محمد البندوري*
تشتغل التشكيلية عائشة حمدي وفق مقومات واقعية تجسدها بصياغات شخوصية وتعبيرية، تُسخر لها مجالا لونيا متماشيا مع قدسية المواضيع التي تحاكي مختلف القضايا، فتُخضعها لعلائق تجاورية مع وحدة البناء والشكل والرؤية وإبراز المادة الحسية في شكل فني رائق. فمختلف الأساليب التحاورية التي تتموقع بين الشكل الواقعي، والمادة التشكيلية هي في معظمها أدوات تحولية تفصح عن الأشكال التعبيرية الداخلية بنوع من الحركة، التي تتصل مباشرة بالشكل الشخوصي.
الاستعمالات اللونية
وتلعب الاستعمالات اللونية دورا محوريا في تشكيل مجموعة من المفردات الفنية التوهجية، التي تُعد بمثابة رسائل قوية للقارئ، وفق مشاهد رمزية قوامها لغة بصرية حابلة بالمضامين ومشبعة بالحكم والدلالات. إنه أسلوب مليء بالمؤثرات التعبيرية؛ تضعه الفنانة التشكيلية على ملمس رؤيوي يستنجد القارئ ويحيله على واقع آخر، غالبا ما تستجليه المبدعة وفق مقومات فنية، ثم تربطه بمادة حوارية جادة، وبأشكال وألوان ذات قيمة جمالية؛ تضعها بشكل دقيق ومنظم، فتزيد المادة الإبداعية قدرة تعبيرية متواصلة، تشكل فيها التقنيات الهائلة ربطا جوهريا لتحويل الشخوصات الأنثوية إلى رؤية بصرية حوارية قوية المضمرات التعبيرية، تفصح عن أبعادها القيمية والفلسفية، وفق خصوصيات ثقافية وفنية. وهي تتفاعل مع مختلف المفردات التشكيلية المعاصرة.
إن عمق المادة التشكيلية لدى عائشة ينبثق أساسا من المجال الواقعي التعبيري؛ إذ توظف نسيجها المعرفي والثقافي وفق انبعاثات اجتماعية وواقعية، تفصح عنها أشكال الشخوصات التعبيرية والمادة اللونية المستعملة، ولعل الحركة تُظهر بجلاء الروح القيمية التي تتوفر عليها المبدعة، والتي تسخرها في بعث القيم الجمالية والتعبيرية التي تدل على العمق الفني في التشكيل. إن المجال الشخوصي التعبيري المعاصر يمنح القارئ، أو الناقد مَشاهد واضحة للرؤية البصرية؛ عميقة في المضمون، لذلك تسخر المبدعة مجموعة من الكتل لتحريك الشكل والشخوصات، لتُلفت النظر إلى الواقع بحس جمالي وفني، ينفذ تأثيره إلى البصر بتأثيرات لونية وحركية تحمل في طيها مقصديات تروم التغيير إلى الأفضل.
الثقافة التشكيلية
ولعل هذا المسلك التحولي في الفن، هو ما جعل أسلوب المبدعة عائشة يميل إلى الواقع بشكل فني مباشر، إنها تجربة عالمة تعكس نوعا من الثقافة التشكيلية الرصينة للمبدعة، وتبين أيضا رؤاها الفنية وإدراكاتها الحسية التي تحرك بها مشاعر القراء، وتُسخّر لها بعض المسالك الفنية التي تقارب بها المادة التشكيلية المثقلة بالإيحاءات والإشارات والمغازي والدلالات القوية، وذلك بصنعها لمفردات تشكيلية جديدة بأسلوب تحديثي، تتخذ منه مادة لبناء شخوصات متنوعة المضامين ببعد فني رائق، وهي توظف لذلك خبرتها في هذا الاتجاه الفني بتحويل أبجدية الواقع بحسية وأسلوب غزير الدلالات، تجعل منه عنصرا فاعلا تتحكم بواسطته في الفضاء عبر مجموعة من الأشكال والألوان الدقيقة. فالفنانة عائشة تبني أعمالها في فضاء يسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز الوجود الحسي البصري بكثير من المهارة وتعدد الجماليات.
إن أعمال التشكيلية عائشة حمدي تتسم بتعدد المفردات الفنية والعناصر الجمالية والخصائص التشكيلية، في سياق مرتبط بالإيحاء والإشارة والدلالات التي تعزز الوجود الواقعي وترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر الأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، وبعض الأشكال التعبيرية، والتداخلات العلاماتية، والاستعمالات اللونية، التي تدعم المجال التعبيري المعاصر.
وهو إرساء لمقومات العمل الفني المبني على أسس من المعرفة والثقافة التشكيلية المعاصرة، لتُثبت المبدعة عائشة فنيا ما حملته تجربتها الغنية من تقنيات جديدة للتدليل عن تصوراتها الرائقة، من خلال تعبيراتها بالشخوصات والألوان والأشكال المتنوعة، وبمفردات لغتها التشكيلية الخصبة التي تترصع بالجمال في مجالها الفني.