في إسرائيل: لا فرق بين يمين و"يمين معتدل".. الكل: نعم لطرد الفلسطينيين  

2024-02-02

 

إن اقتراح غانتس وتروبر “بناء” قوة محلية تحكم القطاع لا أساس له (أ ف ب)إن مؤتمر “عودة الاستيطان إلى غزة” الذي انعقد هذا الأسبوع بالجوهر (ربما بالأسلوب أيضاً) عكس موقف معسكر اليمين. ففكرة وجود “يمين آخر”، يمين “معتدل” من ناحية سياسية، وهم كان ينبغي تحطيمه منذ زمن بعيد. لم يشارك فقط هذا المؤتمر أعضاء “عظمة يهودية” و”الصهيونية الدينية” فحسب، بل وزراء ونواب من الليكود.

فضلاً عن ذلك، فإن ممثلي اليمين في الساحة السياسية ممن غابوا عن المؤتمر، لم يعربوا عن أي تحفظ على المواقف التي عبر عنها. وذلك لأن اليمين “المعتدل” أيضاً يوافق بشكل مبدئي على الدعوات التي انطلقت في المؤتمر لفرض حكم مدني أبدي على القطاع وإقامة مستوطنات في قلب السكان الغزيين.

ليس لأن مواقف كهذه انطلقت لأول مرة في المؤتمر موضع الحديث، فهي كلها جزء من أيديولوجيا ثابتة ومرتبة لمعسكر اليمين. لم يكن في الساحة السياسية رجل يميني واحد وقف ضد البؤر الاستيطانية غير القانونية. كلهم يؤيدون ضم كل “يهودا والسامرة”. كلهم مع حكم مدني كامل على أكثر من مليوني غزي. وكلهم مع إقامة مستوطنات في قلب السكان الغزيين.

ليس صدفة أن كل تحفظات سياسيي اليمين على المؤتمر لم تتضمن أي نقد على المواقف التي طرحت فيه (ورغم ذلك لم تكن للمتحفظين شجاعة ليعرفوا أنفسهم بالاسم ولم يذكروا إلا تحت عنوان “كبير في الليكود”). ولا أحد في اليمين تحفظ على دعوات الترحيل التي ظهرت متخفية تحت عنوان “الهجرة الطوعية”. وزير الاتصالات من الليكود شلومو كرعي، شرح معنى ذاك “الطوعي”: “نفرض عليه إلى أن يقول: أريد الترحيل طواعية”.

صحيح، ينشر سموتريتش وبن غفير مذهبهما السياسي على رؤوس الأشهاد وبشكل فظ، بينما ينشر يمينيون “معتدلون” مثل جدعون ساعر، ونفتالي بينيت، ومتان كهانا، ويولي ادلشتاين ويوعز هيندل، المذهب السياسي إياه بالضبط، ولكن برقة ولطف، بحلو اللسان وبتدوير العينين.

إضافة إلى ذلك، فهذه هي مواقف الأيديولوجية لمعسكر اليمين، ومن حقه محاولة إقناع الجمهور بحقها.

المأساة الحقيقية هي أن “المعسكر الرسمي” و”يوجد مستقبل” ليسا في الحدث، ففي ردود الفعل على المؤتمر، ركز غانتس وآيزنكوت ولبيد على التنديد بالأسلوب والتوقيت وليس على التنديد بالجوهر. فقد شرح غانتس بأن لا وقت للصراعات السياسية الآن. وتحدث آيزنكوت عن أهمية الإجماع الوطني الواسع، أما لبيد فما أزعجه أكثر تلك الرقصات التي جرت في المؤتمر. لكن أمام السياسة الواضحة التي عرضها اليمين في المؤتمر، لم يكلف أحد من زعماء “المعسكر الرسمي” و”يوجد مستقبل” نفسه عناء عرض بديل سياسي ما.

إن الجدال الأيديولوجي العظيم الذي يجري الآن في المجتمع الإسرائيلي هو بين أولئك الذين يريدون أن يحكموا حكماً أمنياً ومدنياً أكثر من مليوني غزي ويقيموا مستوطنات في أوساطهم، وأولئك الذين لا يريدون إلا حكماً أمنياً إسرائيلياً في القطاع ويتولى الحكم محفل غير إسرائيلي حكماً مدنياً، ليدير حياة السكان هناك ويعفينا من العناية بالمجاري والبطالة ونزاعات العشائر في غزة وخانيونس (ما سيكلف مليارات الشواكل). لكن هذا الجدال الأيديولوجي لا يدور في الساحة السياسية إلا من مكانة طرف واحد.

يعمل معسكر اليمين بكل نشاط على تحقيق دعم جماهيري لمشروعه في إقامة مستوطنات في القطاع وطرد كل الغزيين (“طوعاً”). كما يعمل اليمين على تقويض السلطة الفلسطينية بدعوى أن “السلطة هي حماس”، وذلك لتحقيق الهدف الأسمى، ألا وهو بلاد إسرائيل الكاملة والحكم اليهودي الحصري الذي معناه العملي هو حكم مدني كامل لإسرائيل على خمسة ملايين واستمرار الاختلاط بهم إلى أن نصبح دولة واحدة، ثنائية القومية مع أغلبية عربية.

“خوف شال”

بالمقابل، هناك فراغ أيديولوجي مطلق في “المعسكر الرسمي” و”يوجد مستقبل”، فبدلاً من الترويج لمواقف سياسية واضحة، يركزون على توقيت المؤتمر وعلى الرقصات التي كانت فيه. وأخطر من ذلك، فإن زعماء المعسكر يخافون من عرض أيديولوجيا مصممة في وجه أيديولوجيا اليمين، وبدلاً من هذا، يفضلون التورط بأقوال مشوشة ومتناقضة حول الحكم في قطاع غزة.

عندما سُئل غانتس إذا كان مع أو ضد أن تحكم السلطة الفلسطينية في القطاع، شرح بأنه ينبغي “السماح بنمو قدرات إدارية مدنية”. بمعنى أن إسرائيل ستبحث عن نوع فاخر من الغزيين محبي صهيون، ستسقيهم وتنميهم إلى أن يتمكنوا من إدارة القطاع. في هذا السياق، يجدر بنا ان نذكر بوجود مبادرات “تنمية” لإسرائيل في بداية طريق حماس وحزب الله.

تسامى الوزير حيلي تروبر على زعيمه، وشرح بأن “ليس صحيحاً أن إسرائيل ستحكم هناك مدنياً… لكني أيضاً أرفض بقاء حماس، وعليه ينبغي بناء قوة محلية… لا نريد قوة عسكرية لكن لا أشخص في هذه اللحظة قوة محلية يمكنها أن تفعل هذا، لكنها مسيرة يجب أن تتجسد”. من فهم قصد تروبر، فلينهض.

إن اقتراح غانتس وتروبر “بناء” قوة محلية تحكم القطاع لا أساس له. وحتى لو كان فيه أي احتمال، فهي مسيرة ستستغرق أشهراً طويلة إن لم يكن سنين. ومن سيحكم القطاع حتى ذلك الحين؟ الجواب واضح للجميع (ولغانتس وتروبر أيضاً). ثمة محافل رفيعة المستوى في الجيش تبلغ بأن حماس بدأت بترميم حكمها المدني الآن في كل مكان يقلص فيه الجيش الإسرائيلي قواته.

لذا، تقف إسرائيل في هذه اللحظة أمام إمكانيتين فقط إزاء الحكم المدني في القطاع: حكم عسكري مؤقت لإسرائيل، أو استئناف حكم حماس. غانتس وتروبر وباقي أعضاء “المعسكر الرسمي” يعارضون الحكم العسكري المؤقت، وبذلك يساعدون على ترميم حكم حماس.

الجمهور الإسرائيلي يريد أمناً، ومعنى الأمر حكم أمني إسرائيلي في قطاع غزة على مدى سنين. لكني أؤمن بأنه بخلاف المشاركين في المؤتمر، الأغلبية الساحقة من الجمهور لا تريد لإسرائيل العودة لاستيطان قطاع غزة أو إدارة الحياة اليومية لأكثر من مليوني غزي بكلفة عشرات مليارات الشواكل في السنة على دافع الضرائب الإسرائيلي.

يجب أن يقام حكم عسكري مؤقت إسرائيلي في القطاع في هذه اللحظة، للأسباب المذكورة أعلاه، وبالتوازي خوض مفاوضات سياسية مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة على نقل الحكم المدني في القطاع إلى السلطة الفلسطينية شريطة أن تجتاز التغييرات اللازمة وتحكم هناك بإسناد ورقابة من تلك الدول العربية. ولمن نسي، هذه الدول تشترط نقل المليارات اللازمة لترميم القطاع بعودة السلطة الفلسطينية إلى هناك.

يحاول “المعسكر الرسمي” و”يوجد مستقبل” الإقناع بأنه لا فوارق كبيرة بينهما وبين اليمين في أفكارهما السياسية بعامة وفي مسألة “اليوم التالي” في قطاع غزة بخاصة. إذا كان هذا هو الواقع بالفعل، فسيفضل الناخب البضاعة الأصلية وليس تقليدها الرخيص. إن الخوف من عرض مواقف حقيقية إزاء موضوع حرج كالحكم المدني في القطاع ليس ضاراً فقط من ناحية سياسية ومرفوض من ناحية أخلاقية، بل ويشكل خطأ سياسياً جسيماً. حان الوقت لغانتس، آيزنكوت ولبيد أن يصحوا ويعرضوا بديلاً سياسياً واضحاً ومصمماً في وجه معسكر اليمين.

 

حاييم رامون

معاريف – 2/2/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي