هل كاتبك المفضّل صهيوني؟

2024-06-08

صبحي حديدي

هل كاتبك المفضّل «مناصر لإسرائيل/ وصهيوني»، أم «مناصر للفلسطيني/ مناهض للصهيونية»، أم «التحديد معقد»، أم هو في منزلة «بين/ بين»؛ ولماذا في كلّ حال ومثال؟ تلك هي الأسئلة التي يطرحها جدول لافت وغير عادي، يهيمن منذ بعض الوقت على محرّك البحث غوغل، ويتوزع على خمسة أقسام: اسم الكاتب، عنوان الكتاب، نعم/ لا، الشرح، والمصدر.

بعض الكتّاب ممن وردت أسماؤهم في الجدول، احتكم إلى القاعدة الذهبية التي تقول إنّ كلّ طراز من الدعاية هو أمر مستحبّ، سلباً أم إيجاباً؛ والبعض الآخر، من غالبية تنتمي إلى صفّ المؤيدين لدولة الاحتلال، تخوف من آثار هذه التصنيفات، بل ذهب (على غرار ناومي فايرستون الرئيسة التنفيذية للمنظمة الأمريكية «مجلس الكتاب اليهودي») إلى مقارنتها بثلاثينيات القرن الماضي ودعوات مقاطعة الكتّاب اليهود في ألمانيا النازية.

الجدول، ضمن ما احتواه حتى الساعة من أسماء ومعطيات، لا ينطوي على أيّ تلميح يمكن أن يقود إلى التهمة العتيقة العريقة، العداء للسامية، وإلا لانتفضت ضدّه عشرات مجموعات الضغط الصهيونية واليهودية، وتوجّب على غوغل أن تغلقه من دون إبطاء. فالكاتبة ليزا بار مؤيدة للاحتلال لأنها نشرت مدونات بهذا المعنى، كما وثقت مشاركتها في تظاهرات مساندة للحرب الإسرائيلية؛ والكاتبة كاميلا شمسي مناصرة للفلسطينيين، لأنها شاركت في أنشطة توقيع كتب من أجل غزّة؛ والكاتب سلمان رشدي في منزلة بين/ بين، لأنه شارك في مؤتمر منظمة PEN أمريكا التي امتنعت عن إدانة الإبادة في القطاع؛ والكاتب ستيفن كنغ في خانة تحديد معقد، لأنه عُرف بمواقف متذبذبة؛ وهكذا…

صحيح أنّ أسماء مثل شمسي ورشدي، وأخرى مثل سالي روني ومحسن حميد وحفصة فيصل وعمر العقاد وربيع علم الدين، لا تحتاج إلى جدول كهذا كي تُلتمس مواقفها الصريحة المؤيدة لقضايا الشعب الفلسطيني؛ ولكن من الصحيح في المقابل، أنّ مواقف طائفة أخرى من الأسماء المؤيدة للاحتلال ليست شائعة على نطاق واسع، وتبيانها في هذا الجدول يسلط أضواء ساطعة، يصحّ اعتبارها فضاحة كاشفة.

وإذا كان افتضاح المواقف غير المكشوفة تماماً، أو المموّهة عن سابق قصد، هو هاجس أوّل أثار مخاوف الشريحة المؤيدة للاحتلال؛ فإنّ الأنساق الأخرى المكمّلة للهاجس هذا يمكن أن تبدأ من إلحاح الجدول على تحديد عنوان الكتاب (الأمر الذي يطوّر تقييم الكاتب إلى حكم على الكتاب أيضاً)، ومن التنويع الجغرافيّ لمواطن الكتّاب خارج أمريكا، وصولاً إلى تعدد اللغات والأجناس الأدبية والتيارات الأسلوبية، والتنقّل بين أزمنة حديثة ومعاصرة إلى أخرى أبعد في الزمان أو تسبق بدايات زرع الكيان الصهيوني في فلسطين التاريخية، وما إلى ذلك كثير.

خطورة أخرى مقترنة بهذا الجدول، ذات صلة هذه المرّة بأعراف وسائل التواصل الاجتماعي وموقع محرّك البحث غوغل، أو منصة X (تويتر سابقاً)، حيث تجاوزت المشاهدات رقم المليون والمشاركات أكثر من 8,000 مشاركة؛ بما ينطوي عليه ذلك كلّه من تعليقات وسجالات وأخذ وردّ، بصفة غير مألوفة لجهة حيوية النقاش وسخونة الطرح وتشعّب الآراء. وإذا كانت مجموعات الضغط الصهيونية قد تجنبت الإشارة إلى الأبعاد الأعمق، والأخطر، في ظواهر كهذه؛ فإنّ على رأس الأثمان الفادحة التي تسددها أجهزة التحريض المناصرة لدولة الاحتلال، باتت تتمثل في خسران «موقع الضحية»، الشريدة الطريدة الهولوكوستية، بوصفه الامتياز الأضخم والأقدم.

ذلك الصهيوني، المدني في رئاسة الحكومة أو العسكري على جبهات قطاع غزّة، هو اليوم مجرم حرب مدان في أعلى مؤسسات القانون الدولي، أو جلاد قاتل في مشفى أو مدرسة أو ملجأ، وحارق كتب ودمى في روضة أطفال، أو مهووس يتغنى بتوراة زائفة على أعتاب مستوطنة؛ شتان، بالتالي، بين صوره الراهنة وتلك الصورة المعممة لضحية المحرقة.

وليس من دون دلالات نابعة من الواقع الراهن، وإسقاطات عليه وفي صميمه، أنّ السجال اليهودي/ اليهودي يستأنف أيضاً ذلك الخلاف الأعرض القديم حول شخصية اليهودي ما بعد الهولوكوست، وكيف ينبغي أن تُطوى إلى الأبد تمثيلاتُه السالفة التي سادت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية: صورته خانعاً، ذليلاً، مستسلماً، مُساقاً إلى معسكر أوشفيتز. كان المطلوب والمرغوب أن تحلّ محلّها، مرّة وإلى الأبد، صورة اليهودي الجديد، مواطن دولة الاحتلال، «الصبّاري «Sabra، المقاتل ضدّ «الوحش الأصفر» حسب الكليشيه المعتمدة في الأدلة السياحية الإسرائيلية، الذي تُشتقّ شخصيته من سمات نبتة الصبّار: شوكية صلبة في وجه الخارج، وطرية عصارية حلوة في الداخل.

وليس ذعر بعض الكتّاب المناصرين للاحتلال من عواقب جدول غوغل سوى واحد من أحدث التعبيرات عن مأزق ذلك الصباري إياه؛ إذ كيف يمكن التوفيق بين الضحية العاطفية الحزينة الكسيرة وبين مجرم الحرب حارق الفلسطينيين في الخيام ذاتها التي دفعهم جيش الاحتلال إليها؛ وفي الآن ذاته استمرار تحويل الهولوكوست ـ ضمن جوانبه المأساوية والكارثية، التي تستدرّ الدموع تحديداً، وبالضرورة ـ إلى هوية لمواطن الدولة اليهودي حصرياً، ولـ»الدولة اليهودية» ذاتها، وفي ذاتها؟

ورُبّ جدول على محرّك بحث يتكفّل بردم الهوّة بين أسئلة لا تتباعد إجاباتها ولا تتنافر، بقدر ما تتقارب وتتكامل.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي