من أقدم مدن العالم : بعد أن فقدت منازلها حدائقها.. بغداد تعاني من تلوث بصري وتلوث الهواء

وكالة أنباء العالم العربي - الأمة برس -
2023-10-20

لقطات من مدينة بغداد (ويكيبيديا)بغداد - بينما تبدو علامات الحسرة على وجهه، يفتح علي الخفاجي صنبور مياه ليرش نبتة وحيدة غرسها أمام منزله في بغداد بعد أن أفرغ لها نصف متر مربع من الرصيف.

ويقول الخفاجي، البالغ من العمر 42 عاما، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنه يشعر بالحسرة لاندثار الحدائق في منازل بغداد، مضيفا أنها "كانت تزين العاصمة وتمنحنا مزيدا من الأكسجين، لا سيما تلك الشجيرات العطرية التي كان يغرسها الأهالي لتضيف رونقا أخضر وعطرا شذيا في الشوارع والبيوت".

ويعتقد الرجل، الذي يعمل مدرسا، أن اختفاء الحدائق من منازل العاصمة يرتبط بصورة وثيقة بأزمة السكن التي ضربت العراق، مما جعل الأهالي إما يفكرون في بيع هذه المساحات أو تحويلها إلى محال تجارية.

ودعا الخفاجي الجهات المختصة إلى "ضرورة إحياء تلك الحدائق من جديد ولو بجزء بسيط أو الاهتمام بالحدائق العامة المسجلة بالأساس كمساحات خضراء وعدم السماح لبعض المتنفذين بتحويلها إلى جنس آخر".

كانت الكثير من منازل بغداد تضم حدائق كبيرة، تصل مساحتها إلى نحو 150 مترا وأكثر من ذلك أحيانا في حالة المنازل الكبيرة، ولكن بعد عام 2003 ومع التوجه إلى تقسيم المنازل لقطع أراض صغيرة وبيعها، فقدت أغلب المنازل حدائقها.

ويواجه العراق أزمة سكن حادة، دفعت أصحاب المنازل إلى تقسيمها، فضلا عن بيع الحدائق لغرض بناء منازل صغيرة، وخاصة في بعض مناطق شرق بغداد، حتى بلغت مساحة بعض المنازل 50 أو 100 متر فقط.

صفاء الساعدي، أحد الذين اضطروا إلى تحويل حدائق منازلهم في منطقة السيدية إلى عقار سكني، يتحسر على اختفاء الحدائق من المنازل بقوله "كانت المنطقة تفوح بروائح طيبة تنبعث من الزهور والأشجار المتنوعة في حدائق المنازل، لكنها انحسرت بشكل كبير هذه الأيام وحلت محلها روائح الطبخ والانبعاثات الأخرى نتيجة الزخم السكاني".

ويصف الرجل الخمسيني الوضع في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي بأنه "طمس" لمعالم العاصمة العراقية، ما جعلها "عبارة عن ثكنة تعج بالملوثات البصرية"، مبررا انسياقه نحو هذا التوجه ببلوغ ولديه سن الزواج دون أن يتسنى لهما الحصول على وحدات سكنية صالحة للعيش، فاضطر إلى منحهم حديقة منزله.

ويضيف الساعدي "كنت مضطرا لذلك بسبب ارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني، فقسمت حديقتي إلى قطعتين، شيدت فيهما دارين لتوفير سكن لائق بهما".

* أزمة السكن

يوضح مهندس المباني أحمد العبادي أن "تضاعف أزمة السكن في الآونة الأخيرة بسبب النمو السكاني في العراق وارتفاع أسعار العقارات أوجدا صعوبة كبيرة في حصول المواطن على عقار مستقل، وهو ما جعل العديد من الأهالي يلجؤون إلى إلغاء ما يملكون من حدائق وإنشاء مبان سكنية صغيرة".

وأضاف العبادي ردا على سؤال حول ارتفاع أسعار العقارات "عدم التوافق في العرض والطلب على العقارات أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل لافت حتى فاقت بعض العقارات بمناطق بغداد في أسعارها نظيراتها في مدن وعواصم سياحية عالمية".

وتابع المهندس العراقي قائلا "هذا الأمر اضطر بعض الأسر العراقية للاستغناء عن حدائق منازلها، إما ببيعها والاستفادة من عوائدها الكبيرة أو استغلالها لتشييد منازل أخرى لسكن أفراد منها".

وأردف "هذا التوجه لم يؤثر على البيئة فحسب، وإنما شوه المعالم الحضارية للمدن التي باتت عشوائية وغير معروفة ومتداخلة وتعج بالأبنية من كل جانب وأصاب الأحياء السكنية حتى الراقية منها بالتلوث البصري".

وتعرضت أغلب البساتين والمساحات الخضراء في بغداد، وخاصة في منطقة الدورة بجنوب العاصمة التي كانت تضم بساتين نخيل كبيرة تقدر أعدادها بالآلاف، للتجريف وجرى بيع الأراضي كعقارات سكنية رغم منع القانون العراقي استخدام الأراضي الزراعية في أغراض السكن.

وفي أواخر العام الماضي، أصدر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قرارا يسمح باستخدام الأراضي الزراعية لأغراض سكينة، لكنه رهن القرار بالأراضي التي أصبحت مناطق سكنية في الواقع.

* التصحر

يقول محمد الدراجي، عضو المجلس البلدي في منطقة الأمين بشرق بغداد، إن الحدائق المنزلية في مناطق العاصمة جرى تحويلها إلى مساكن وبيوت صغيرة بعد شطرها عن المنازل الكبيرة التي كانت تحتوي على حدائق.

وأبلغ الدراجي وكالة أنباء العالم العربي "غياب هذه الحدائق ساهم بالتأكيد في زيادة مساحات التصحر وأصبحت المناطق مهبا للأتربة والغبار الذي أخذ يخنق العاصمة التي تعاني أساسا من زحام شديد وعوادم غازات السيارات، لذا يجب أن يكون الاهتمام بها ضعف ما هو موجود في باقي المدن".

ويدعو عضو المجلس البلدي إلى "ضرورة زيادة المساحات الخضراء والحدائق لتجنب التصحر لاسيما أننا في وقت استفحل فيه الجفاف بشكل مخيف وأصبح العراق من البلدان المهددة بالتصحر الكلي".

ويرى الخبير البيئي حمزة رمضان أن الغطاء الأخضر هو رئة التنفس التي تحارب الغازات السامة والغبار.

وأضاف رمضان "كما أنه (الغطاء الأخضر) يساهم في تنقية وتلطيف الهواء، لذا فإن وجوده ضرورة وليس ترفا".

وتابع قائلا "غياب الحدائق والمساحات الخضراء هو في الحقيقة مأساة، خاصة وأن هذه الفضاءات المفتوحة والأماكن العامة الخضراء جرى استثمارها وتحويلها إلى مولات (مراكز تسوق) وأبنية تجارية ومساكن".

وأردف "كل مدينة تحتوي في تصميمها العمراني على مساحات خضراء وحدائق ومتنزهات إلا أن هذه كلها استُغلت وتحولت إلى مشتملات سكنية بالإضافة إلى اختفاء الحدائق المنزلية... وهو أمر ترك آثارا سلبية عديدة وقد تؤدي إلى ما هو أسوأ".

وأطلق رئيس الوزراء العراقي في مارس آذار الماضي مبادرة لزراعة خمسة ملايين شجرة ونخلة في كافة أنحاء العراق، وأكدت وزارة الزراعة بعد القرار أنها ستساهم في تنفيذ الجزء الأكبر من الحملة، وعبرت عن أملها في إنجاز المشروع في أسرع وقت ممكن.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي نبيل التميمي أن "موضوع الحدائق والمساحات الخضراء مهم للمخطط العمراني".

وأضاف "غياب هذه المساحات يندرج ضمن الفوضى التي نعيشها اليوم المتمثلة في عدم وجود ضوابط للبناء، خاصة بعد الزيادة السكانية الكبيرة والتوسع الحاصل الذي دفع المواطنين للتجاوز على هذه الحدائق والمساحات الخضراء".

وردا على سؤال حول الآثار الاقتصادية، قال التميمي "لا يمكن تحديدها بصورة مباشرة، ولكنها بكل تأكيد ستترك خللا يؤدي إلى الكثير من الفوضى والتزاحم والضغط على البنى التحتية وتوفير الخدمات، بالتالي سنشهد تطورات سلبية تنعكس اجتماعيا على الوضع القائم".

وقال وكيل وزارة الاعمار والإسكان العراقية جابر الحساني لوسائل إعلام محلية في وقت سابق من العام الحالي إن التقديرات تشير إلى حاجة البلاد إلى ما بين 2.5-3 ملايين وحدة سكنية لحل أزمة السكن.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي