
واشنطن: تساءل المحلل الأمريكي الدكتور جيمس هولمز قائلا: هل الأوروبيون يدعمون حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ويرى أنه من المؤكد أنهم يشعرون بالقلق كثيرا بشأن مستقبل الحلف. وتسمعهم يقولون إن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأييض في كانون الثاني/ يناير المقبل، سوف تنذر بكارثة.
وقال هولمز، وهو رئيس قسم الاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية، وزميل غير مقيم في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة جورجيا، إن الأوروبيين يخشون من أن الولايات المتحدة، العضو المهيمن على الحلف، قد تقلص دعمها للأمن الأوروبي، والرجوع إلى الانعزالية وانتهاج سياسة التعامل بلطف مع روسيا، وتحويل الموارد العسكرية والبوصلة السياسية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ للتصدي للصين الساعية للهيمنة أو خليط من هذه الأمور.
وأضاف هولمز في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، إنه من المؤكد تقريبا، أن ترامب سوف يستأنف انتقاد الحلفاء للاستفادة من الدفاع الذي توفره الولايات المتحدة بدون المساهمة ماليا في ذلك. وسوف يهددهم علانية ومبكرا غالبا، لحملهم على إنفاق المزيد مثلما فعل خلال ولايته الأخيرة كرئيس للبلاد.
ويرى هولمز أنه بدلا من التركيز على ما يقوله ترامب أو ما يقوله الأوروبيون عما قد يفعله ترامب، فمن الأفضل النظر إلى ما تفعله أوروبا في مجال الدفاع.
وأكدت البيانات والتصريحات العامة من القمة الأخيرة بمناسبة الذكرى الـ75 للناتو التي عقدت في واشنطن، على الجانب الإيجابي. وقال البيان الرسمي من عواصم الحلفاء: “نرحب بأن أكثر من ثلثي الحلفاء قد أوفوا بالالتزام بإنفاق سنوي بما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، ونشيد بأولئك الحلفاء الذين تجاوزوا هذه النسبة”. ويتعين ترك ذلك البيان المتفاءل جانبا.
ويعنى هذا أن أقلية كبيرة من الحلفاء مازالت لا تنفق 2% أو أكثر من إجمالي الناتج المحلي على قواتها المسلحة بعد مرور عقد على قرار قادة الحلف بضرورة أن تفي كل الدول الأعضاء بذلك المعيار في غضون عقد. ويدعو هولمز إلى استخدام أمريكا إبان الحرب الباردة كدليل تقريبي على مدى قدرتها على إدارة شؤون الحلف لينافس ضد القوى الكبرى الخبيثة. واستثمرت الولايات المتحدة نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط في الدفاع سنويا على مدار أربعين عاما من المنافسة الاستراتيجية ضد الاتحاد السوفييتي.
وزاد هذا الرقم خلال التوترات والصراعات الإقليمية في كوريا وفيتنام. وسوف يكلف الاستعداد للحرب على أمل الحفاظ على السلام كثيرا. ويحتاج كل الحلفاء بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى تبنى هذه الحقيقة.
كما أن الحجم الصافي من الأموال التي يتم إنفاقها على الدفاع ليست مقياسا موثوقا للقدرة على العمل. وهذا مقياس لمدخل يكشف قدرا ضئيلا عن قوة القوات التي تم تشكيلها وتدريبها وتجهيزها بذلك المبلغ.
وسوف يكشف تقدير حجم القوة العسكرية التي يحتاجها الحلفاء الأوروبيون للدفع بها ليكون أمامهم فرصة معقولة للنجاح ضد عدوتهم الرئيسية روسيا، عن التكلفة المالية التي سوف يتحملونها نظير الدفاع المشترك. ويشكل الجيش الروسي، وليس أرقام الإنفاق التقديرية، المقياس الحقيقي لكفاءة الناتو بالنسبة للتسلح.
وسوف يدفع قليلون بالقول إن أوروبا مستعدة لتحمل المسؤولية الرئيسية للدفاع عن نفسها. ولذا فإن القوى الرئيسية الأوروبية على حق في شعورها بالقلق بشأن حجم الالتزام الأمريكي عبر الأطلسي والأعباء التي سوف يفرضها تقليص الالتزام الأمريكي على الوحدات العسكرية الأوروبية في الحلف. ولايعد فوز أو هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية هذا الخريف، بالضرورة عاملا حاسما.
وعلى مدار العقد الماضي، تعهدت ثلاث إدارات رئاسية مختلفة تمثل أحزابا سياسية مختلفة بتحويل بوصلة اهتمامها إلى آسيا، للتصدي للتحديات من جانب الصين. ومما لا شك فيه، أن أسلوب ترامب متضارب في الشؤون الدبلوماسية، ولكن لا يجب الخلط بين الأسلوب والجوهر. واعتبار أن منطقة المحيط الهادئ أصبحت الآن المحور الرئيسي للتوجه الأمريكي هو قرار من جانب الحزبين.
وتباطأت وتيرة إعادة التسليح الأوروبي رغم هذه الحقائق المربكة والمحيرة، وهذا لأن إعادة التسليح يواجه عقبات ثقافية. وعلى غرار الأمريكيين، خدع الأوروبيون أنفسهم بأن انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 يعني نهاية لأي تنافس استراتيجي وحالة حرب.
ويتطلب التخلص من مثل هذه المواقف المترسخة وقتا وجهدا، حتى عندما يتغير الواقع الاستراتيجي حول المجتمع. ولكن المشكلة ربما تزداد عمقا في أوروبا. ومنذ أكثر من عشرين عاما، افترض روبرت كاجان وهو كاتب ومؤرخ في مؤسسة بروكنغز للأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أنه بسبب الكيفية التي انتهت بها الحرب الباردة في أوروبا، كان الأمريكيون بالفعل وكأنهم من كوكب المريخ بينما جاء الأوروبيون من كوكب الزهرة.
وبمعنى آخر، أدى الأمريكيون القدر الكبير من المهام الحربية الضرورية لدرء الشيوعية. وسمح سخاء الولايات المتحدة في الإنفاق للأوروبيين بتقليل الإنفاق على الدفاع على نحو مزمن.
وعاش الحلفاء في عوالم مختلفة تماما أقاموها على أساس افتراضات مختلفة تماما. ووفقا لكاجان، أصبح الأوروبيون يعتقدون أن الأمن شيء يوفره آخرون كما لو كان حقا. وكان عدم تحمل أي أعباء مالية هو النظام الطبيعي للأشياء.
ويستطيع المرء العيش في كوكب الزهرة وينشئ نظما سخية للرعاية الاجتماعية وينسج تخيلات سلمية طالما أن كوكب المريخ يقوم بالحراسة.
ويقول هولمز: “غني عن القول، هذا الخط من النقاش لم يجعل كاجان محبوبا لدى الأوروبيين. ولكنه ينسجم مع ملاحظاتي كمحارب قديم إبان الحرب الباردة أمضي فترة زمنية طويلة منخرطا في شؤون أوروبا- الناتو وما يتعلق بها”.
ويرى هولمز أن المعوقات الثقافية التي رأها كاجان تساعد أيضا في تفسير السبب وراء الضعف الشديد للجهود الأوروبية لإعادة التسليح، بينما يطرأ تغيير على الوضع الاستراتيجي ويتدهور بسرعة هائلة.
واختتم هولمز تقريره متساءلا: “هل الأوروبيون يدعمون الناتو؟”، وأضاف: “استمع لما يقولون ولكن راقب ما يفعلون”.