بتفضيلها الحرب على "المخطوفين".. إسرائيل للغزيين: اهربوا إلى "اللامكان الآمن"  

2023-12-04

 

غزة لم تعد تحتمل. وبعد الهدن، لم تعد المعاناة الإنسانية محتملة (أ ف ب)عودة إسرائيل إلى الحرب تعدّ الخطأ الأكبر منذ 7 أكتوبر. هذه الحرب “ثقيلة الأيام وثقيلة الدماء”، وفق كلمات موشيه ديان عن حرب أخرى، تحولت بالأمس إلى حرب أيامها أثقل ودماؤها أثقل، عندما تبتعد أهدافها وتتراكم جرائمها. العودة إلى الصور الفظيعة من غزة – في اليومين الأولين لاستئناف القتال كانت فظيعة، وتعني العودة إلى فقدان صورتنا الإنسانية. مرة أخرى، أطفال احتضروا أمس على الأرضية في مستشفيات غزة، والآباء انحنوا فوقهم وهم يصرخون. أشخاص رؤوسهم مصابة ويغطيهم رماد الدمار يجرون إلى العيادات التي لا يمكن لأحد هناك أن ينقذهم. غزة لم تعد تحتمل. وبعد الهدن، لم تعد المعاناة الإنسانية محتملة. كيف تقول لعائلة هربت للنجاة بنفسها، التي وجدت للتو ربع ملجأ- جزءا من خيمة، أن تنتقل مرة أخرى إلى الجنوب. كيف سنطلب منها الذهاب إلى الجنوب في وقت يقصف فيه الجنوب بدون تمييز مثلما في الشمال. وخارطة الهرب التفاعلية، فخر التكنولوجيا والأخلاق للجيش الإسرائيلي التي نشرها الجيش في نهاية الأسبوع، لم يعد بإمكانها إنقاذ أي أحد في غزة، الأمر الذي نشك في أنها استهدفته.

إسرائيل غير معنية بمعاقبة غزة، بل معنية بتحقيق أهدافها. بردها على غزة، تعترف إسرائيل أنها تفضل أحد الأهداف على الآخر، إنهاء التحدث عن إطلاق سراح المخطوفين بكل ثمن، قبل أي شيء آخر. اُتخذ القرار، ولا طريقة لطمس ذلك. إسرائيل فضلت بشكل واضح تدمير حماس مهما كان معنى التدمير على إنقاذ المخطوفين. لن يفيد أي تلاعب بالكلمات؛ فهذه هي الحقيقة المجردة. إسرائيل باستئنافها الحرب لا تعرض حياة المخطوفين للخطر فحسب، بل تنهي محاولات إطلاق سراحهم، وكل ذلك في الوقت الذي نجحت فيه عملية تبادل المخطوفين والأسرى أكثر مما كان متوقعاً.

بعد أيام طويلة على الاحتفالات بالإفراج، الذي يعتصر المشاعر في الاستوديوهات، وذرفوا الدموع عبر الصحف وأصبحت نشرات الأخبار برامج واقعية يروي فيها كل ابن عم بعيد تم إطلاق سراح قريب له قصته، وفي الوقت الذي تحول فيه الواقع الصادم إلى مسلسل تلفزيوني، وأصبحت النهاية السعيدة مبتذلة… بعد كل ذلك، فشلت المفاوضات وفشلت معها أسطورة الإفراج عن جميع المخطوفين بأي ثمن. حسب بعض التقارير، أرادت حماس الانتقال إلى إطلاق سراح الرجال، الذين ثمنهم أعلى، وأرادت إسرائيل أن تنهي أولاً إطلاق سراح النساء. أن تفشل المفاوضات من أجل ذلك، وتستأنف الحرب بنطاق شامل، فهذا يدل بشكل واضح على سلم أولويات إسرائيل، التي كان شك من البداية بأنها تفضل الحرب على إطلاق سراح المخطوفين.

وصلت لحظة الحقيقة لإسرائيل، واختيارها اختبار مثير للغضب. ليس لإسرائيل هدف مهم أكثر من إطلاق سراح المخطوفين. ولا يوجد أكثر خطورة من إنهاء الحلف غير المكتوب بين المواطن (والجندي) وبين دولته وترك المخطوف لمصيره. من الآن فصاعداً، لا يمكن القول إطلاق سراح بأي ثمن. إسرائيل مع تحرير المخطوفين، هذا واضح، لكن ليس بكل ثمن. ولكنها ترى هناك أموراً أهم. هي لن توافق على صفقة الجميع مقابل الجميع، بما في ذلك الوقف الدائم لإطلاق النار من أجل إنقاذ الـ 136 إسرائيلياً.

في الاستوديوهات المبتذلة وفي استوديوهات الموت، حاولوا طمس هذا الاختيار. وبعض أبناء عائلات المخطوفين، ليس جميعهم، تجرأوا على الوقوف ضد استئناف الحرب، في الوقت الذي استمر فيه جيش المحللين والمراسلين في ترديد الشعارات الجوفاء دفاعاً عنها. هذه حرب لا يوجد سؤال حول مصداقيتها، لكن هناك أسئلة ثقيلة جداً لا يطرحها أحد حول وسائلها المخيفة. إسرائيل بدأت حرباً محقة بوسائل غير محقة تماماً. حتى في الحرب المحقة، ليس كل شيء مسموحاً. بالتأكيد ليس مسموحاً قتل 15 ألف إنسان، وبعد ذلك الاستمرار فيها، حتى بدون نهاية، فقط من أجل تحقيق أهداف مشكوك في تحققها، وحتى إذا تم تحققها فإن شيئاً لن يتم حله.

لنترك أحقية هذه الحرب ووسائلها للحظة. يجب إعادة المخطوفين، قبل أي شيء آخر. وحتى الآن، هذا ممكن شريطة أن تتوقف الحرب.

جدعون ليفي

هآرتس 3/12/2023








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي