فايننشال تايمز: إستراتيجية بايدن المضطربة في غزة تكشف عن عجز الولايات المتحدة  

2023-12-23

 

قامت دبلوماسية بايدن وإدارته على “عناق الدب” أي معانقة نتنياهو والمسؤولين حوله وتحذيرهم أثناء العناق بعدم التمادي والذهاب بعيدا (أ ف ب)نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسليها جيمس بوليتي وفليتشيا شوارتز قالا فيه إن استراتيجية جو بايدن المضطربة حول غزة تظهر الولايات المتحدة وكأنها عاجزة.

وقالا إن نهج الإدارة هو التعبير عن دعم علني لإسرائيل وتقديم النصيحة بين الأصحاب في السر، لكنها تواجه عدم ارتياح في الداخل والخارج.

فعندما تناول جو بايدن موضوع الحرب في غزة أثناء حفلة جمع تبرعات انتخابية، لم يتوقع الحضور أي شيء غير عادي. وأخبر الرئيس المتبرعين للحزب الديمقراطي الذين تجمعوا في الفندق الراقي سالمندر في 12 كانون الأول/ديسمبر أن دعم أمريكا لإسرائيل “لا يمكن هزه”. فقد طمأنهم في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم العسكري حتى “تنتهي الحرب” ضد حماس. إلا أن نبرة بايدن تغيرت وحث حكومة بنيامين نتنياهو على اتخاذ نهج أكثر توازنا، وهي تصريحات كان يمقت أن يعبر عنها علنا. وقال عن نتنياهو: “هو صديق جيد ولكن عليه أن يتغير”. ومضى واصفا الحكومة الإسرائيلية بأنها “الأكثر محافظة” في تاريخ إسرائيل ولا تريد “حل الدولتين” أو “أي شيء له علاقة بالفلسطينيين”. وأنهى كلامه بتحذير إسرائيل من خسارة الدعم الدولي، بسبب القصف العشوائي ضد المدنيين.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، قتل حتى الآن أكثر من 20.000 مدني. وجاء توبيخ بايدن الذي عبر عنه خارج مناسبة رسمية في البيت الأبيض ليعبر عن إحباط متزايد في واشنطن من إسرائيل ولم يكن بالضرورة قطيعة جوهرية معها.

ويعبر عدم الارتياح هذا عن مشاكل لبايدن في داخل الولايات المتحدة وعلى الجبهة الدولية. وعلى خلاف حرب أوكرانيا التي كان لدى الولايات المتحدة إشارات عن نوايا روسيا حولها، فهجوم حماس جاء من “لا مكان” ولم يكن لدى واشنطن الوقت للتحضير لها، وجاءت في وقت اعتقدت فيه الإدارة أن منطقة الشرق الأوسط مستقرة.

وفجأة وجد الرئيس البالغ من العمر 81 عاما نفسه أمام سلسلة من المعضلات الدبلوماسية والإشكالية، مثل كيفية التعامل مع حليف شائك مثل نتنياهو ومنع انتشار الحرب بالمنطقة، والتعامل مع الخلافات العميقة داخل قاعدته السياسية، والقضاء على الشكوك بأن أمريكا قادرة على التأثير وبإيجابية على العالم، وليس هذا هو الاستقرار الذي كان بايدن يريد إعادته بعد أربع سنوات من حكم دونالد ترامب.

وقامت دبلوماسية بايدن وإدارته على “عناق الدب” أي معانقة نتنياهو والمسؤولين حوله وتحذيرهم أثناء العناق بعدم التمادي والذهاب بعيدا.

ويشير المسؤولون الأمريكيون لنتائج هذه السياسة، مثل التوقف المؤقت الشهر الماضي الذي أدى لتحرير 105 من الرهائن والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة ومنع إسرائيل من فتح جبهة ثانية مع حزب الله. وتقول الولايات المتحدة إن العملية العسكرية في جنوبي غزة بعد نهاية الهدنة، كانت منضبطة مقارنة مع القصف الواسع في شمال غزة. وفي بعض الحالات قدم الإسرائيليون أدلة لنظرائهم الأمريكيين عن وقف الضربات تجنبا لإيذاء المدنيين، وهو دليل عن أثر الدبلوماسية الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول بارز قوله “نعتقد أننا كنا قادرين على تحريك الإبرة من خلال عدة طرق مهمة” و”ساعدتنا آراء الرئيس للوصول إلى مكان أحسن”. إلا أن الموقف في غزة مختلف، الآلاف من الأطفال والنساء ماتوا ودمرت أحياء بكاملها في شمال غزة ويعاني القطاع من أزمة إنسانية، ومن بين 36 مؤسسة صحية لا تعمل سوى 9 مستشفيات منها، حسب منظمة الصحة العالمية، وبعدد محدود من الشاحنات التي تحمل المعدات الطبية والأدوية وغير ذلك من المواد الغذائية والوقود.

ولهذا السبب أبدى بعض حلفاء بايدن في الكونغرس عدم رضا ونفاد صبر من نهجه، وقالوا إن الولايات المتحدة فشلت في الضغط على نتنياهو لتغيير أساليبه. وقال السناتور الديمقراطي عن ميريلاند كريس فان هولين “في الوقت الذي حققت فيه إدارة بايدن تقدما تدريجيا لدفع تحالف نتنياهو لاتخاذ تحركات بعينها، فإنني أعتقد أنه كان بإمكاننا أن نكون أكثر فعالية من خلال استخدام النفوذ” و”هناك فجوة كبيرة بين ما تقول الولايات المتحدة إنه ضروري واستعداد حكومة نتنياهو لعمله” و”عندما ترى هذه الثغرات تبدو الولايات المتحدة عاجزة”.

وبدا رد بايدن على الأزمة نابعا من خلال عقود من الدعم الأمريكي لإسرائيل والعلاقة الشخصية معها، ودائما ما تحدث عنها، وبخاصة عندما كان سيناتورا شابا في السبعينات من القرن الماضي. ولا يريد بايدن الظهور بمظهر من سمح بمرور مجزرة لليهود بدون عواقب. ولم يشجب بايدن حماس فقط بأنها “شر محض” بل وطار بعد أيام من الهجوم إلى تل أبيب. ومن منظور السياسة الخارجية واجه بايدن ومساعدوه عددا من الخيارات الصعبة ولا يزالون مع استمرار الحملة.

وهم متفقون مع فكرة تدمير إسرائيل لحماس، بحيث لا تكون قادرة على شن هجمات ضد إسرائيل في المستقبل أو تستمر في حكم القطاع. وهم يقبلون بطول أمد العملية العسكرية من أجل تحقيق الهدفين. ولكن الأمريكيين يريدون تغييرا في العملية العسكرية وأساليبها بحيث تقلل من سقوط الضحايا المدنيين. ويقول كريس كونز، السناتور الديمقراطي عن ديلاوار وعضو لجنة الشؤون الخارجية: “بوقاحة، هناك الكثير من القلق والإحباط من أننا لم نر تحولا في الأساليب على الأرض”. و”حان الوقت للتحول نحو استراتيجية مكافحة إرهاب موجهة”. وبحسب كونز، فقد أوصل جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي ولويد أوستن وزير الدفاع الرسالة “بوضوح تام” للإسرائيليين.

وعلى المدى البعيد فواشنطن مصممة على رفض احتلال إسرائيلي طويل لغزة وتريد إحياء حل الدولتين مع السلطة الوطنية. وسخر نتنياهو من مقترحات أمريكا ولا يوجد أي دعم لحل الدولتين في داخل المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل يقتضي تغيرا في الحوار. ولم يستغرب الأمريكيون من مواقف نتنياهو ولكنهم يأملون بأن يحدث تحول بالمشهد السياسي.

ويقول النقاد إن فشل نتنياهو بالرد على الضغوط الأمريكية يضع بايدن أمام معضلة، وبحسب إدوارد دجيرجيان، السفير الأمريكي السابق إلى إسرائيل أثناء إدارة كلينتون “الإدارة في وضع صعب وينظر إليها على أنها تدعم وتساهم في الكارثة الإنسانية بغزة”. ورغم كل هذا لم تقم الإدارة بوضع شروط على الدعم العسكري أو سحب الدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة. وطلب بايدن من الكونغرس مساعدة بـ 14.3 مليار دولار بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى جانب 3.8 مليار مساعدة سنوية لإسرائيل، وصوتت واشنطن في الجمعية العامة ومجلس الأمن واستخدمت الفيتو ضد قرارات اعتبرتها عقابية ضد إسرائيل. ولا تعتقد الولايات المتحدة أن مدخلا هادئا أو صداميا كذلك الذي تبناه أوباما سيغير مواقف إسرائيل وربما ارتد عكسا.

وفي الوقت الذي يقول فيه مسؤولو الإدارة إن لديهم بعض التأثير على إسرائيل لكن الإملاء عليها كيف تدير العملية العسكرية أمر مبالغ فيه. ويقول دان رونزثال، مدير شركة استشارات أولبرايت ستونبريدج في واشنطن “تدعو الولايات المتحدة إسرائيل لتبني مدخل دقيق وجراحي، ولا أعرف كم سيكون هذا واقعيا [في ضوء] المناخ السياسي الإسرائيلي”.

ويرى أن الحديث عن تأثير الولايات المتحدة على إسرائيل مبالغ فيه. إلا أن الكثير من الديمقراطيين يختلفون مع هذا الرأي، فقد كتبت مجموعة من النواب الديمقراطيين بخلفية أمنية، مثل إليسا ستوليكن، نائبة ميتشغان وأبيغل سبانبرغر عن فيرجينيا إلى بايدن، تحثه على تغيير في الأساليب. ويدعو بيرني ساندرز عن فيرمونت إلى دعم مشروط لإسرائيل، وقال “لو نجح السؤال بطريقة لطيفة لما وصلنا للوضع الذي نحن فيه اليوم” و”يجب وقف الصكوك المفتوحة”.

واندلع النزاع في الشرق الأوسط في وقت غير مناسب للسياسة الخارجية الأمريكية، فقد كان بايدن منشغلا بحشد الدعم لأوكرانيا وبناء استقرار في العلاقات مع الصين، وانخرطت الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط بمبادرات دبلوماسية واقتصادية وتأمين سوق الطاقة، واضطر بايدن لفتح العلاقات من جديد مع السعودية وحاول دفعها للتطبيع مع إسرائيل. وأعلن في قمة العشرين بالهند عن مبادرة بنية تحتية، تمتد من الهند إلى أوروبا عبر الخليج وإسرائيل. إلا أن النزاع جلب بايدن مرة أخرى للشرق الأوسط بعدما اعتقد أنه غادره بسحب القوات من أفغانستان، كما أن تهديد الحوثيين في اليمن باستهداف السفن التجارية أضاف بعدا اقتصاديا للنزاع وهذا يشغل بال البيت الأبيض.

وقال بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط بواشنطن “هذه الحرب هي لحظة مايكل كورليوني [بطل فيلم الأب الروحي] في الشرق الأوسط وكل رئيس أمريكي واجه واحدة”. ويرى كونز أن بايدن نجح بمنع توسع الحرب بالمنطقة وبخاصة هجمات الميليشيات المؤيدة لإيران في العراق وسوريا وحرب مع حزب الله، مع أن مشكلة الحوثيين لا تزال قائمة. وتفكر الإدارة بعمليات ضدهم لحماية ممرات الملاحة في البحر الأحمر. وقال مسؤول بارز “حتى مع الدول التي لا تنظر إلينا وجها لوجه في غزة، فقد كنا قادرين على عمل أمور مهمة”.

لكن مخاطر خسارة بايدن رأسماله الدبلوماسي الثمين واضحة للعيان. ففي الأيام الأخيرة دعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا لوقف فوري لإطلاق النار، حيث ابتعدت عن واشنطن التي ترى أن أي قرار كهذا سينفع حماس. وكانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي استخدمت الفيتو ضد قرار لوقف إطلاق النار، بشكل جعلها في تناقض مع الدول الصاعدة التي تحاول جذبها في التنافس مع الصين وروسيا.

وتعتبر الحرب في غزة امتحانا شخصيا لبايدن، وعلى الأقل لأنه يحضر لحملة إعادة انتخابه في 2024. وأدى رده لشرذمة الحزب حيث اتهم بأن رده كان متسامحا مع إسرائيل، والأخطر من كل هذا أن المعارضة تأتي من داخل حكومته. وعبرت جماعات وموظفون في البيت الأبيض والخارجية عن معارضتهم لرد الإدارة على الحرب. واستقال جوش بول مسؤول مكتب الشؤون العسكرية والسياسية السابق في الخارجية احتجاجا على موقف الإدارة. وقال “هناك أشخاص يعتقدون أن ما نفعله هو كارثة أخلاقية، وأنه يجب علينا ألا نسهم في قتل الكثير من المدنيين الأبرياء وهذا يتناقض مع القيم التي زعمها بايدن عندما وصل إلى المكتب”. وقال إن النهج يتسبب بضرر كبير لعلاقة أمريكا مع الشرق الأوسط. ورغم تشدده إلا أنه لم يحصل على ثناء من اليمين الجمهوري الذي يعبر عن دعم حماسي لإسرائيل.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي