انتظرها : روجر ووترز وشعر محمود درويش

2024-06-21

روجر ووترز من أقوى الفنانين العالميين المناصرين للقضية الفلسطينية (مواقع التواصل)مروة صلاح متولي*


لا شك في أن روجر ووترز من أقوى الفنانين العالميين المناصرين للقضية الفلسطينية، فهو لا يتوانى عن تقديم أي دعم ممكن، انطلاقاً من إيمانه الكامل بالحق الفلسطيني وعدالة القضية، وكذلك فهمه العميق لكل ما جرى ويجري، فهو لا يرى في إسرائيل أي شيء آخر سوى أنها محتل غاصب للأرض، اعتدى على حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه وتاريخه. لا يتوقف المغني والموسيقي وكاتب الأغاني البارز، ونجم فريق الروك الإنكليزي «بينك فلويد» عن دعمه لفلسطين والشعب الفلسطيني بكل السبل الممكنة، ويوظف شهرته واتصاله الجماهيري الواسع مع شرائح كبيرة من المعجبين، والمستمعين في مختلف أنحاء العالم، من خلال الحفلات ووسائل الإعلام والتواصل المتعددة، للحديث عن القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني، الذي تعرض لأبشع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، على مرأى ومسمع من العالم كله، وصمود هذا الشعب المقاوم، الذي استمر على مدى العقود الطويلة السابقة ولا يزال، ونضاله من أجل تحرير الوطن واستعادته كاملاً غير منقوص. على الرغم من شهرة روجر ووترز العالمية الهائلة، وارتباطه في المخيلة العامة بأغنيات «بينك فلويد» المؤثرة للغاية، إلا أنه اكتسب صورة جديدة بفضل مساندته للقضية الفلسطينية، فكثيراً ما يضع الكوفية الفلسطينية فوق كتفيه ويلفها حول عنقه، ويرفع علم فلسطين عالياً بيديه، باعثاً رسائل التضامن مع الشعب الفلسطيني، وقطاعات هائلة من البشر على اختلاف أجناسهم، المؤمنين بالحق الفلسطيني والرافضين للإجرام الإسرائيلي الشنيع، ويوجه رسائل التحدي وعدم الخضوع للابتزاز الذي يتعرض له، وما يطاله من اتهامات بالتحريض على كراهية إسرائيل ومعاداة السامية، وما إلى ذلك من الممارسات المعروفة التي تحاول إسكات أي صوت ينطق بالحق. لكن روجر ووترز لم يتراجع يوماً عما هو مؤمن به تماماً، ولا يكف عن رفع علم فلسطين في وجه المحتل الإسرائيلي وكل داعم لإجرامه.

مع محمود درويش

لم تقتصر علاقة روجر ووترز بفلسطين على دعم القضية فقط، وإن كانت هي الجانب الأكبر والأشمل بطبيعة الحال، لكن على الأقل كانت هناك محاولة للاقتراب من جوانب ثقافية أخرى، من خلال شاعر فلسطين الكبير محمود درويش، حيث غنى له إحدى قصائده المترجمة إلى اللغة الإنكليزية، قصيدة «انتظرها» أو «درس من كاماسوترا». قام ووترز بالاعتماد على إحدى ترجمات القصيدة، وأعاد كتابتها للغناء، مع التغيير في ترتيب بعض الأبيات، وتقسيم بعض المقاطع وتوزيعها على أجزاء الأغنية، واختيار بيت معين ليكون البيت المتكرر بين جزء وآخر، كما أضاف ووترز لمسته ورؤيته الخاصة، وغير نهاية القصيدة، بشكل جعلها تختلف كثيراً عن نهاية قصيدة محمود درويش الأصلية. يعبر روجر ووترز عن إعجابه الكبير بمحمود درويش، وبما قرأه من شعره حتى الآن، ويقول إنه يتمنى أن يتاح له الوقت ليقرأ كل كلمة كتبها محمود درويش، ويقول أيضاً إنه صديقه لأنه يحيا في قلبه، على الرغم من أنه لم يلتق بالشاعر أثناء حياته، لكنه التقى به من خلال قصائده وأفكاره وكتاباته.

وقد قامت مؤسسة محمود درويش بمنح روجر ووترز، جائزة محمود درويش وقدرها 12 ألف دولار، وعبّر روجر ووترز عن سعادته واعتزازه بتلك الجائزة والاسم الذي تحمله، لكنه تنازل عن المبلغ المالي وطلب من المؤسسة أن تمنحه إلى من تختار من الفنانين الفلسطينيين، فقد يكون المبلغ أكثر إفادة لهم، وإلى جانب ذلك التنازل، قرر روجر ووترز أيضاً أن يمنح هو المؤسسة 12 ألف دولار كل عام، دعماً منه للفنانين الفلسطينيين، وفوض مؤسسة محمود درويش في اختيار من تمنحه هذا المبلغ المالي سنوياً. كان روجر ووترز معجباً بقول محمود درويش إن كل قصيدة هي فعل مقاومة، لذلك قرر أن يدعم مؤسسة محمود درويش والفن والثقافة الفلسطينيين من أجل أن تستمر المقاومة.
تحظى قصيدة «انتظرها» بشهرة كبيرة، كبقية أعمال محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الكبير الذي قاوم بالكلمة، وحمل قضية وطنه مسافراً في جميع أنحاء العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، يلقي قصائده في كل مكان، ويوقظ الضمائر والقلوب ويفتح العيون على القضية الفلسطينية، وكما كان محمود درويش مسافراً على الدوام أثناء حياته، ظل شعره مسافراً أيضاً ينتقل من بلد إلى آخر في لغات وألسنة كثيرة، فهو من أكثر الشعراء الذين ترجمت أعمالهم، وطالعها القراء في مختلف بلدان العالم كل بلغته. وقد اقترن شعر محمود درويش بالموسيقى من خلال تجارب العديد من الفنانين، الذين لحنوا أشعاره وتغنوا بكلماته الصامدة المقاومة المنتفضة، وكان لمحمود درويش نفسه تجربة مباشرة مع الموسيقى، من خلال تعاونه مع الثلاثي جبران، الفريق الموسيقي المكون من ثلاثة عازفي عود فلسطينيين، حيث قدم في صحبة الفريق عدة حفلات أو أمسيات شعرية موسيقية، قرأ فيها أشعاره بصوته وألقاها على وقع موسيقى الثلاثي جبران، وسجل معهم بعض الأعمال أيضاً.
في أغنية «انتظرها» لروجر ووترز، نستمع إلى قصيدة محمود درويش باللغة الإنكليزية، مع اختلاف في ترتيب بعض المقاطع والخاتمة المختلفة، مع موسيقى روجر ووترز وغنائه وتعبيراته الصوتية الخاصة. لقصيدة «انتظرها» أو «درس من كاماسوترا» جاذبية كبيرة لدى الجمهور، على الرغم من أنها لا تنتمي إلى قصائد المقاومة، فهي قصيدة تتناول علاقة بين رجل وامرأة، أو بالأحرى طريقة رجل في التعامل مع امرأة، وأسلوبه المتبع من أجل الوصول إليها، أسلوب يعتمد على الصبر والتأني والاهتمام بالتفاصيل. يقول محمود درويش في مطلع قصيدته: «بكأس الشراب المرصع باللازورد انتظرها.. على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا انتظرها» ويعدد الصور والمشاهد المختلفة، ويكرر كلمة انتظرها في نهاية كل بيت، حتى يصل إلى نهاية القصيدة ويقول: «ولمع لها ليلها خاتماً خاتماً وانتظرها.. إلى أن يقول لك الليل لم يبق غيركما في الوجود وانتظرها.. فخذها برفق إلى موتك المشتهى وانتظرها». غير روجر ووترز خاتمة أغنيته، فلم يغن ما اختتم به محمود درويش القصيدة، فالنهاية عند محمود درويش ترتبط بالنشوة الحسية، بينما اختتم روجر ووترز أغنيته، بكلمات تحث على الالتزام بالوعود التي يقطعها العاشق على نفسه.

*كاتبة مصرية

 









كاريكاتير

إستطلاعات الرأي