
الدوحة - يعمل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع إسرائيل على إنشاء "مناطق آمنة" للمدنيين داخل غزة، وفق ما قال مسؤول أميركي يرافق الوزير في جولته الخاطفة في الشرق الأوسط، مع تزايد احتمالات الاجتياح البري للقطاع المحاصر.
بعد زيارة إلى إسرائيل أبدى خلالها دعمه الكامل لحليفة واشنطن، في مواجهة الهجوم الذي أطلقته حركة حماس السبت الماضي، باشر بلينكن جولة تشمل ستّ دول عربية ليطلب منها استخدام نفوذها لإقناع حماس بخفض التصعيد وبالإفراج عن نحو 150 رهينة.
ولكن مع تصاعد الغضب في الدول العربية، ناقش بلينكن أيضًا سبل حماية المدنيين في غزة التي دعت إسرائيل سكانها إلى إخلائها والنزوح جنوباً، في إجراء رفضته حماس وأكدت الأمم المتحدة أنه يطال 1,1 مليون شخص.
وعلى متن الطائرة التي كانت تقلّ بلينكن من عمّان إلى الدوحة، قال مسؤول أميركي كبير طالبًا عدم ذكر اسمه، إن إحدى المسائل التي تمّت مناقشتها خلال اجتماعات بلينكن في تل أبيب الخميس هي "الحاجة إلى إنشاء بعض المناطق الآمنة التي يمكن للمدنيين أن ينتقلوا إليها، أن يكونوا بمأمن من العمليات الأمنية المشروعة التي تشنّها إسرائيل".
وأكد أن "الإسرائيليين ملتزمون بذلك. لقد أوضحوا في اجتماعنا (معهم) أمس (الخميس) أنهم ملتزمون بذلك".
أطلقت حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عملية "طوفان الأقصى" التي توغّل خلالها مقاتلوها في مناطق إسرائيلية من البحر عبر زوارق، ومن البر عبر اختراق أجزاء من السياج الحدودي الشائك، ومن الجو عبر المظلات، بالتزامن مع إطلاق آلاف الصواريخ في اتجاه إسرائيل. ودخلوا مواقع عسكرية وتجمعات سكنية وقتلوا أشخاصا وأسروا آخرين.
وقُتل ما لا يقل عن 1300 شخص في إسرائيل معظمهم مدنيون منذ بدء هجوم حماس السبت الماضي، وبينهم 258 جنديًا، وفق آخر حصيلة للجيش. أما في القطاع المحاصر، فقتل 1799 شخصا بينهم 583 طفلا جراء القصف الإسرائيلي المكثف ردا على العملية، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس. وقطعت إسرائيل إمدادات الغذاء والماء والكهرباء عن القطاع.
في واشنطن، اعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن طلب إخلاء غزة "مهمة صعبة".
ويبدو أن المسؤولين الأميركيين يتراجعون عن جهود سابقة بُذلت لجعل سكان غزة يفرّون إلى مصر المجاورة، قائلين إنهم لم يتلقوا دعمًا كبيرًا ويسعون بدلًا من ذلك إلى إنشاء مناطق آمنة داخل غزة.
على صعيد متّصل، أكد المسؤول الأميركي أن واشنطن تجري محادثات مع كلّ من مصر وإسرائيل للسماح للمواطنين الأجانب بمغادرة غزة عبر معبر رفح الحدودي.
وأغلق المعبر وهو المنفذ الوحيد لسكان القطاع الى الخارج وغير الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، منذ الثلاثاء بعد تعرّضه للقصف ثلاث مرات خلال 24 ساعة.
نكبة ثانية
وكان بلينكن قد التقى في عمّان صباحًا، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأكد عباس خلال لقائه الوزير الأميركي "رفضه الكامل" لتهجير السكان من غزة، محذرا من "نكبة ثانية"، على ما أفادت وكالة "وفا" الفلسطينية الرسمية للأنباء.
وشدد عباس "على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على أبناء شعبنا بشكل فوري، وحمايتهم، والرفض الكامل لتهجير أبناء شعبنا من قطاع غزة، لأن ذلك سيكون بمثابة نكبة ثانية لشعبنا".
وكان الأردن، الذي يستضيف مليوني لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة، حذر من التهجير. وقال العاهل الاردني خلال لقائه مع بلينكن إن "أية محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم"، مشددا على "عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين".
ودعا الملك عبدالله الثاني، وهو أحد حلفاء واشنطن الأساسين في المنطقة، الى "فتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية إلى قطاع غزة، وأهمية حماية المدنيين ووقف التصعيد والحرب على غزة"، على ما افاد بيان صادر عن الديوان الملكي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إن بلينكن تحدث مع الملك عبد الله حول "سبل تلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين في غزة، بينما تقوم إسرائيل بعمليات أمنية مشروعة للدفاع عن نفسها من الإرهاب".
وتوجّه بعدها بلينكن إلى قطر، التي تقيم في آنٍ علاقات مع الولايات المتحدة وحماس المدعومة عسكريًا وماليًا من إيران.
وقال بلينكن من تل أبيب الخميس "سنواصل الضغط على الدول للحؤول دون تمدد النزاع، واستخدام تأثيرها على حماس من أجل الإفراج بشكل فوري وغير مشروط عن الرهائن".
وبعد الدوحة، سيتوجّه بلينكن إلى البحرين والسعودية والإمارات ومصر.
أتت عملية حماس في ظل مساعٍ أميركية لإنجاز اتفاق للتطبيع بين السعودية واسرائيل. وأكد الأطراف المعنيون في الأسابيع الماضية أنهم كانوا يقتربون أكثر فأكثر من إنجاز هذا التفاهم، بعد سلسلة تفاهمات بين إسرائيل ودول عربية في الأعوام الأخيرة.
وتلقى اتفاقات التطبيع معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية مثل حماس، إضافة الى كامل "محور المقاومة" الذي يضم إيران وحلفاءها في المنطقة. وينظر الفلسطينيون وطهران الى اتفاقات التطبيع على أنها "طعنة في الظهر".
الا أن التطورات الأخيرة قد تؤثر سلبا على زخم هذه المباحثات، اذ إن السعودية، مثلها مثل قطر، حمّلت الممارسات الإسرائيلية مسؤولية التصاعد الحاد في أعمال العنف.
العمل مع عباس
والرئيس الفلسطيني محمود عباس (88 عاما) ليس له تأثير على حماس التي تسيطر على غزة منذ العام 2007 بعد اشتباكات انتهت بطرد حركة فتح من القطاع الذي يخضع لحصار إسرائيلي منذ 17 عاما.
ودخل بلينكن مقر إقامة عباس الخاص في عمان وصافحه وقوفًا الى جانب لوحة تصور الزعيم الفلسطيني أمام المسجد الأقصى في القدس.
وسعت الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس الديموقراطي جو بايدن، الى دعم السلطة الفلسطينية نظرا لاعتبارها الخيار الأمثل لأي سلام محتمل بين إسرائيل والفلسطينيين، على رغم انهيار المفاوضات حول السلام منذ أعوام.
الا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي عاد الى الحكم العام الماضي على رأس ائتلاف هو الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية ويرفض حل الدولتين، عمل منذ أعوام على تهميش دور السلطة وعباس، معتبرا أن الأخير لم يلتزم بما يكفي في العمل على وقف أعمال العنف.
وتحدث بلينكن هاتفيا في وقت سابق الى عباس، وحضّه على إدانة العنف والحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية المحتلة.