لوبوان: حرب غزة تحفز قوى ذات مصالح متباينة.. ولكن تجمعها نفس الكراهية للدول الغربية

2023-11-16

يجد بوتين دائماً الكلمات التي تخدم مصالحه الإستراتيجية، وقد قدّمَ له الرد الإسرائيلي في غزة فرصة غير متوقعة لتحويل أعين العالم بعيداً عن حرب أوكرانيا (أ ف ب)اعتَبَرَتْ مجلة “لوبوان” الفرنسية أن إيران والقوات المساعدة التي تشكّل “محور المقاومة” المناهض لإسرائيل في اليمن ولبنان وسوريا والعراق ليست الوحيدة التي استغلت انفجار العنف الذي أثاره هجوم حركة “حماس” الفلسطينية، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، موضّحة أن هذا الصّراع يصرف الانتباه عن أوكرانيا ويسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعزيز تحالفاته مع كل أعداء الغرب؛ من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى طاغية كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي تبرّعَ مؤخراً بمليون قذيفة للجيش الروسي، بحسب تقديرات كوريا الجنوبية، أي أكثر من كل ما سلّمه الحلفاء لأوكرانيا منذ بداية الحرب!. وعلى الجانب الصيني، يظل شي جين بينج متحفظاً، ولكنه ينسق إدانة وسائل الإعلام التابعة له لرغبات الغرب الحربية ونفاقه؛ وتسعى بكين إلى استغلال الحرب في الشرق الأوسط لإقناع  دول الجنوب، بسحب المجلة الفرنسية.

ففي الأمم المتحدة- تضيف “لوبوان”- تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر عزلة من أي وقت مضى. وتنقل عن  خورخي هاين، الباحث في جامعة بوسطن والسفير التشيلي السابق في بكين، قوله: “الانقسام بين الشمال والجنوب، الذي انكشف خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، في عام 2022، قد اتّسع، حيث بات المزيد والمزيد من البلدان في “الجنوب العالمي” يشكّكون بالنظام العالمي. لا أقول إنهم انتقلوا إلى معسكر الصين وروسيا، لكنهم نأوا بأنفسهم عن الغرب. أنا أسميهم: حركة عدم الانحياز النشطة”.

ومؤخراً، وَصَفَ الرئيس البرازيلي لولا الحملة العسكرية في غزة بأنها “إبادة جماعية”، وقارنت جنوب أفريقيا بين الوضع في إسرائيل وبين نظام الفصل العنصري، الذي فُرض على أغلبيتها السوداء حتى إلغائه مطلع التسعينيات، تُشير “لوبوان”، معتبرةً، في الوقت نفسه، أن موسكو وبكين تستغلان موجة السّخط على الرد الإسرائيلي لتوسعة دائرة  المناهضين للغرب، بما في ذلك عبر تحالفات من قبيل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، التي تم فيها وضع حد لكراهية الأسلاف باسم معاداة أمريكا. وتستعد  مجموعة البريكس للترحيب، في العام المقبل، بستة أعضاء جدد، بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية.

على الرغم من أن هذه المنظمات تهيمن عليها الديكتاتوريات- بحسب المجلة الفرنسية دائماً- إلا أنها تقدّم نفسها على أنها أكثر فضيلة من المؤسسات الموروثة من الحرب العالمية الثانية، والمتهمة بالخضوع لهيمنة الولايات المتحدة وحلفائها، تقول “لوبوان”، مضيفةً أن هذه المنظمات والمجموعات تدين الهندسة المتغيرة للغربيين من خلال الاعتماد على الأمثلة الحديثة (غزة) أو الأمثلة القديمة (الصراعات في العراق أو ليبيا). في جميع أنحاء العالم، تكتسب كراهية الغرب المزيد من الأرض.

وقبل كل شيء، الظهور بمظهر زعيم مناهض للغرب، ومستعد للدفاع عن الأصوات ضد الغرب، أي دول الجنوب، وفق “لوبوان”، التي أشارت إلى استقبال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لموسى أبو مرزوق، الرجل الثاني في المكتب السياسي لحركة “حماس”، في موسكو.

بغض النظر عن ذلك، فإن بوتين ينأى بنفسه الآن عن إسرائيل، ويذهب إلى حدّ تشبيه توغل الجيش الإسرائيلي في غزة بحصار لينينغراد من قبل النازيين، خلال الحرب الثانية في جميع أنحاء العالم.

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أنه حتى وقت قريب، أبدت موسكو وتل أبيب تفاهمهما الودّي. وكانت إسرائيل حريصة على عدم تسليح أوكرانيا والانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا. منذ عام 2015، قام البلدان بتنسيق إجراءاتهما لتجنّب أي حوادث في سوريا، حيث استهدف الإسرائيليون هناك قواعد “حزب الله”، المدعوم من إيران، بينما عمل الروس على إنقاذ الدكتاتور السوري بشار الأسد، تقول “لوبوان”، موضحة أن إيران، عدوة إسرائيل، والتي ترعى “حماس”، تزوّد، من جهتها، روسيا الآن بالأسلحة بكميات غير محدودة.

كما أشارت “لوبوان” إلى أن الهجمات ضد إسرائيل تأتي من جميع الجهات.. يوم الخميس الماضي، استخدم الجيش الإسرائيلي، لأول مرة، نظامه الجديد المضاد للصواريخ بعيد المدى، Arrow 3، لاعتراض الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون اليمنيون في اتجاه إيلات. وفي اليوم نفسه، اصطدمت طائرة بدون طيار أطلقتها مجموعة جديدة تسمى “لواء الإمام الحسين” من سوريا بمدرسة في المنتجع الساحلي في إيلات، دون التسبب بوقوع إصابات. وفي اليوم التالي، كان “حزب الله” هو الذي أطلق صاروخاً مضاداً للدبابات من لبنان ما أدى إلى إصابة أربعة جنود إسرائيليين بجروح خطيرة قبالة الحدود اللبنانية الجنوبية. والقاسم المشترك بين كل هذه المجموعات هو تحالفها مع إيران .

منذ السابع من أكتوبر، كثفّ أعضاء “محور المقاومة” المناهض لإسرائيل هجماتهم ضد الدولة العبرية للتنديد بالقصف الإسرائيلي، الذي ما يزال يهطل على القطاع الفلسطيني، ما أدى، بحسب الأمم المتحدة، إلى ارتقاء أكثر من11  ألف شخص، معظمهم من المدنيين. وأكد رئيس الدبلوماسية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، أنه “بسبب تزايد حدة الحرب على السكان المدنيين في غزة، أصبح توسيع نطاق الحرب أمراً لا مفر منه”. واعتبرت “لوبوان” أن هجوم “حماس” أتاح لإيران إعادة تأكيد مكانتها كمدافع رئيسي عن القضية الفلسطينية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.

ومضت “لوبوان” قائلة إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من جانبه، استخدمَ حرب غزّة كذريعة، حيث اتهم في  كل خطاباته اللاذعة الغرب “بأنه مذنب بكل الشرور، وكل الخيانات”. ففي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، تجمّعَ عشرات الآلاف من المحتجّين والناشطين الموالين لـ “حماس” من جميع أنحاء البلاد في قاعدة الناتو الجوية، التي تستخدمها القوات الجوية الأمريكية في إنجرليك (في الجنوب التركي). وفي اليوم التالي، عندما توقف وزير الخارجية أنتوني بلينكن في أنقرة، رفض أردوغان استقباله، تاركاً تلك المهمة لوزير خارجيته هاكان فيدان.

وكما حدث في عام 2010، عندما أطلق “أسطول الحرية” لرفض الحصار الإسرائيلي، أصبحت غزة بمثابة ذريعة لأردوغان لإعادة تعبئة مقاتليه واختبار تحالفاته، بحسب “لوبوان”، معتبرةً أن السابع من أكتوبر يمنحه الفرصة لمواجهة الدول الغربية بتناقضاتها. ولا يتردد أردوغان، وهو عضو في حلف شمال الأطلسي، في القول إنه “يثق في روسيا بقدر ما يثق في الغرب”، توضّح المجلة الفرنسية، مشيرة إلى أنه يدين احتلال الأراضي الفلسطينية، فيما يقوم  جيشه والميليشيات الإسلامية التابعة له باحتلال وترويع شمال غرب سوريا، ويقف إلى جانب حليفتها أذربيجان في القوقاز في حربها في ناغورني  كاراباخ لمدة عشرة أشهر، تقول “لوبوان”.

وتابعت “لوبوان” القول إن الزعيم الصيني شي جين بينغ أرسلَ هذا الصيف دعوة حارة إلى بنيامين نتنياهو لزيارة بكين. وقد تغلّب يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على هذه “المغازلة”، إذ تعرب إسرائيل الآن عن “خيبة أملها العميقة” إزاء موقف الصين “المقلق للغاية” بشأن هجمات “حماس” التي خلّفت 1200 قتيل. وكما هو الحال مع أوكرانيا، يلعب الحزب الشيوعي الصيني ”الحياد”،  قائلاً إنه “حزين للخسائر المدنية، وصديق لكل من إسرائيل وفلسطين”. ولذلك تتمسك بكين بالتذكير بهدف حل الدولتين، دون إدانة حماس أو دعمها. “ فالإسرائيليون كانوا يودّون الاعتراف بخطورة هجمات حماس”، يلخص جان لوب سمعان، المتخصص في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

وواصلت  “لوبوان” القول إن الغزو الروسي لأوكرانيا شكّل صدعاً على الساحة العالمية، أدى تجدّد الصراع في الشرق الأوسط إلى زيادة تعميقه. ففي أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كان “الجنوب العالمي” متردداً في دعم كييف وإدانة موسكو، بما في ذلك في التصويت على قرارات الأمم المتحدة. ومنذ السابع أكتوبر /تشرين الأول، تحدث عدد كبير من البلدان الناشئة ضد الدعم “غير المشروط” الذي تبديه الدول الغربية لإسرائيل.

ويصدق هذا بشكل خاص في أمريكا الجنوبية، حيث دانت فنزويلا “الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين، وقارن الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو غزة بمعسكر أوشفيتز، الأمر الذي أدى إلى تجميد صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى بوغوتا. وإلى جانب إسرائيل، فإن الولايات المتحدة هي المستهدفة. إذ ينتقد اليسار في أمريكا اللاتينية (بوليفيا وتشيلي وفنزويلا) بشدة الدعم الأمريكي لإسرائيل، انطلاقا من مناهضته للإمبريالية.

كما أوضحت “لوبوان” أن القارة الإفريقية، التي زادت فيها من مبادراتها وتم قبولها كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، قبل أن يتم حظرها بعد ذلك بعامين، منقسمة، وتعزز الحرب في الشرق الأوسط الشعور في القارة  بـ“ الكيل بمكيالين” من قبل الغرب. فقد تم، في فبراير/ شباط الماضي، طرد ممثل الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا مانو عسكري من الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.

 ويشهد نفوذ القوى الغربية تراجعاً، مثل فرنسا، التي طردت من منطقة الساحل لصالح ميليشيا فاغنر الروسية. “إننا نشهد الآن أزمة انتقالية مرتبطة بنهاية الهيمنة الغربية على العالم”،  كما تقول القاضية السنغالية أليون تاين، مؤسسة مركز أبحاث “أفريكاجوم” في داكار.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي