في ظلال القصر العثماني: حكاية الغموض والظلم في رواية اللعنة

2024-09-14

ضحى عبدالرؤوف المل

تعتبر رواية «اللعنة» للكاتبة السورية سها مصطفى عملاً سردياً يجمع بين الغموض والتفاصيل البيئية الدقيقة لاستعراض معاناة النساء عبر العصور. الرواية تتفرد بقدرتها على تجسيد البيئة القاسية لقصر العثمانيين، من خلال تعبير درامي يعزز أجواء الرعب المرتبطة بالسلطة. تقدم الرواية تجربة قراءة غنية، حيث تجمع بين التأمل في الظلم النسوي وتفاصيل الحياة اليومية، ما يضيف بُعدا نفسيا عميقا للشخصيات والأحداث.

تتسم «اللعنة» بقدرتها على تصوير البيئة المعقدة والمُرهقة التي تعيش فيها الشخصيات داخل القصر العثماني، حيث تبرز تفاصيل الحياة اليومية وعناصر العنف بواقعية حيوية. تُعرض الفكرة المسيطرة – الظلم المنظم – عبر الغموض الذي يكتنف الشخصيات والأحداث، ما يعزز التوتر ويبرز الصراع بين الفرد والسلطة. في هذا السياق، تنجح سها مصطفى في نقل إحساس معقد بالظلم، ما يجعل «اللعنة» عملاً نقديا يعبر عن ظلم النساء عبر العصور. فهل تستحق الرواية القراءة؟

تلعب شخصية فخرية دورا محوريا في عالم السحر والشعوذة ، حيث تُعرض بتفاصيل دقيقة سلطتها وتأثيرها. وتُبرز بوضوح تأثيرها القوي، مثل «نظرات احتقار كسياط على وجوههن المذعورة»، مما يرمز إلى قدرتها السحرية التي تُثير الرعب. تثير الرواية تساؤلات حول ما إذا كانت تأثيرات فخرية السحرية هي اللعنة نفسها، أو إذا كانت تصرفاتها تعكس تحليلاً دقيقا للعلاقات الجنسية والعادات المخالفة لشرائع المجتمع. على الرغم من الطغيان الواضح للفكرة المسيطرة، فإن الرواية تنجح في تقديم تفاصيل وصفية تضيف عمقا للأجواء والشخصيات. تتناول الرواية التناقضات بين شخصيات مثل فخرية وحمامة، ما يعكس قسوة الحياة وتباين تجارب النساء. بينما تُجسد حمامة النقاء والطهارة، فإن فخرية تمثل القوة والظلام، ما يخلق تباينا مثيرا يعزز تعقيد شخصيات الرواية.

تقدم شخصية ناديا جانبا آخر من الرواية، من خلال تأملاتها في الحياة والذكريات. توضح ناديا رحلتها التأملية، من خلال تفاصيل حياتها مع التحف والفنون في قصرها الجديد، وكذلك فترة جديدة في مزرعة جبل لبنان، أثناء رحلتها، تكتشف جمال التفاصيل الصغيرة والطبيعة المحيطة بها، مثل دودة القز التي تُذكرها بجهود النساء في صنع الحرير. يُنظر إلى هذا التحول كرمزية للصلة بين الإنسان والأشياء من حوله. تُعتبر «اللعنة» لسهى مصطفى عملاً أدبيا معقدا، يجمع بين الغموض والتفاصيل الوصفية الغنية كمشهد، رغم أن الفكرة المسيطرة قد تطغى أحياناعلى السرد الذي تاه بين الحين والآخر، فإن الرواية تقدم تجربة قراءة مليئة بالتفاصيل التي تعزز من فهم القارئ للظلم وتحدياته. عبر شخصيات متعددة وتفاصيل حية، تقدم الرواية تصورا معقدا للسلطة والظلم، ما يجعلها عملاً أدبيا يستحق الدراسة والتأمل في رمزيته وأبعاده النفسية والاجتماعية، ومن منظور نسوي إن صح لي قول ذلك وإن ارتبك السرد في رواية أولى لسها.

من خلال «اللعنة»، يمكن القول إن الرواية تستند إلى موضوع ظلم المرأة بمقاربات متعددة تتناول كيف تُظلم النساء في سياقات زمنية وثقافية مختلفة. تسلط الرواية الضوء على الممارسات التي تميزت بالظلم الممنهج، سواء في العالم القديم أو الحديث. تمثل «اللعنة» كناية عن الظروف التي تفرضها المجتمعات الذكورية، وتُحجم من حرية النساء وتحد من إمكانياتهن. في الروايات التي تتناول المرأة في العصور القديمة، يُستعرض كيف تُعاقب النساء بتشريعات صارمة أو تُهمش بأعراف اجتماعية ثقيلة. في المقابل، تُعرض الروايات المعاصرة ظلم المرأة عبر قضايا مثل التحرش الجنسي والتمييز، حيث تُناضل النساء ضد هذه الأنظمة. اللعنة هنا يمكن أن ترمز إلى الأعباء الاجتماعية والنفسية التي تواجهها النساء في العصر الحديث.

تستخدم سها مصطفى الرمزية لتمثيل الضغوط والتحديات التي تواجهها النساء، إلا أنها أحيانا ترتبك في سياق السرد. تُضغط الرواية على حياة الشخصيات لتعيد تشكيل نظرتها الذاتية من خلال «اللعنة» كرمز قد يعكس التصور الشعبي لكيفية تعامل المجتمع مع النساء اللاتي يرفضن القوالب التقليدية، أو يسعين لتغيير وضعهن. فهل تطورت شخصيات الرواية، أم أن الرواية تركتنا في مهب الريح مع نسائها المبحرات في الزمن؟

كاتبة لبنانية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي