هآرتس: حزب الله بين ضغط داخلي وجبهة تزداد اشتعالاً مع إسرائيل  

2024-01-23

 

خصوم حزب الله السياسيون يطرحون تخوفاً آخر، وهو أن حسن نصر الله قد يبتز القيادة في لبنان وفي “الخُماسية” لتنازلات بخصوص هوية الرئيس الجديد (أ ف ب)كرسها البطريرك الماروني في لبنان، بشارة الراعي، موعظته الصباحية (الأحد) لدعوة يائسة للبرلمان في بيروت لعقد اجتماع لأعضائه والبدء في نقاشات متواصلة لاختيار رئيس جديد. “هذا هو الواجب الأول لرئيس البرلمان والأعضاء”، قال. “والامتناع عن ذلك خيانة لحق الشعب الذي انتخبكم. لبنان دولة عمرها أكثر من 100 سنة. عليكم التسامي إلى هذا المستوى الرفيع وإعادته إليه”. أمام خشية من تدهور المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة، فإن الدعوات اليائسة والمستعجلة للراعي، الزعيم الديني للطائفة المارونية والذي يشارك في الخطوات السياسية في لبنان، بات لها وزن كبير في أوساط الجمهور. ولكنه غير كاف لتجسيد خطوة حيوية لازمة في محاولة تحييد الذعر من الحرب وبسرعة.

في نهاية الأسبوع الماضي، نشرت “واشنطن بوست” أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها ستنتظر حتى نهاية الشهر من أجل استكمال الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق جديد يبعد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني. بعد ذلك، حسب التقرير، ستوسع إسرائيل الهجمات ضد حزب الله. موقف حزب الله العلني أن ثمة مكاناً للنقاش، لكن أي اتفاق سيكون مرتبطاً بوقف الحرب في غزة. إسرائيل رفضت هذا الشرط. القوى السياسية في لبنان وزعماء أجانب، من العرب والغرب، يحاولون العمل على التوصل إلى تسوية. رئيس الحكومة المؤقت في لبنان، نجيب ميقاتي، يصوغ موقفه بمرونة رائعة، تلزم من يطمح إلى مواصلة تولي هذا المنصب ويحتاج إلى تأييد حزب الله – في الوقت الذي يطلب منه إرضاء الطائفة المسيحية غير المتجانسة، وإرضاء خصوم حسن نصر الله، رئيس المنظمة الإرهابية الشيعية.

في المقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام في المنتدى الاقتصادي في دافوس في الأسبوع الماضي، قال ميقاتي إن “وقف إطلاق النار في غزة هو حجر الأساس في أي مفاوضات”. وأثنى على “السلوك العقلاني” لحزب الله، الذي حسب قوله “يرى نصب عينيه مصلحة لبنان فوق أي اعتبار آخر”. قبل بضعة أيام من ذلك، أوضح ميقاتي أنه لا يربط الحرب في غزة بقضية لبنان. ويمكن التقدير أنه في اللحظة التي سيتبلور فيها مسار دبلوماسي متفق عليه، فسعرف ميقاتي كيفية ملاءمة موقفه. إن إلحاحية العثور على حل دبلوماسي آخذة في الاتساع أمام توسيع ساحة الهجمات المتبادلة في لبنان وإسرائيل، وتوسيع سياسة التصفيات لكبار رجال إيران وحزب الله.

هذه الأمور تزيد الخوف من رد فعل حسن نصر الله. وحتى الآن، يبدو أن الجهود الدبلوماسية مرتبطة بنجاح الدول الخمس التي تحملت المسؤولية عن “ملف لبنان”، وهي: الولايات المتحدة، ومصر، والسعودية، وفرنسا، وقطر. القضية الأولى أمام هذه الدول كانت انتخاب رئيس جديد للبنان، ولكن عند اندلاع الحرب في غزة وانضمام حزب الله للمعركة، طفت على السطح من جديد قضية تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، الذي ينص على إبعاد قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتجريده من سلاحه. ولكن لا أحد الآن يطرح هذه القضية للنقاش. وسائل الإعلام اللبنانية نشرت في نهاية الأسبوع الماضي أن هذه الدول الخمس يتوقع أن تجتمع في نهاية الشهر الحالي أو بداية شباط، في بيروت أو في القاهرة أو حتى في الرياض، للمضي بعملية انتخاب رئيس للبنان وإبعاد حزب الله من جنوب لبنان.

أشارت تقارير أنه من المتوقع في هذا اللقاء أن يشارك عاموس هوكشتاين، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، الذي بشكل رسمي هو المسؤول عن موضوع الطاقة، لكن ألقيت عليه فعلياً مهمة التوصل إلى اتفاق بهدف تهدئة جبهة لبنان – إسرائيل. ثمة أهمية كبيرة لمشاركته في اللقاء، لأن مشاركته تعني رفع مستوى المحادثات، وتدخلاً مباشراً للبيت الأبيض، وليس فقط وزارة الخارجية الأمريكية التي تمثلها السفيرة الأمريكية الجديدة في لبنان ليزا جونسون. الافتراض الأساسي لدى واشنطن أن المفاوضات السريعة بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود بين الدولتين والتوصل إلى اتفاق نهائي حول الحدود، ستحيد ادعاءات حزب الله، التي تقول إن إسرائيل ما زالت تحتل أراضي من لبنان، وهو الوحيد الذي يمكنه تخليصها من يدها.

إن إيجاد خط للحدود متفق عليه أمر ضروري أيضاً من أجل أن يقوم لبنان -الذي لا يعترف بـ “الخط الأزرق” الذي تم وضعه في العام 2000 عند انسحاب إسرائيل كحدود دولية- بنشر جيشه على طولها. عندها يمكن أن تطلب بيروت من حزب الله سحب قواته عن الحدود. ولكن التهديد بتوسيع الحرب لن ينتظر حتى تبدأ إسرائيل ولبنان في النقاشات حول ترسيم الحدود، أو إنهاء المحادثات من أجل بدء انتشار جديد للجيش اللبناني وحزب الله. تقول إسرائيل وبحق إن ابعاد حزب الله يخضع للقرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية، وهو غير مرتبط بترسيم الحدود. ولكن حتى لو أفاد التقدير الأمريكي بأن المفاوضات حول ترسيم الحدود قد تتم بشكل متواز وتساعد على المطالبة بإبعاد حزب الله، فإنه يجب الآن أيضاً التغلب على العلاقة التي يصمم عليها حزب الله بين ترتيبات الحدود والحرب في غزة.

خصوم حزب الله السياسيون يطرحون تخوفاً آخر، وهو أن حسن نصر الله قد يبتز القيادة في لبنان وفي “الخُماسية” لتنازلات بخصوص هوية الرئيس الجديد، مقابل الموافقة على إجراء المفاوضات وإبعاد قواته عن الحدود. في مقابلة مع صحيفة “السياسة” الكويتية في نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس حزب الكتائب المسيحية في لبنان، سامي الجميل: “في خلفية الحوار بين حزب الله وإسرائيل خوف كبير من أن يتم التوصل إلى اتفاق على حساب سيادة لبنان، وأن يحصل حزب الله على لبنان كهدية على استعداده للانسحاب من الجنوب”. الجميل الذي يعد العدو اللدود للمنظمة الشيعية، هدد بأنه إذا حدث ذلك “نكون قد ضحينا بلبنان الذي كان منارة العالم العربي”. وقال الجميل في المقابلة إنه حصل على تهديدات على حياته، وأنه “يعرف من أين تأتيه هذه التهديدات”. ترجمة تحذيراته الفعلية هي أنه إذا حصل حسن نصر الله على رئيس يروقه، سليمان فرنجية المقرب من الحزب مثلاً، فسيكون لبنان في يد حزب الله. عندها لا شيء سيقف أمام نفوذ إيران، ولن تستطيع أي قوة المطالبة بنزع سلاح حزب الله، الذي سيفرض بواسطته قوته على الدولة.

قضية الإنجازات السياسية التي يطمح حزب الله إلى الحصول عليها لنفسه مقابل سحب قواته من منطقة الحدود، لم تغب عن عيون زعماء “مجموعة الخمس”. ولكن هذه المجموعة منقسمة فيما بينها حول مسألة كيف سيتم الدفع قدماً بالعملية الدبلوماسية بالصورة الأكثر نجاعة وسرعة. فرنسا مثلاً، عرضت في أيلول الماضي اقتراحاً يقول بأن الرئيس سيكون سليمان فرنجية، المفضل لدى حزب الله، ولكن رئيس الحكومة القادم سيكون قائد الجيش جوزيف عون الذي كما يبدو سيكون ثقلاً موازياً في تأثيره. قبل شهر عندما احتدمت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، طرحت فرنسا اقتراحاً آخر، وهو تعيين فرنجية في منصب الرئيس مقابل تطبيق القرار 1701. موقف الولايات الأمريكية الحالي في هذه القضية لم يتضح بعد، في حين أن لب اهتمامها موجه للتهدئة على الحدود. من غير الواضح أيضاً إذا كانت السعودية، المعارضة الشديدة لحزب الله، ستوافق على تأييد الحل الفرنسي أو مساعدة لبنان فيما بعد على الخروج من الأزمة الاقتصادية إذا ترأس لبنان رئيس مقرب من حزب الله.

إضافة إلى ذلك، لا توجد حتى الآن أي ضمانة في أن تثمر نقاشات “مجموعة الخمس” بنتائج حقيقية على الأرض أمام مصفوفة القوى الداخلية في لبنان. ليس في يد أعضاء المجموعة أي أوراق مساومة أو رافعة ضغط يمكنها أن تفرض حلاً سياسياً في مسألة تعيين الرئيس، أو حلاً دبلوماسياً يبعد حزب الله عن الحدود. سيكون القرار في نهاية المطاف لحزب الله نفسه، الذي أوضح حتى الآن بأنه يبقي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات. إن حرباً واسعة مع إسرائيل لن تخدم مصالحه السياسية، لكن ومن أجل تحقيقها سيحتاج إلى “جبهة ساخنة” تستخدم الضغط على خصومه.

تسفي برئيل

هآرتس 22/1/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي