السقوط في العدم إصدار جديد للعراقي أوس حسن

2023-11-01

عن منشورات الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق صدر كتاب فلسفي للشاعر والكاتب العراقي أوس حسن، والكتاب مقسم إلى تسعة أبواب تتضمن مجموعة من الشذرات الفلسفية، والنصوص التأملية في الحياة والفن والإنسان.

نحا القسم الأول في الكتاب نحو الشذرة الشعرية المكثفة ذات الحمولات المعرفية والرموز الباطنية، وهي أشبه بقصائد قصيرة مشذبة ومكتفية بدلالتها المضمرة.

أما الأقسام الأخرى فنجد فيها الروح الفلسفية حاضرة بقوة، إذ يتطرق الكاتب إلى مجموعة من المفاهيم الفلسفية والنفسية مثل.. الحرية/ العدم/ الوجود الثالث/ الوجود الباطن / دوائر الوجود/ الخوف/ القلق/ الرعب / والألم واللذة… وغيرها من المفاهيم.. ولعل فكرة العدم وما تحمله من يأس واكتئاب وتشظيات إنسانية مقلقة هي سمة بارزة لعصرنا الراهن، الذي يسوده اللايقين وانعدام المعنى، فتخرج مفردة العدم من طابعها السكوني الجامد إلى فعل مستمر له طابع الحركة والصيرورة لتدفع الإنسان نحو حياة يسودها الإبداع والخلق المتجدد، على حد تعبير الكاتب. ومن هنا يصبح السقوط في العدم هو قفزة نحو الحرية أو يقظة الحرية كما جاء في الكتاب.

ولم تخلُ الشذرات من المخيلة التي امتزج فيها العلم مع الفن والروح الصوفية، ليصبح عالم الأبعاد المتعددة والأزمنة المزدوجة غذاء للروح المتعبة التي أنهكها عالمنا بقسوته المنطقية وعقلانيته الميكانيكية الجامدة.

يقول أوس في إحدى شذراته: إنّ الإنسان لا يعيش في مكان واحد وزمان واحد، بل في مكان وزمان مزدوَجين، أو في عدة أمكنة وأزمنة مزدوجة، فأنت ما زلت تحيا في الأمس الذي يمضي الآن، مثلما تحيا الآن، وفي الغد الذي يمضي الآن، لكل مكان زمنه الخاص، الأمس متحقق في مكان ما كالغد، أنت هنا وهناك في الوقت نفسه. أنت الفجوة والضد، أنت النقص والاكتمال وكل هذه المرايا.

ويشبه أوس حسن الوجود بغابة تسكنها الحيوانات والأشباح والآلهة، فكان الإنسان الأول يحمل شعلة خافتة رغبة منه في اكتشاف مجاهيل هذه الغابة فأحرقها مع ساكنيها، وظل يرقص فرحا بانتصاراته لكن في غمرة جنونه وهيجانه كانت النار تعلو أكثر وأكثر، مع رغبته المدمرة فأحرقت جزءا كبيرا من ملامحه وشوهت إنسانيته الأصيلة التي وهبتها له الطبيعة، حتى غدا كجذع متفحم في أرض جرداء.

ومن الإنسان الذي خسر نفسه بعد أن انتصر على العالم، إلى الإنسان الأخير المهدد بالانقراض، وما تحمله دلائل المستقبل من رعب الهندسة الوراثية والتلاعب بالجينات، فالإنسان المتفوق الذي بشر به نيتشه هو إله الغد المقبل في عربات الزمن، ذلك الإله الخالي من الحب والرحمة.

يقول حسن في نص «الإنسان الأخير» الذي يوافق نيتشه ويناقضه في الوقت نفسه:

على أنقاض سلالتنا البشرية المنقرضة سيولد إنسان الغد… إله المستقبل الخالي من الحب والرحمة والشفقة، أي سحر ينبثق من عربات الزمن المقبل، وأي افتتان مرعب تحمله جيناتنا السائرة إلى أقاصي الدمار.

سأصلي لك أيها الرعب يا لذتي الخالدة، سأصلي ليتوهج العدم، فآلهة عديدة تثمل في أعماقي الآن وترقص فوق خراب العالم.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي