ميديابارت: المواجهة الدبلوماسية بين إسرائيل وواشنطن تبدو حتمية في ظل الأهداف المتضاربة لبايدن ونتنياهو حيال غزة

2023-12-09

هل يستطيع بايدن أن يفرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي فترة ما بعد الحرب هذه؟ (أ ف ب)تحت عنوان: “الحرب في الشرق الأوسط.. الأهداف المتضاربة لبايدن ونتنياهو”، قال موقع “ميديابارت” الإخباري- الاستقصائي الفرنسي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المنشغل بالتهرب من مسؤولياته في الخيارات الاستراتيجية المغامرة التي سمحت بتنفيذ حماس هجومها المباغت غير المسبوق يوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، لم يطور أية رؤية لفترة ما بعد الحرب في قطاع غزة، على عكس إدارة الرئيس الأمريكي.

فبعد أن أدت الهجمات والضربات العنيفة العشوائية الإسرائيلية حتى الآن إلى مقتل أكثر من 16 ألف شخص من بينهم 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة مما تسبب في نزوح جماعي نحو جنوب قطاع غزة لنحو 1.8 مليون من سكان غزة المرعوبين أو 80 في المئة من السكان وتحويل مدن بأكملها إلى جبال من الركام، فإن الاستئناف الوحشي بعد الهدنة للعمليات الجوية والبرية التي تستهدف الآن كامل أراضي القطاع الفلسطيني يزيد من الطبيعة الفظيعة لهذا الصراع في غزّة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس.

عسكرياً ودبلوماسياً، يضيف “ميديابارت”، النتيجة بالنسبة لرئيس الوزراء وشعبه أكثر تبايناً.. حتى في مناطق معينة كارثية. وهذا، حتى لو كانت هيئة الأركان العامة تعتقد أنها استعادت جزئياً على الأقل، قدرتها على الردع، والتي قوضها مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر. وحتى لو كانت العزلة الدبلوماسية التي تواجهها إسرائيل اليوم ما تزال محدودة. وكما يحلل رئيس الوزراء السابق إيهود باراك في مقال نشرته صحيفة هآرتس، فإن “القوات الإسرائيلية حققت نجاحاً كبيراً في الجزء الشمالي من قطاع غزة، لكن حماس بعيدة كل البعد عن الانهيار في الجنوب وتحتفظ أيضاً بقدراتها القتالية في الشمال. إذا كنا راغبين في البقاء في بيئتنا القاسية، فإن استكمال تفكيك قدرات حماس العسكرية والحكومية أمر ضروري. ولكن ستكون هناك حاجة إلى أشهر، وربما أكثر، لتحقيق هذا الهدف”، بحسب إيهود باراك، محذراً في الوقت نفسه من أن الساعات العملياتية والسياسية ليست متزامنة، ومن أن الشرعية الدولية لبلاده تنفد بسرعة كبيرة وقد تتفاقم التوترات التي تتصاعد في كل مكان، بما في ذلك مع الولايات المتحدة قريباً […] واعتبر إيهود باراك “أن فشل نتنياهو في قيادة الحرب يرجع إلى رفضه فهم أنه لا يمكن تحقيق النصر على حماس دون تحديد موقف واضح لليوم التالي المخطط له وخطة لتنفيذ الرؤية المحددة”.

ورأى “ميديابارت” أن تحليل إيهود باراك تؤكده الظروف المتسرعة لاستئناف القتال والتي تعرضت لانتقادات كبيرة، بينما كان التفاوض على تمديد التهدئة ما يزال جاريا مع المبعوثين القطري والمصري ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أثناء مروره بالقدس. وإذا كانت شخصيات مثل إيهود باراك لا تتساءل عن “قدرة نتنياهو على قيادة بلاده في مواجهة مثل هذا الصراع المعقد”، فإن ياغيل ليفي، الباحث الاجتماعي المتخصص في القضايا العسكرية وخاصة إضفاء الطابع الديني على الجيش الإسرائيلي، يرى أن “مشروع القضاء على حماس عسكريا، أو حتى تنصيب قوة بديلة جديدة في غزة لا تهاجم إسرائيل، يشبه تلك المحاولات لفرض تغيير النظام من الخارج، والتي فشلت فشلا ذريعا.. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية في العراق وأفغانستان وليبيا، أدت هذه المناورات إلى حروب أهلية”.

وينقل “ميديابارت” عن ضابط إسرائيلي كبير متقاعد، نشط بشكل كبير في تعبئة المجتمع المدني ضد “الإصلاحات” القضائية التي خطط لها رئيس الوزراء، قوله: “نتنياهو محاصر بين احتمالين هائلين.. مواجهة بايدن، أي تعريض نفسه لمطالب حليف حاسم؛ أو مواجهة يمينه المتطرف، أي المخاطرة بانهيار ائتلافه. نتائج المرحلة الأولى من الحرب تؤكد أن تحقيق الأهداف التي حددها نتنياهو لن تكون بسيطة على الإطلاق”. ويحدد هذين السيناريوهين على النحو التالي: “ قبول، في فترة ما بعد الحرب، عودة السلطة الفلسطينية المعززة إلى غزة، وهو ما يعني أيضاً فتح المفاوضات في نهاية المطاف حول إنشاء دولة فلسطينية”، وهو الحل الذي اقترحه بايدن، كما أشارت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في دبي خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ. وفي هذه الحالة، قد يخاطر بمغادرة اليمين الديني المتطرف الحكومة والائتلاف، مما يفتح الطريق أمام انتخابات مبكرة سيصبح فيها حزب الليكود ضعيفا للغاية، وحيث قد تؤدي الهزيمة إلى تقديم رئيس الوزراء إلى العدالة، وهو الأمر الذي سعى إلى تجنبه لسنوات. أو يعود إلى ما كان دائما ميوله، أي أن يترك الصراع يتفاقم من خلال مزج مراحل المواجهات والضربات بسلسلة من التوقفات والمساومات لأطول فترة ممكنة من أجل تأخير اللحظة التي سيضطر فيها إلى فتح باب التفاوض مع الفلسطينيين، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار ائتلافه. فهذه هي الاستراتيجية التي استخدمها مع حماس حتى انفجرت في وجهه في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)”، وفق الضابط الإسرائيلي المتقاعد.

ويضيف “لقد فقدت حماس مقاتلين وكوادر، وهذا أمر لا جدال فيه. لكن القيادة تحافظ على سيطرتها على قواتها وهي بعيدة كل البعد عن إظهار أي ميل للاستسلام. خاصة وأن ما أعرفه، هو أنه لم يتم التعرف على شبكة الأنفاق الهائلة وتدميرها إلا جزئيًا. وأن الحركة ما تزال تحتجز عشرات الرهائن، بينهم جنود وضباط إسرائيليون”.

فشل “إدارة الصراع”

وتابع “ميديابارت” القول إن كل شيء يحدث، في الواقع، وكأن نتنياهو وأتباعه قد نسوا استراتيجية “إدارة الصراع” التي قدموها، قبل بضعة أشهر فقط، كمساهمة كبيرة في أمن إسرائيل وبديل موثوق به لإنشاء دولة فلسطينية، وهو المشروع الذي رفضه دائمًا، حتى عندما أكد العكس لأسباب دبلوماسية. ولمواصلة رفض التفاوض مع السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية من خلال التأكيد على أنهما ليسا محاورين يتمتعان بالمصداقية لأنهما يسيطران فقط على الضفة الغربية، بينما يفلت قطاع غزة منهما، كان عليه أن يساعد حماس في الحفاظ على قوتها في القطاع وتعزيزها. وقد فعل نتنياهو ذلك من خلال السماح لقطر بتمويل حماس بشكل مباشر لسنوات وعرض على الحركة الفلسطينية ما يصل إلى 20 ألف تصريح عمل في إسرائيل لسكان غزة، وفق “ميديابارت”، مشيراً إلى أنه عندما أدى ثوران حماس الغاضب إلى إطلاق وابل من الصواريخ على جنوب إسرائيل، رد نتنياهو بحشد صواريخ “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ، وشن غارات جوية قصيرة وموجهة ومدمرة.. فقد حطم هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الوهم حول استراتيجية الردع، دون تشجيع نتنياهو على التخلي عن نظريته القائمة على إدارة الصراعات بدلاً من حلها.

وحتى اليوم، من غير الواضح ما هو الهدف الحقيقي الاستراتيجي السابع من أكتوبر. وينقل “ميديابارت” عن مستشار في الخارجية الإسرائيلية قوله: “نحن نعتقد فقط أن العملية تم تصميمها سرا في غزة من قبل حفنة من المسؤولين العسكريين في حماس، دون تدخل من القيادة السياسية في الدوحة، والتي لم يكن من الممكن إبلاغها إلا في اللحظة الأخيرة. فإذا كان خيارهم (…) هو إعادة قضية فلسطين إلى الطاولة، فقد تحقق الهدف. ويمكننا حتى أن نتحدث عن نصر سياسي ودبلوماسي عظيم”.

وعلى الجانب الأمريكي، يستشهد الدبلوماسي الإسرائيلي بـ“تحذيرات الجاليات العربية في عدة ولايات ساهمت فيها حتى ذلك الحين في نجاح الحزب الديمقراطي، مثل ميشيغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونسن، والتي تحث على البيت الأبيض على تغيير موقفه”. في هذا الإطار، يتابع المستشار لدى الخارجية الإسرائيلية القول: “جو بايدن وجد أنه ليس متفقًا مع قاعدته الديمقراطية، الغاضبة من صور البؤس والذعر والدمار القادمة من غزة، حيث انتقلت من التضامن الصامت إلى التضامن النقدي، قبل أن تتجه بشكل علني نحو اقتراح سياسي ودبلوماسي أكثر، والذي ذهب وزير الخارجية أنتوني بلينكن لتقديمه إلى نتنياهو، ينص على عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة معززة ومدعومة بقوة دولية، على سبيل المثال، أمريكية- عربية”.

الدولة الفلسطينية المستقبلية بدعم من واشنطن

“لكن من الضروري”، يؤكد مستشار الخارجية الإسرائيلية لـ“ميديابارت” دائما، أن “يتم إضفاء الشرعية على عودة السلطة الفلسطينية، للبدء بها، من خلال ضم قطاع غزة إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية الموحدة مع الضفة الغربية والقدس الشرقية”، وهو ما يعني أنه من المستحيل تصور مفاوضات ما بعد حماس لا تكون ضمن الإطار التاريخي المثبت لحل الدولتين. وهذا هو الأمر الذي لا يريد نتنياهو أن يسمع عنه.

“فهل يستطيع بايدن أن يفرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي فترة ما بعد الحرب هذه؟، يتساءل “ميديابارت”، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن علاقتهما أفضل بكثير من تلك التي كانت موجودة في عهد باراك أوباما، إلا أن أجنداتهم السياسية مختلفة في الواقع بشكل جذري، بل ومتناقضة. وإذا كان بايدن يريد أن يتوقف القتال في أسرع وقت ممكن، فإن نتنياهو يعلم أنه بمجرد انتهاء الحرب، سيواجه عدة أزمات كبرى، سياسية وقضائية ودبلوماسية، ناهيك عن لجنة تحقيق حتمية في ملابسات هجوم 7 أكتوبر. وبالتالي ، ليست لديه مصلحة في إنهاء سريع للأعمال العدائية. ولذلك “ربما يضطر بايدن إلى مواجهة مع نتنياهو”، يقول المستشار لدى الخارجية الإسرائيلية للموقع.

ويشير إلى أن رد الرئيس الأمريكي قبل بضعة أيام على صحافي سأله عن إمكانية ربط المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل بتغيير في موقف رئيس الوزراء معتبرا إياها “فكرة جيدة” […] وعلى الاقتراح الذي نقله بلينكن، رد نتنياهو دون اعتبارات دبلوماسية مفرطة بأن “السلطة الفلسطينية ولا أي قوة دولية” لن تسيطر أبدا على قطاع غزة، قبل إبلاغ جيران بلاده المصريين والأردنيين، وكذلك الإمارات العربية المتحدة، بأن خطته المكونة من ثلاث مراحل لمستقبل القطاع تنص، دون الإشارة إلى جدول زمني، على تدمير حماس، وتجريد المنطقة من السلاح، ثم نزع التطرف.

وسيتضمن نزع السلاح إنشاء “منطقة عازلة” على طول الحدود بعرض “من بضع مئات من الأمتار إلى كيلومترين داخل الجيب”. وإسرائيل “ستواصل عملياتها حتى تحقيق هدفها”. ومن سيُعهد، في هذه الفرضية، بإدارة الجيب المعاد تصميمه؟ إلى حماس الجديدة المعاد تدويرها؟.. ومع تكرار البيت الأبيض لأسابيع أنه “لن يقبل أي تقليص لهذه الأراضي، التي يجب أن تظل فلسطينية”، فإن المواجهة الدبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة تبدو حتمية. كما أن وجود حاملتي طائرات وغواصة نووية وقوة المشاة البحرية السادسة والعشرين في المنطقة يمكن أن يأتي بثمن أعلى بالنسبة لإسرائيل مما كان متوقعا. فهل تؤدي هذه المواجهة بين إسرائيل وحاميها التاريخي في نهاية المطاف إلى وقف دائم لإطلاق النار؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكم عدد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء – الرجال والنساء والأطفال – الذين سيقتلون بحلول ذلك الوقت بسبب القنابل والصواريخ والقذائف التي يطلقها الجيش الإسرائيلي؟، يتساءل “ميديابارت”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي