أن مواقف بلاده التاريخية لدعم القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبدالعزيز، وحتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان "ثابتة تجاه فلسطين وشعبها".
وقال آل هتيلة في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين":
- تشديد ولي العهد على أنه لا يمكن التطبيع مع "إسرائيل" قبل إقامة دولة فلسطينية وإدانته الشديدة للعدوان على غزة، يمثل تأكيداً على موقف المملكة الثابت الذي لا يتزحزح لدعم قضية وكامل حقوق الشعب الفلسطيني.
- تأكيد الأمير محمد بن سلمان يوضح لمن في قلوبهم مرض ويتاجرون بالقضية الفلسطينية لتحقيق مآرب وتنفيذ أجندات تضر بالقضية الفلسطينية، أن السعودية كانت ولا تزال وستبقى السند الحقيقي، والشقيق الصادق للقيادة والشعب الفلسطيني إلى أن ينالوا حقوقهم كاملة وغير منقوصة، وتتحقق أحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم بدولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.
- تأكيد ولي العهد، لم يأت مصادفة وإنما ترجمة لجهد يقوم به إقليمياً وعالمياً، من خلال لقاءاته بالزعماء والوزراء وعقد المؤتمرات التي تصب جميعها في مصلحة القضية الفلسطينية ونصرة غزة وأهلها.
- يكفي أن ولي العهد في كل لقاء وفي كل مناسبة يؤكد "أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بقيام دولة عاصمتها القدس الشرقية، ومنح الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة".
جهود كبيرة
وفيما يتعلق بالأدوار والمواقف السعودية، يقول الصحفي آل هتيلة:
- لا تزال المملكة تبذل جهودها القوية وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقود تحركات عربية إسلامية وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونيل الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة.
- تحتفظ القيادة والشعب الفلسطيني بمواقف المملكة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وتأكيده للقيادة الفلسطينية "نقبل ما تقبلون ونرفض ما ترفضون"، وإطلاقه اسم القدس على القمة العربية التي عقدت في المنطقة الشرقية من السعودية.
- الدعم السخي والمتواصل للشعب الفلسطيني، وقيادة المملكة لأقوى جبهة عربية إسلامية تجوب العالم لنصرة القضية الفلسطينية في مواجهة العربدة الإسرائيلية؛ أسفر عن اعتراف 147 دولة بالدولة الفلسطينية، في ضربة موجعة تلقاها الكيان الصهيوني، الذي لا زال ينتهك القوانين والأعراف الدولية.
- العالم اليوم ومن خلال اللقاءات بين الزعماء، والمؤتمرات والندوات التي يحضرها الوزراء، لا يمكن له الخروج عن المبادرة العربية للسلام، وهي المبادرة السعودية في الأصل التي طرحت بالقمة العربية في بيروت (2002) وحظيت بموافقة جماعية، والتي تنص على "إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة"، وهو ما يعني أنه لا يمكن الخروج بأي حال من الأحوال عن رؤية الرياض لحل القضية.
ضربة لطموحات نتنياهو
بدوره يرى المحلل السياسي الأردني الدكتور منذر الحوارات، أن حديث ولي العهد السعودي "مهم جداً"، لافتاً إلى أنه "يقطع أوصال تفاؤل نتنياهو بأنه يمكن أن يحصل على كل شيء، بدون أن يقدم أي تنازلات حقيقية".
وأضاف الحوارات في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، أن نتنياهو "كان توقعه أنه يستطيع أن يدمر غزة والفلسطينيين، ولا يعطيهم حقهم في وطن، ويحصل على التطبيع مع السعودية".
وجاء في حديثه:
- بن سلمان كان حاسماً في قطع الشك باليقين، وقطع أحبال الوهم عند نتنياهو، عندما أكد أن التطبيع مع "إسرائيل"، مرتبط كلياً بتحقيق المطالب العادلة للفلسطينيين، والمتمثلة في إقامة دولة ذات سيادة، وذات جغرافيا واضحة محددة، وفق القرارات الدولية.
- هذا الكلام يؤكد أن السعودية ماضية قدماً في دعمها للشعب الفلسطيني، وأن بن سلمان لا يريد أن يخطوا خطوة باتجاه "إسرائيل"، دون أن يكون لها ثمن.
- باعتقادي أن الأمير قادر على أن يحقق مطالب السعودية ومطالب الفلسطينيين، فوزن السعودية الكبير، وثقلها الإقليمي وثقلها الإسلامي، وثقلها الدولي، يمكِّنها من فرض شروط كبيرة وتحقيقها.
- أعتقد أن بن سلمان والسعوديين عموماً أدركوا ذلك وهم لا يريدون أن يقدموا على التطبيع مع "إسرائيل" دون مقابل حقيقي في الاتجاه الإسرائيلي، وهذا سلوك محمود، يخدم القضية الفلسطينية ويخدم السعودية، ويضع حدوداً لطموحات نتنياهو التي لا تنتهي، والتي تصب في جلها على القفز فوق حقوق الفلسطينيين، والقول أن بإمكانها التطبيع مع الدول العربية دون إقامة دولة فلسطينية.