في الحاجة إلى تفعيل القيم الإنسانية

2024-04-21

المصطفى كليتي

الوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل فيه

(أوليفر وندل هولمز)

تحل ذكرى يوم الأرض الفلسطينية، وقد زادها التواطؤ والتطبيع وموقف العالم المتفرج على المآسي التي تعيشها فلسطين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترديا، وقد وصل الأمر حد الإبادة والتصفية الجماعية لمدن بكاملها كما جري ويجري في غزة ورفح، هل ما يحدث اليوم في فلسطين مجرد تمشيط للإنسان والحياة فيها، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر السكان الأصليين، على ماذا يدل هذا الصمت المريب؟ والإنسان الفلسطيني، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى يقتل بدم بارد، قتل حشرات ضارة تلزم إبادتها وتصفيتها نهائيا من الوجود بإعدامها وتشطيبها من سجلات الحياة.

وأصل حكاية ـ هذا اليوم المشهود ـ يرجع لأحداث تعود إلى مارس/آذار 1976 بعد أن عمدت السلطة الإسرائيلية على مصادرة أراضي زراعية واستلابها عنوة من أصحابها الشرعيين الفلسطينيين، عمت الإضرابات والاحتجاجات معززة بمسيرات شعبية، واندلعت مواجهات عنيفة بين المواطنين المدافعين عن حقوقهم في أرض ينتمون إليها أبا عن جد، وقوات الاحتلال الدخيل أسفرت عن ستة شهداء سقطوا في ساحة النضال والشرف، ويعتبر الحدث أول رد منظم منذ وقائع 1948، حيث توغلت الأهداف الصهيونية وأمعنت في بسط اليد على الأراضي الفلسطينية واحتلالها غصبا وعدوانا.

يكتسب يوم الأرض، قيمة وأهمية كبرى عند الفلسطينيين لرمزيته وأهميته، ويجسد بحق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حول الأرض، وشرارة ذلك انطلقت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي بإعلان إسرائيل عن قرارها بتهويد منطقة الجليل وجاء المشروع في إطار تطوير الجليل، لكنها كانت مجرد مكيدة لقضم الأراضي الفلسطينية وإخضاعها للمجال الإسرائيلي الجشع. تأتي الذكرى 48 عامئذ، وسط تصاعد الحرب الإسرائيلية الشرسة والمتواصلة على قطاع غزة تحديدا، حرب شعواء معظم ضحاياها من الأطفال والنساء والعمل على القضاء، القضاء الكلي على البنيات التحتية لتصبح الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين حرب إبادة بحق. الحرب لم تنفك وما زالت مستمرة، ويستهدف العدوان الإسرائيلي المتسلط على تدمير الحياة في المنطقة بإبادة الإنسان واجتثات الشجر، ولاسيما أشجار الزيتون كل ذلك من أجل التوسع الاستيطاني الاستعماري المبيت.

بصمود يخلد الشعب الفلسطيني يوم الأرض، وتكتسي الذكرى طابعا خاصا، والصراع العربي الإسرائيلي يحتدم بتزامنه مع حرب الإبادة اللعينة التي يشنها العدوان على قطاع غزة، منتهكا جميع القوانين والأعراف الدولية، ما خلف آلاف الشهداء والمصابين والمفقودين المشردين والنازحين اللاجئين الباحثين عن سقف وحضن يشملهم. والمعتقلون يعيشون أسوأ الظروف وأبشعها، كما أن الاحتلال الإسرائيلي لا يني عن حملات القمع والتنكيل بالشعب الفلسطيني وحرمانه من أساسات العيش الكريم، بل ترحل وتهجر الفلسطينيين اللاجئين، حيث يتضورون جوعا وعطش في حين نجد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص تكيل بمكيالين، فيتم التغاضي، إن لم نقل التواطؤ مع إسرائيل التي تتلقى الدعم بسخاء، في الوقت الذي يلهث المواطن الفلسطيني على قطعة خبز وشربة ماء.

لأول مرة تجرجر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهم جرائم الحرب وما تمارسه من حرب إبادة، فضلا عن الاحتلال طويل الأمد للأراضي الفلسطينية، تتعنت السلطات الإسرائيلية وتعتبر كل ما تقوم به مجرد دفاع عن الذات، وتتجاهل مخرجات محكمة العدل الدولية، كما أن المحكمة تبقى في حدود نطاقها الصوري وليس الزجري والإلزامي، وتظل المصالح والأهداف السياسية ملجمة لصوت القانون ومخرسة له، ناهيك عن التعنت الإسرائيلي المصر على قتل الأفراد والجماعات ودك الحجر والبشر وإلحاق الأذى والأعطاب بالعزل والأبرياء، بل ضرب المستشفيات وسيارات الإسعاف، والعمل على تعطيش وتجويع الشعب الفلسطيني وحرمانه من الحق في الحياة، كل ذلك تحت أنظار العالم، وصور الحرب البشعة تتناقلها القنوات ومختلف الوسائط الإلكترونية التواصلية، فأين الضمير الإنساني ومجلس الأمن والصمت المريب والخذلان للدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، يزيد الوضع المتدهور حسرة. تبقى الجماهير الشعبية في مختلف بلدان العالم وبكل أطيافها مناصرة للقضية الفلسطينية، وتجد في يوم الأرض فرصة سانحة للخروج للشارع بغاية التنديد والاحتجاج على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

شهدت عدة عواصم مظاهرات رفع خلالها العلم الفلسطيني وشعارات تطالب بإنهاء الدعم الغربي للجرائم الشنعاء التي تقوم بها إسرائيل. الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني تبقى مخالفة لكل المعايير الحقوقية والدولية، إلى متى تعد إسرائيل – على حد زعمهم – واحة للعدل والديمقراطية ومثالا يحتذى في مراعاة حقوق الإنسان، بيد أنها تعيد المجتمع الإنساني للمربع الأول، بسيادة قانون الغاب، بل إن الحيوان أرحم بفريسته من همجية ووحشية إسرائيل، الدول الغربية التي عليها أن تتحمل دور الوسيط لرأب الصدع تنحاز إلى مراضاة إسرائيل ولا تأخذ أمر تعنت إسرائيل وغطرستها على محمل الجد باتخاذ جميع الإجراءات الزجرية حتى تكف إسرائيل عن تماديها في الظلم والعدوان، لقد سقطت ورقة التوت عن الأنظمة الغربية وفي صدارتها الولايات المتحدة الأمريكية المتبجحة بالقيم العليا المتمثلة في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

فمن يحاسب إسرائيل على حرب الإبادة الشنعاء؟ الكيان الصهيوني يواصل ارتكاب واقتراف جرائمه النكراء ضد الأطفال والشيوخ والنساء، متحديا بمجازره المجتمع الدولي والآلة العسكرية الإسرائيلية تواصل بكراهية وقساوة قتل الأبرياء في غياب الدور الأوروبي ومسؤوليات الأمم المتحدة. في غياب أو بالأحرى موت كل حس إنساني، ودون أدنى وازع أخلاقي أو قانون دولي أو ديني، أو وخزة ضمير، تنبه لبشاعة الجرائم التي تجترحها إسرائيل، بل تمتد آلته الجهنمية الرهيبة إلى قتل النازحين، وبشاعة قصف المستشفيات والطواقم الطبية والدفاع المدني والصحافيين لمنعهم نقل صور عن جرائم تفضح حقيقة ممارساتهم الهمجية التي لا تتوفر على الحد الأدنى من الحس الإنساني.

لكي يسود العدل والسلام تحتاج الإنسانية إلى ضمير حي بما فيه من منظومة أخلاق وقوانين مرعية محافظة على كرامة ومصلحة الإنسانية، وما العمل ودويلة إسرائيل المارقة تتحدى القوانين الدولية، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية، فالمقاومة الفلسطينية الصامدة تكسر كبرياء إسرائيل، الآلة العسكرية قد تقتل وتعدم لكن لا تنتصر أبدا على الحق، فالضمير الإنساني والقوانين الدولية ستنتصر، ولو بعد حين، ستبقى إسرائيل مسؤولة عن جرائمها المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، من المؤكد الشعوب لا تموت ومع كل قطرة دم شهيد تنهض مواكب الشهداء لمواصلة واجب الكفاح المقدس، قد يحدث أن تنتصر إسرائيل لبعض الوقت لكن حقيقة النصر تكون في النهاية لأصحاب الأرض فربك يمهل ولا يهمل، وبوادر الصحوة الإنسانية على الأبواب، فالأفعال الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل، حركت الضمائر الحية في العالم، لكي تصرخ صرخة تناصر العدل والحق، لن يضيع دم الشهداء هدرا، فالماء ماء والغثاء غثاء..

كاتب مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي