في «الغرفة (46) سرديات الإرهاب.. خفايا وخبايا»: شهادة الرجل الثاني في تنظيم أبي نضال

2023-09-08

محمد عبد الرحيم

«لا أحد ينكر أن هناك حجماً من الأخطاء والمساوئ والمفاسد في صفوف (فتح) إلى درجة لا تليق بها كحركة تحرر وطني… هذا الحجم من سوء استخدام السلطة والامتيازات والابتعاد عن واقع حياة الفلسطينيين وأبناء المخيمات، لا يليق بحركة وطنية ولا حركة تحرر وطني ولا حتى بأجهزة دولة نامية. لقد كنت حساساً جداً لهذه المسائل ومنحازاً باستمرار إلى جانب النقيض». (عاطف أبو بكر، الناطق باسم حركة فتح المجلس الثوري)

في مقدمة مستفيضة يُشير السياسي العراقي عبد الحسين شعبان في كتابه الصادر حديثا  عن دار الرافدين «الغرفة (46) سرديات الإرهاب.. خفايا وخبايا»  إلى دور تنظيم (أبو نضال ـ صبري خليل البنا 1935 ــ 2002) مؤسس المجلس الثوري لحركة فتح، الذي انشق عن الحركة، وأسس مجموعته النضالية ـ وفق وجهة نظره ـ هذه المجموعة التي استهدفت الفلسطينيين والعرب أكثر من استهداف الصهاينة. مع الإشارة إلى أن التنظيمات الإرهابية مهما كانت مسمياتها ومزاعمها وأهدافها، تنتهج أساليب واحدة تقوم على العنف والإرهاب كاستراتيحية ونظرية عمل لا يمكنها الاستمرار من دونها. من ناحية أخرى يحاول شعبان في مقدمته الغامضة وكأنها عملية استخباراتية، أن يوحي لنا بأننا على موعد مع (سوبرمان)، حيث التشويق والإثارة، لنجد في نهاية المقدمة اسم الرجل صاحب الشهادة التي يحتويها الكتاب، وهو الرجل الثاني في الحركة (المجلس الثوري) عاطف أبو بكر ـ مواليد 1946 ـ الذي حاول هو ومدوّن شهادته التفريق بين النضال والإرهاب، خاصة أن صاحب الشهادة ظل مختفياً منذ عام 1989 عندما أصدر أبو نضال الأمر بإعدامه، حتى ظهر وبدأ في مراجعة مواقفه في ما يُشبه الانتقاد الذاتي الحاد. مع ملاحظة أن هذه الشهادة التي يسجل تفاصيلها عبد الحسين شعبان مرّ عليها قرابة الربع قرن. صدر الكتاب عن دار الرافدين في بغداد في طبعته الأولى 2022.

اللعب على الحبال

هكذا يلخص عاطف أبو بكر شخصية أبو نضال، فمن فني كهرباء يعمل في السعودية إلى قائد تنظيم مسلح منشق، ومن مؤمّن على كلمات ومواقف ياسر عرفات «حتى لو تنازل عن معظم الأراضي الفلسطينية»، إلى أكبر أعداء عرفات، والناقد لتصرفاته هو ورفاقه. فحسب شهادة الرجل كان أبو نضال متطرف بطبعه، ومتقلب الرأي والمواقف. ويرى أن ظاهرة أبي نضال لم تكن لولا مساندة النظام العراقي له، خاصة بين عامي 1973 و1974.

خدمة مجانية للعدو

ويرى أبو بكر أن سلوك أبي نضال وعُقده النفسية قدمت إلى العدو خدمات مجانية، من خلال تصفية المعارضين ـ معارضي أبي نضال ـ مؤكداً الفارق بين (العنف الثوري) و(العنف الإرهابي)، فجماعة الرجل الذي كان يُطرِب لأنها تسمى باسمه، اعتمدت الرصاص لغة للحوار بدلاً من الكلمة. وعلى ذلك لم يقم أبو نضال بعمليات ضد إسرائيل، بل ضد دول عربية.. كخطف طائرة بريطانية كانت متجهة من دبي إلى تونس، والهجوم على السفارة السعودية في باريس عام 1973. أما بعد القطيعة مع حركة فتح، فبدأت العمليات ضد أهداف فلسطينية وسورية تؤيد عرفات، ومن أبرز هذه العمليات اغتيال (زهير محسن) رئيس منظمة الصاعقة في 1979، إضافة إلى عمليات أخرى ضد سفارات سوريا في روما وباكستان، وضد سفراء ومكاتب طيران سورية.

المثقف والإرهاب

ويسأل شعبان الرجل عن كيفية أن يتلاقي المثقف مع الإرهاب والشاعر المرهف مع (أبي نضال) وجرائمه؟ ليجيب أبو بكر في مراوغة وإرجاء كعادته طوال صفحات الكتاب، بأنه صاحب رأي ووجهة نظر أصابت أم أخطأت. وينفي الرجل كتابة الشعر في أبي نضال، ولكنه كتب قصيدة بعنوان (النفي الفلسطيني)، التي تعبّر عن هجرة الجماعة من سوريا إلى الخارج، وهي هجرة غير معلنة، بخلاف الفلسطيني العادي الذي هُجّر في 48 أو 67. ويأتي شعبان له بقصيدة أخرى يقول فيها.. «فهذا الفارس المقدام حزبي/ وتحت لوائه اخترت انضوائي». فينفي بشدة كتابتها في أبي نضال، ويبرر ذلك بأن الشعر كله رمزيات ووجدانيات وما شابه من الكلمات الجوفاء عديمة المعنى.

ضحايا أبي نضال

ويرى أبو بكر في شهادته أن أبي نضال قتل من الفلسطينيين وقت الانتفاضة أكثر مما قتلت إسرائيل. ولكنه يبرر وجوده أيضاً بجوار أبي نضال في الفترة ذاتها، بأننا ـ يذكر نفسه ـ استطعنا مضاعفة القطاع العسكري والتنظيمي، وكان أبو نضال في بولندا ثم ليبيا، وكانت هذه التحولات تحدث في عدم وجوده، فاستشعر الخطر. ويضيف كمناضل عتيد.. «لقد كان أبو نضال يتهمني بأنني الوحيد الجريء الذي يستطيع أن (يبهدلني) داخل التنظيم كما قال، إلى أن وصل الحال به إلى القول، إنه لم يشهد طوال عمله داخل التنظيم موقفاً سياسياً تُحسب فيه أ

صوات الأغلبية ضده».

كشف حساب مَن؟

ويلخص أبو بكر الجماعة وأهدافها وما حققته ـ رغم كونه كان عضواً بارزاً فيها ـ ومُحمّلاً أبي نضال الوزر وحده، وذلك في الآتي.. لم تقم الجماعة بعملية واحدة داخل فلسطين المحتلة، لم تسهم بقرش واحد في دعم الانتفاضة، لم تضرب هدفاً صهيونياً مؤثراً، أعطت محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن ذريعة لإسرائيل باجتياح لبنان، لم تقم بأي عملية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة أو أي مكان في العالم. وفي الأخير يقول عاطف أبو بكر.. «لا أستطيع أن أحاكم نفسي بالمعايير الحالية، بالوعي الحالي، والرؤى الحالية. ولا أستطيع أن أقول إنني كنت أفكر هكذا، فربما أقول رغم المرارة لست نادماً، ولماذا أندم ولم أرتكب أي جريمة، لكنني أخطات خطأ جسيماً نعم، وتلك من طبيعة الأشياء».

ومن طبيعة الأشياء أيضاً أننا لا نصدق الرجل، وأنه كمعظم شهود الوقائع وأصحابها الأموات يريد أن يتصدّر مشهد البراءة، رغم بعض الأخطاء التي يتحايل في الاعتراف بها، وذلك من قبيل.. عيبي الوحيد أني متواضع، أو أصدق الجميع، وكل ما هو على شاكلة الشخص الطيب الصادق، بينما الجميع خونة. حديث الرجل يذكرنا بالكثيرين من شركاء الجرائم في حق الشعوب العربية، أو الشعوب التي ساء حظها وعاشت تحت رحمة حاملي السلاح، ولنأخذ الشعب المصري مثالاً، فنجد الأبرياء على طول الخط، بينما يبدو الشعب هو المجرم، نجد.. رفاق الزعيم الخالد أبو خالد، أو ضباط أمن الدولة في عهد السادات والذين أصبحوا مستشاري تعذيب في عهد مبارك، ثم رجال الحزب الوطني ولجنة سياساته في عهد مبارك، إضافة إلى المواطنين الشرفاء في عصرنا الراهن السعيد، عندما ينقضي بالمشيئة. فكلهم على حق رغم بعض الأخطاء البسيطة، كحال الرفيق المناضل الشاعر عاطف أبو بكر.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي