
غزة - مع استمرار ارتكاب إسرائيل لمجازر بحق الفلسطينيين، وبخاصة الجماعية، في كافة محافظات غزة منذ أكثر من 11 شهراً، فإن آلاف العائلات لا تزال تلجأ إلى دفن أبنائها في مقابر جماعية عشوائية مستحدثة، بشكل أصبح أشبه بالظاهرة، ويزداد الوضع سوءًا مع استهداف تل أبيب بشكل مستمر للأفراد الذين يحاولون الوصول إلى المقابر لدفن أقربائهم، وفق «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان».
واستعرض المرصد، أمس الأربعاء، مواقع وتواريخ إنشاء نحو 30 مقبرة جماعية عشوائية تضم نحو 3.000 شهيد في محافظات غزة الشمالية والوسطى والجنوبية، كنموذج لوضع المقابر الجماعية في القطاع، فيما أشار إلى أنه على أرض الواقع يبقى هناك أكثر من 120 مقبرة جماعية عشوائية دُفن فيها ثلاثة أفراد فأكثر، استحدثت في قطاع غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول.
وبيّن أن معظم المقابر العشوائية تبقى غير موثقة، حيث يوجد العديد منها داخل المنازل والأماكن الخاصة، ويجري نقل بعضها إلى مواقع مختلفة بين الحين والآخر. وبذلك يظل عدد ومواقع هذه المقابر متغيرين باستمرار. علاوة على ذلك، يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر تجريف هذه المقابر والمقابر الرسمية، وتشويه جثامين الضحايا، وسلب عدد منها، الأمر الذي يعد انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
المقبرة الأكبر
ووفق «الأورومتوسطي» فإن أكبر المقابر الجماعية التي وثقها هي «مقبرة البطش» في حي «التفاح» شرقي مدينة غزة، حيث تضم المقبرة بين 500 ـ 1.000 قتيل دُفنوا فيها منذ إنشائها في 22 أكتوبر/تشرين أول 2023، أي بعد أسبوعين فقط من بدء الهجوم العسكري على غزة.
ووثقت فرق المرصد ظهور المقابر الجماعية والعشوائية منذ تدشين أول مقبرة جماعية في مجمع الشفاء الطبي في 15 تشرين أول/أكتوبر 2023، بعد تعذر نقل القتلى والموتى إلى المقبرة الرسمية في مدينة غزة لوجودها شرق غزة، ولاحقاً توالى إنشاء هذه المقابر حتى زاد عددها على 120 مقبرة جماعية.
وأشار إلى أن هذه المقابر تتوزع في الأحياء السكنية وأفنية المنازل والطرقات وصالات الأفراح والملاعب الرياضية وساحات المستشفيات والمدارس والمساجد والأراضي الزراعية، وحتى مفترقات الطرق العامة.
أشبه بالظاهرة
وقال باحث المرصد «الأورومتوسطي» الميداني في مدينة غزة إن «المقابر الجماعية العشوائية أصبحت شيئًا أشبه بالظاهرة في غزة، حيث تُرى في الطرقات وفي الجزر المرورية وقرب الأسواق والمباني السكنية بشكل عشوائي، فيما يلجأ السكان لاستخدام أدوات مختلفة كشواهد للقبور لكتابة أسماء الضحايا بدلامن الإسمنت والحجارة، بما في ذلك صواني الطعام البلاستيكية، والبراميل أو الغالونات البلاستيكية، والألواح الخشبية أو الورقية، وغيرها من الأدوات المنزلية».
وتضطر العائلات إلى إنشاء هذه المقابر العشوائية بسبب صعوبة الوصول إلى المقابر الرئيسية نتيجة القصف المستمر واستهداف الأفراد، بالإضافة إلى تقسيم القطاع وفرض الحصار وتدمير البنية التحتية، وشح الوقود ووسائل النقل، فضلاعن أن المقابر الرئيسية امتلأت بالجثامين بسبب العدد الكبير والمتزايد للضحايا. وحسب «الأورومتوسطي» بعض المقابر الجماعية التي وثقها تضم جثامين لأفراد لا يزالون مجهولي الهوية، رغم دفنهم منذ أشهر خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة على غزة.
الاحتلال يتعمّد قصفها… وصواني الطعام وأدوات منزلية أخرى تستخدم كشواهد للقبور
ووفق المرصد، تحرم الهجمات العسكرية المستمرة، إلى جانب الاستهداف المباشر عن طريق القصف أو القنص أو إطلاق نار من مسيّرات كوادكابتر العائلات من الوصول إلى المقابر الرئيسة لدفن أبنائها بشكلٍ لائق وبما يليق بكرامة الإنسان، كما تجعل عملية حصر وتسجيل وتحديد هويات الضحايا شبه مستحيلة.
ورغم أن تراكم الجثامين أو دفنها بطرق غير صحيحة لا يشكل خطرًا صحيًّا كبيرًا على السكان، كون الضحايا لم يتوفوا نتيجة أوبئة أو أمراض معدية، إلا أن تسرب بقايا تلك الجثامين، بما في ذلك البراز منها، إلى مصادر مياه الشرب والاستخدام الخاصة بالسكان، من الممكن أن يؤدي إلى إصابتهم بأمراض معوية مختلفة، تبعا للمرصد. وكانت فرق «الأورومتوسطي» وثقت منذ بداية الهجمات العسكرية الإسرائيلية اعتداء جيش الاحتلال الإسرائيلي على عشرات المقابر، من خلال تعمد قصفها واستهدافها، ونبش وتخريب القبور فيها، وسلب عشرات الجثث لموتى وقتلى. وتعد تلك الاعتداءات على المقابر الرئيسية سببًا آخر للسكان يدفعهم للجوء إلى استحداث مقابر عشوائية جديدة ونقل جثامين أقاربهم إليها.
وشدد المرصد على أن إسرائيل تفرض ظروفًا غير إنسانية على سكان قطاع غزة، بما يمثل انتهاكًا خطيرًا لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي يكفل احترام كرامة الموتى ومعاملة الجثث بطريقة لائقة، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تنص في المادة 17 على واجب الأطراف المتنازعة في «اتخاذ التدابير اللازمة لضمان دفن الموتى بشكل لائق وحماية شرفهم».
وطالب منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالاضطلاع بدورهما في ضمان كرامة الجثث المدفونة في عشرات المقابر الجماعية في غزة، وتأمين دفنها وفق المعايير الدولية.
وأعاد التأكيد على وجوب تحرك المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي التي تنص على ضرورة احترام جثامين وحمايتها أثناء النزاعات المسلحة، وضرورة اتخاذ الإجراءات الممكنة لمنع سلب القتلى والموتى كرامتهم وتشويه جثامينهم وتأمين الدفن اللائق لهم، فضلاعن ضرورة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف جريمة الإبادة الجماعية فورًا ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ومحاسبتها على كل الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها لمنع الإفلات من العقاب.
توثيق أماكن 28 مقبرة جماعية في محافظات القطاع
وثقت فرق المرصد الأورومتوسطي» 28 مقبرة جماعية عشوائية في محافظات غزة المختلفة. ففي محافظة شمال غزة، تحدث المرصد عن مقبرة جماعية في سوق «العودة» الشعبي بجوار مركز شرطة مخيم جباليا، أنشئت بتاريخ 5 ديسمبر/كانون الأول 2023 وتضم نحو 120 جثة.
كما أشار إلى مقبرة بجوار مستشفى «الإندونيسي» في حل تل الزعتر شمالي مخيم جباليا، أنشئت بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم نحو 200 جثة.
ولفت أيضا إلى واحدة، في سوق جباليا، أنشئت بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 2023، وتضم نحو 100 جثة، وأخرى، في الساحة الخلفية لمدرسة جباليا الإعدادية (أ) في مخيم جباليا، أنشئت بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتضم أكثر من 55 جثة.
كذلك تحدث عن مقبرة في مدرسة «الرفاعي» مقابل مسجل العمري وسط جباليا البلد، وتضم أكثر من 70 جثة، ومقبرة في مدرسة «حليمة السعدية» جنوبي جباليا النزلة، وتضم أكثر من 250 جثة، بعضها لمجهولي الهوية، ومقبرة جماعية في مستشفى اليمن وسط مخيم جباليا، أنشئت بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، وتضم نحو 44 جثة، ومقبرة مقامة على جزيرة مرورية على امتداد شارع سلطان في بلوك (2) في جباليا، أنشئت في نوفمبر/تشرين الثاني ـ ديسمبر/كانون الأول 2023.
أما في محافظة غزة المدينة، فقد رصد «الأورومتوسطي» مقبرة في ساحة مجمع «الشفاء» الطبي، أنشئت بتاريخ 12-14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم نحو 179 جثة. ومقبرة الصبرة (1) أنشئت بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم أكثر من 100 جثة. ومقبرة شارع الاستقلال (القوس) قرب مفترق الشعبية في حي الدرج، وتضم أكثر من 200 جثة، ومقبرة الصبرة (2) قرب شارع «الدهشان» أنشئت بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2023 ومقبرة البطش في حي التفاح شرقي مدينة غزة، أنشئت بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتضم بين 500 ـ 1.000 جثة، ومقبرة في منتصف شارع الصحابة، قرب مسجد «عز الدين القسام» في حي الدرج وسط غزة، أنشئت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وتضم 150 جثة، ومقبرة في شارع «السدرة» في حي «الدرج» وسط مدينة غزة، أنشئت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وتضم نحو 20 جثة، ومقبرة شحيبر في حي الصبرة، أنشئت بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم نحو 100-120 جثة، ومقبرة اشتيوي في حي الزيتون، أنشئت بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم نحو 15 جثة، فضلا عن مقبرة قرب «ساحة الشوا» شرقي مدينة غزة.
وفي محافظة دير البلح وسط قطاع غزة، رصد «الأورومتوسطي» مقبرة في مدرسة تابعة للأونروا في مخيم البريج وسط قطاع غزة، أنشئت بتاريخ 14-15 يناير/كانون الثاني 2024، وأخرى في مدرسة الإعدادية للبنات في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، أنشئت بتاريخ 9 يناير/ كانون الثاني 2024، وتضم نحو 14 جثة.
أما في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، فتحدث المرصد عن مقبرة غرب خان يونس، أنشئت بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتضم نحو 111 جثة وأخرى في مدرسة «عبد الكريم الكرمي» في بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، أنشئت بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 2024، وتضم نحو 9 جثث.
كما أشار إلى ثلاثة مقابر جماعية في مستشفى «ناصر» أنشئت في يناير/كانون الثاني 2023، وتضم نحو 392 جثة، وواحدة في مستشفى «الأمل» أنشئت بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2024، وتضم نحو 4 جثث، وأخرى في جامعة «الأقصى» أنشئت بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2024.
كما لفت إلى مقبرة في «كلية صناعة الأونروا» غرب خان يونس، أنشئت بتاريخ 23 يناير 2024، وتضم نحو 14 جثة. وتحدث كذلك عن مقبرة الأغا، التي أقامتها عائلة «الأغا» في أرض مملوكة للعائلة بعد تدمير الجيش الإسرائيلي المقبرة الأساسية للعائلة في الحي النمساوي غرب المدينة، أنشئت بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2024. وأيضا سلط المرصد الضوء على مقبرة في حي «تل السلطان» غرب رفح، أنشئت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، وتضم نحو 80 جثة.