هآرتس.. إسرائيل في جبهتين ونتنياهو وجوقته ينصبون فخاً لرئيس الأركان: من يحمي "ميرون"؟  

2024-01-08

 

بنيامين نتنياهو (أ ف ب)رد “حزب الله” على اغتيال القائد الكبير في حماس، صالح العاروري، في بيروت، وصل على شكل رشقة شديدة من الصواريخ نحو الجليل. حسب “حزب الله”، هذه وجبة أولى من العملية المخطط لها. إطلاق الصواريخ لم يتسبب بإصابات، لكنه وجه لأهداف تقع أعمق جنوباً، في منطقة شارع صفد – عكا. الأهم هو الهدف الرئيسي الذي تركز حوله الإطلاق، وهو جبل ميرون، حيث وحدة المراقبة الجوية الشمالية لسلاح الجو، التي تضم رادارات تراقب كل حركة جوية في المجال السوري – اللبناني.

 وجرت أمس عدة محاولات لإطلاق طائرات مسيرة هجومية إلى حدود إسرائيل دون إصابات. سلاح الجو رد بهجمات كثيفة نسبياً على جنوب لبنان، أصيبت في إحداها قاعدة لصواريخ أرض – جو تابعة لـ ”حزب الله”. إضافة إلى العاروري، يتكبد “حزب الله” خسائر فادحة في الهجمات الأخيرة التي توجه أحياناً لخلايا أطلقت الصواريخ والقذائف المضادة للدروع داخل الأراضي الإسرائيلية.

 رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، ألقى أول أمس خطابه الثاني في غضون يومين، تناول فيه اغتيال العاروري والحرب في غزة ولبنان. كرر تهديداته بالثأر، لكنه لم يهدد بأن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة من قبل “حزب الله” ضد إسرائيل.

 في هذه الأثناء، يبدو أن “حزب الله” سيواصل تركيزه على المنطقة الشمالية، ولن يحاول توسيع المعركة نحو المركز. حتى الآن، هذا هو التقدير الذي قد يتلاشى. وصلنا إلى وضع ترى فيه إسرائيل أن الإطلاق الموسع الذي يحدث منذ ثلاثة أشهر والذي أدى إلى إخلاء عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم، الخيار الاًقل سوءاً. ما دام رد “حزب الله” “متفهماً”، فإن إسرائيل أيضاً تقيد نطاق قوة هجماتها؟

 لا أمل أو عزاء لسكان الشمال، ويبدو أن الجهود الأمريكية للعثور على حل سياسي ينهي القتال تتقدم ببطء شديد. الحكومة والمتحدثون بلسانها بدأوا يشيرون إلى مرور بضعة أشهر قبل عودة الهدوء إلى الشمال.

من المسموح له بإجراء التحقيق؟

 مساء الخميس الماضي، نشر الصحافي يوآف زيتون في موقع “واي نت” أن رئيس الأركان هرتسي هليفي قرر تعيين طواقم أولية للتحقيق لفحص عدة قضايا حاسمة تتعلق بأداء الجيش الإسرائيلي عشية الحرب. وهي نية نشر عنها هنا قبل بضعة أسابيع، لكن النبأ الذي نشره زيتون أثار عاصفة حول هوية المحققين: رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، والجنرال احتياط سامي ترجمان، والجنرال احتياط اهارون زئيفي (فركش)، والجنرال يوآف هار ايفن. موفاز شخص كهدف في اليمين بسبب تأييده، بصفته وزير دفاع في حكومة أريئيل شارون، للانفصال (الذي أيد فيها تقريبا حتى النهاية، مع وزير آخر هو بنيامين نتنياهو). خطأ زئيفي (فركش) هو تماهيه بشكل مهذب، وحذر كالعادة مع انتقاد خطة الانقلاب النظامي.

 الادعاء الثاني أيضاً الذي نشرته آلة السم هو ادعاء مدحوض، وهو الاتهام بتضارب المصالح كما يبدو، لأن الشخصية الرفيعة التي تم ذكرها هي والد قائد وحدة في الجيش الإسرائيلي. “كيف يمكن للأب أن يحقق مع الابن؟”، سأل البيبيون بصدمة مصطنعة. هذا هراء: الابن يخدم في وظيفة لا ترتبط بالإخفاقات. فعلياً، هو ورجاله الآن في الجبهة، ويحاربون ببطولة منذ 7 أكتوبر، وتكبدت ووحدته خسائر كبيرة.

 هليفي لم ينسق خطواته، والتعيينات المتوقعة مع نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالنت. عندما خرج الوزراء لاستراحة وفتحوا هواتفهم المحمولة اندلعت الفوضى، شوهدت النهاية في فخ خطط بسرعة لرئيس الأركان. وزراء الليكود دافيد امسالم (الذي لسبب ما حصل على دعوة للمشاركة في جلسة الكابنيت السياسي الأمني كمراقب) وميري ريغف ووزراء اليمين المتطرف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، انقضوا عليه كجوقة.

 لا يكفي أن هليفي ورؤساء أذرع الأمن المختلفة مطلوب منهم أسبوعياً قضاء وقتهم في هذا المنتدى الزائد والمتطرف (القرارات الحقيقية تتخذ في كابينت الحرب المقلص)، الوزراء أيضاً تنافسوا فيما بينهم؛ منهم من يهاجم ويهين رئيس الأركان. نتنياهو لم يوقف الهجوم. هذه ليست المرة الأولى، كما أشار المشاركون في النقاش، التي يظهر رضى من هذا التوبيخ الذي وجه لهليفي. ليس من الصعب التخمين من يخدم هذا الهجوم. رئيس الحكومة يقلق من أي تقدم نحو التحقيقات العسكرية لأنها تبشر ببداية عملية الفحص والتحقيق واستخلاص العبر الشخصية. نتنياهو هو الوحيد في القيادة الإسرائيلية الذي امتنع عن تحمل أي مسؤولية عن الإخفاقات، واكتفى بوعود ضبابية بأن كل شيء سيتم التحقيق فيه عندما يحين الوقت.

مع كل ذلك، هذا تحقيق لن يزعجه بشكل كبير. مراقب الدولة، نتنياهو انغلمان، أبلغ غالانت في الأسبوع الماضي البدء قريباً بتدقيق مفصل حول سلسلة قضايا ترتبط بسلوك جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي قبل الهجوم الإرهابي لحماس وأثناء الحرب. يخطط انغلمان لإجراء تحقيق يشمل سلسلة قضايا حساسة (التي ينوي الجيش الإسرائيلي في جزء منها إجراء تحقيق داخلي، رغم الوزراء). لكن يجب التذكر من هو انغلمان؛ فهو شخص تم انتخابه للمنصب بعد تدخل طويل لنتنياهو في الوقت الذي يدير فيه رئيس الحكومة منذ سنوات عملية متشعبة لكبح حراس العتبة وتثليم أسنانهم.

 لولا الفظائع التي تحدث في الخارج لأمكن التوقف للحظة والانفعال من دقة وجمال حركة الكماشة المركبة التي يقودها نتنياهو. من جهة، ثمة خطوات مخيفة ضد رئيس الأركان التي تعيق تأخير فتح التحقيق الذي هو غير مريح لرئيس الحكومة، من جهة أخرى، يطلقون مراقب الدولة، الذي قد يتعمق في فحص حياة الضباط الكبار أثناء الحرب. وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن دخول المراقب إلى الصورة قد يقتحم حدود أي لجنة تحقيق في المستقبل وتقييد خطواتها.

 من المحظور التقليل من مسؤولية الجيش و”الشاباك” عن الفشل الذريع في 7 أكتوبر. كل الشخصيات الرفيعة التي كانت متورطة في ذلك عليها الذهاب إلى البيت. ولكن إذا توهم شخص ما بأن شيئئاً ما في المذبحة الفظيعة قد أثر بنتنياهو أو غيره، فمن الأفضل له التنازل عن هذا الوهم. هذا هو نتنياهو نفسه؛ فهو ينوي البقاء على الكرسي إلى الأبد، وكل الوسائل مشروعة لتجسيد هدفه. رئيس الحكومة ورجاله اهتموا أمس بالتأكد من أن وزراء الليكود الذين يتم إجراء المقابلات معهم في وسائل الإعلام سيهاجمون رئيس الأركان.

 سلوك نتنياهو في جلسة الكابنت ليلة الخميس – الجمعة، سيزيد الضغط على وزراء المعسكر الرسمي، بني غانتس وغادي آيزنكوت، للانسحاب من الحكومة. في الوقت نفسه، يؤجج غضباً في أوساط المعارضة ويسرع توسيع الاحتجاج ضد الحكومة ومن يقف على رأسها، رغم أن الحرب في غزة بعيدة عن نهايتها. الوضع الحالي الذي يدير فيه نتنياهو الحرب بكل الطرق المخادعة والمعروفة بات أمراً لا يطاق.

معضلة من جهنم

تمر ثلاثة أشهر على الحرب في غزة، الحرب الأطول منذ حرب لبنان الأولى. ربما لرفع معنويات الجمهور، نشر المتحدث بلسان الجيش فيلماً قصيراً وصوراً لرئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس “الشاباك” رونين بار ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هليفي وقائد المنطقة الجنوبية يارون فنكلمان، وهم يتجولون في نفق لحماس في خانيونس. الرسالة موجهة للطرف الفلسطيني، وهي أن إسرائيل تقترب من المملكة التحت أرضية لرئيس حماس يحيى السنوار. هليفي وبار يكثران من التجول معاً في القطاع والتحدث مع قادة الوحدات. صور الزيارة الأخيرة تثير الخوف أيضاً من مخاطرة زائدة بحياة القادة الكبار. يهدئ الجيش الإسرائيلي ويقول بأنه عثر على النفق وفحصه قبل فترة طويلة نسبياً، وأنها زيارة معدة جيداً.

 في نهاية الأسبوع، قتل مقاتل من الجيش الإسرائيلي، المقدم روعي يوحاي يوسف مردخاي، من لواء “الناحل”. هذا الضابط الذي أصيب في شمال القطاع كان سيتولى منصب قائد كتيبة في اللواء، وهو القتيل الإسرائيلي الأول في القطاع منذ أربعة أيام. في حادثة أخرى، قتل في هجوم جوي إسرائيلي في مخيم النصيرات في وسط القطاع قائد كتيبة في حماس ونائبه.

 في الوقت الذي تتقلص فيه النشاطات في مناطق أخرى، بقيت في خانيونس هي مركز اهتمام إسرائيل. وتيرة التقدم هناك بطيئة، ولكن الجيش و“الشاباك” يأملان بالوصول إلى كبار قادة حماس في القطاع. خلال ذلك، بقيت هناك معضلة من جهنم: على فرض أن الشخصيات الرفيعة هناك، فكيف يمكن المس بهم من غير المس بالمخطوفين الإسرائيليين الذين بالتأكيد تم إجبارهم على تشكيل حزام أمان حول كبار قادة المخربين؟

 

عاموس هرئيل

 هآرتس 7/1/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي