إسرائيل: حربنا لم تحقق أياً من أهدافها رغم "أنبوب التموين الأمريكي"

2024-01-06

126 غير مشارك قتلوا في الهجوم على القيادة في جباليا. الضرر الجانبي لا ينحصر فيهم فقط (أ ف ب)

بدا انتشار الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أعمق وأوسع من الانطباع الذي تلقيته من تقارير سابقة، وتعتزم قيادة المنطقة الجنوبية مواصلة توسيعه. فالخطوة التي بدأت في الأحياء الشمالية الشرقية من خان يونس انتقلت جنوباً، إلى كل المدينة؛ ما بدأ في خربة خزاعة، أمام “كيبوتس نير عوز” جنوباً، سينتقل إلى أماكن أخرى. وفي غضون أيام ستكون المنطقة شمال وادي غزة كاملة تحت سيطرة إسرائيلية. السكان الذين خرجوا جنوباً لن يسمح لهم بالعودة. وسيتقدم الجيش الإسرائيلي نحو السيطرة على مخيمات الوسط، البريج والنصيرة.

ثلاثة سبل تصف النية التي ترمي إليها هذه الخطوة: أولاً التطهير، فالجيش الإسرائيلي يتجه إلى كل مكان ترابط فيه كتائب حماس، يقتل مخربين ويفجر قيادات وفوهات وأنفاقاً. وثانياً الثأر، فالجيش الإسرائيلي يدمر كل الأرض المبنية في القطاع على مراحل ويحول سكانها إلى نازحين، في الخيام أو الشوارع. كان في رفح في 7 أكتوبر 200 ألف نسمة، أما اليوم ففيها 800 ألف. ثالثاً الاحتلال، فالجيش الإسرائيلي يحتل القطاع ويخلق الفراغ الذي يستدعي لاحقاً إقامة حكم عسكري واستيطان يهودي.

يتمسك الجيش بالنية الأولى: تطهير أعشاش المخربين، وهذه مهمة عسكرية صرفة؛ أما العالم، بما في ذلك حكومات صديقة، فمقتنع بأن الحديث يدور عن الإمكانية الثانية، عن حملة ثأر، عمياء ووحشية، وعن تطهير عرقي: هذه هي الرسالة التي تبدو من صور الدمار واللجوء التي يراها العالم في قنوات التلفزيون وفي الشبكات الاجتماعية؛ وهذه هي الاقتباسات التي تنشر على ألسنة وزراء في حكومة إسرائيل.

التجربة التاريخية تحذر من الإمكانية الثالثة. “ما كسرته هو لك”، يقول الأمريكيون. هذا القول جميل لمحلات الأدوات المنزلية مثلما هو جميل لهجمات عسكرية في غزة.

مرت ثلاثة أشهر منذ بدء الحرب – زمن طويل جداً في حروب إسرائيل. أحد الأمور التي تعلمناها في هذه الأشهر هو أن الحروب التي تبدأ بقصور رهيب وبكارثة، قد تحظى بتأييد جماهيري واسع، على مدى الزمن. فعندما يجند الاحتياط بجموعهم تتجند وسائل الإعلام بجموعها أيضاً، وكذا الساحة السياسية بما في ذلك حركة الاحتجاج. بقدر حجم الخراب يكون حجم تعلقنا بالجيش بعد الخراب. في بداية الحرب، روى لي ضابط كبير في فرقة عملت في شمال غزة عندما خرج للمشاركة في جنازة أحد القتلى في الغلاف أراد ان ينزع بزته ويلبس المدني، لهذه الدرجة خجل من قصور الجيش. وها هو الموقف قد انقلب في غضون أيام من قادة الجيش: حل الإعجاب محل الغضب. الجيش الإسرائيلي لا يخطئ أبداً.

هذا مؤسف، لأن الحرب لم تحقق حتى اليوم أياً من أهدافها، لا الأهداف المتعذرة التي ألقاها عليها نتنياهو، ولا الأهداف الأكثر واقعية التي صاغها رئيس الأركان. هذا ليس اتهاماً، بل حقيقة. ثمة إنجازات عملياتية على الأرض، في الجنوب وفي شمال لبنان أيضاً. لا توجد حلول؛ لا توجد استراتيجية خروج.

يتطلع الجيش إلى واقع في غزة يسمح بقواعد لعب مثلما في شمال الضفة: الجيش الإسرائيلي يدخل المدن والقرى كما يشاء؛ والمنظومة المدنية يديرها الفلسطينيون بتعاون جزئي مع إسرائيل. لكن غزة ليست جنين. انهيار المنظومة المدنية لحماس ستجعلها ثقباً أسود تماماً مثلما تبدو غزة وبناتها في الصور الجوية.

من سيدير غزة؟ العشائر، اقترحت محافل في المنظومة. المخاتير، رؤساء العشائر، سيديرون نيابة عنا القطاع. كان نداف ايال أول من نشر النبأ.

لا حماستان ولا فتحستان، تعهد نتنياهو. إذن ستكون عشائرستان. الشيوخ الذين بيننا يتذكرون بأن الابتكار جرب ذات مرة، في 1977 وانتهى بفشل ذريع. كانوا يسمونه روابط القرى: مثلما في عهد الانتداب البريطاني، المخاتير هم من سيديرون حياة السكان تحت إمرة الحاكم الإسرائيلي. يغئال كرمون بصفته لورانس العرب. هذا لن يقلع في حينه ولن يقلع الآن، حين يكون يحيى السنوار ورفاقه يقتلون العملاء على أقل من هذا بكثير.

الإثنين، هبطت في مطار بن غوريون الطائرة الـ 150 في القطار الجوي الذي وضعه الرئيس بايدن تحت تصرف إسرائيل. صناديق الذخيرة أنزلت من الطائرة المستأجرة إلى المسار، وخرجت من هناك مباشرة إلى قواعد سلاح الجو. ما لم يطر وصل في السفن. لم يسبق أن كان أمر كهذا، بهذه الحجوم، ولا حتى في حرب يوم الغفران.

وجود أنبوب التموين الأمريكي أمر مفرح ومقلق؛ مفرح لأننا نملك حليفة قوية يعتمد عليها في هذه الحرب؛ ومقلق لأنه تبين بأن إسرائيل غير قادرة على التغلب وحدها حتى على أصغر أعدائها. رؤساء البلدات في الشمال ممن يدفعون نحو حرب شاملة ضد حزب الله، يعطون تعبيراً عن الصرخة المحقة لسكانهم. ليست مهمتهم فحص وضع مخزونات الجيش.

أطلقت القوات النار بلا حساب في الأسابيع الأولى من الحرب، في التدريبات وداخل القطاع. الأعصاب لعبت دوراً، وكذا إحساس الثأر. لعله نهج القتال. وعشية وقف النار، فهموا بأننا لا يمكن الاستمرار على هذا النحو.

سوق الذخيرة عالمي. كل شيء يتدفق إلى حين اكتشاف أن القانون يحظر توريد عتاد عسكري لدولة هي في حرب. إيطاليا مثلاً. عنصر عسكري معين، غير حيوي، تشتريه إسرائيل في إيطاليا. نأسف، قال الإيطاليون. القانون يحظر علينا هذا. عرض الأمريكيون مشكلة من نوع آخر: الحروب في أوكرانيا وغزة أفرغت مخازن الطوارئ لدينا. توجد أنواع من الذخيرة ازدادت حاجتها من جديد. صواريخ جو جو مثلاً. في الماضي، كانت تستخدم لمعارك الجو، أما الآن فهي تحظى بحياة جديدة، كسلاح مضاد للمسيرات.

استنتاج جهاز الأمن لا لبس فيه: إسرائيل ملزمة بإنتاج ذخيرتها بنفسها وفتح خطوط إنتاج أخرى للمجنزرات والدبابات. احتياجات الحرب أجبرت وزارة الدفاع على أن تأمر بوقف مؤقت للإنتاج الأمني. لكل هذه القرارات ثمن اقتصادي لا بأس به.

جندي شارك في القتال في خان يونس اشتبه بأنه أطلق النار فقتل مخرباً مكبلاً. قائد المنطقة الجنوبية، يرون فينكلمان، أمر بأن تفتح الشرطة العسكرية تحقيقاً. نشر الخبر دون أن يخلق أصداء. وقال لي مصدر إنها الحالة الوحيدة للاشتباه بمخالفة حرب يحقق فيها في هذه اللحظة، لكن مصدر آخر تحفظ: ربما هناك حالات أخرى.

الحرب ضد منظمة إرهابية، في قلب سكان مدنيين، بعد مذبحة رهيبة، تستدعي مخالفات. أفترض أن الجيش سيعرف كيف يعالج حالات شاذة. المشكلة في هذه اللحظة تكمن في نمط السلوك: لأسباب كثيرة، ليس كلها قانونية، تجد إسرائيل نفسها في الطريق إلى قفص الاتهام في “لاهاي”. النائبة العسكرية الرئيسة بعثت بكتاب شديد اللهجة في هذا الموضوع لرئيس الأركان. وليست وحدها، فجهاز الأمن قلق جداً أيضاً.

تحقيق الصحيفة الأمريكية اليومية “وول ستريت جورنال” مثال جيد. طاقم كبير من الصحيفة حقق بهجوم الجيش الإسرائيلي على قيادة إبراهيم البياري، قائد كتيبة حماس في جباليا. البياري وعشرات من مرؤوسيه قتلوا في الهجوم. تعترف الصحيفة بشرعية تصفية البياري ورجاله، وتشير إلى أن سلاح الجو بذل جهداً ألا يمس بغير المشاركين. لها ثلاثة ادعاءات: الأول، بخلاف حالات أخرى، دون تحذير المواطنين؛ والثاني، استخدموا قنبلتين على الأقل ضررهما جسيم على نحو خاص، يتجاوز الحاجة، الثالث، طائرات سلاح الجو فجرت أنفاقاً بذخيرة دقيقة. هم لم يأخذوا بالحسبان ما سوف يحدثه تفجير الأنفاق من تدمير للبيوت.

126 غير مشارك قتلوا في الهجوم على القيادة في جباليا. الضرر الجانبي لا ينحصر فيهم فقط.

 

ناحوم برنياع

يديعوت أحرونوت 5/1/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي