لوموند: هكذا تريد مجموعة البريكس تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي

2023-08-22

 

على الرغم من الانخفاض الطفيف الملاحظ في الدولار في احتياطيات المؤسسات النقدية، فإن هيمنته تظل بلا منازع في مجالات أخرى (أ ف ب)توقفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عند قمة مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا ) التي تنطلق أعمالها اليوم الثلاثاء، في جوهانسبرغ، وتستمر حتى الخميس.

الإطاحة بالملك الدولار، رمز الهيمنة الغربية، على  الرغم من صعوبة ذلك، ستكون أحد الأهداف التي سيتم مناقشتها في قمة البريكس. وسيناقش الحاضرون، رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، ونظيراه الصيني شي جين بينغ، والبرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سيناقشون توسيع كتلتهم لتشمل دولا أخرى، وخاصة في أفريقيا.

وأضافت “لوموند” أنه في الأشهر الأخيرة، أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا -تجميد احتياطيات الدولار، واستبعاد البنوك الروسية من نظام سويفت، وحظر واردات النفط الروسية، إلى إحياء اهتمام العديد من الدول الناشئة بـ“التخلص من الدولرة”.

تأثير محدود

ونقلت الصحيفة عن زونجيوان زوي ليو، مؤلف دراسة حول هذا الموضوع لصالح مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أمريكي مستقل، قوله إن “البعض يسعى أولا إلى تقليل استخدام الدولار في اقتصادهم لحماية أنفسهم من الاضطرابات المالية الدولية”. ويرغب آخرون في الهروب من تجاوز قانون الولايات المتحدة للحدود الإقليمية، والذي يستخدم الدولار لفرض العقوبات والغرامات في الخارج.

وأشارت “لوموند” إلى تصريح الرئيس الكيني ويليام روتو، يوم 14 يونيو/ حزيران الماضي أمام برلمان جيبوتي، حيث قال: “كيف يتدخل الدولار في التجارة بين كينيا وجيبوتي؟ ولماذا تحتاج البرازيل إلى الدولار للتجارة مع الصين والأرجنتين؟ يمكننا أن نفعل ذلك بعملاتنا الخاصة”. ودعا الرئيس البرازيلي يوم 3 أغسطس/ آب، إلى إنشاء عملة مشتركة بين دول البريكس.

وتابعت “لوموند” أنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تضاعفت المبادرات الرامية إلى الحد من استخدام العملة الأمريكية. وتبيع روسيا الآن الهيدروكربونات التي تنتجها إلى بكين بـ”الرنمينبي”. وفي يناير/ كانون الثاني، ربطت نظام المراسلة بين البنوك الخاص بها بنظام إيران، مما سمح للبنوك في كلا البلدين بتبادل الأموال دون المرور عبر “سويفت”. وفي الربيع، اشترت الصين، التي تعمل أيضا على تطوير منافس لنظام الدفع الدولي، الغاز الطبيعي المسال من الإمارات باليوان.

الصحيفة الفرنسية، أوضحت أنه في الوقت الراهن، فإن هذه التدابير لها تأثير محدود. فصحيح أن وزن الدولار في احتياطيات البنوك المركزية آخذ في الانخفاض: فهو الآن يشكل 59%، مقارنة بـ65% في عام 2016، وفقا لصندوق النقد الدولي، ولكنه (الدولار) ما يزال يستحوذ على 89% من المعاملات في سوق الصرف الأجنبي، 60% من الفواتير التجارية، و48.5% من إصدارات السندات الدولية، وهو ما يزيد بمقدار عشر نقاط عما كان عليه في عام 2003.

 ويقول كريس تورنر، الخبير الاقتصادي: “على الرغم من الانخفاض الطفيف الملاحظ في الدولار في احتياطيات المؤسسات النقدية، فإن هيمنته تظل بلا منازع في مجالات أخرى”.

على الرغم من الانخفاض الطفيف الملاحظ في الدولار في احتياطيات المؤسسات النقدية، فإن هيمنته تظل بلا منازع في مجالات أخرى

تقارب اقتصادي قوي

مع ذلك، لم تدخر الصين جهودها منذ عام 2005 لتكثيف استخدام اليوان دوليا، حيث ضاعفت اتفاقيات تبادل العملات مع البنوك المركزية الأخرى، مثل تلك الموجودة في ماليزيا والأرجنتين ونيجيريا ومنطقة اليورو. كما أن بكين تقوم بتطوير منصة للعملة الرقمية مع هونغ كونغ وتايلاند والإمارات، والتي يمكن أن تجعل من الممكن تسوية المدفوعات عبر الحدود دون وسيط، ودون المرور عبر سويفت، بحلول نهاية العام.

“لكن اليوان ما يزال بعيدا عن أن يكون بديلا موثوقا للدولار، وذلك فقط لأن ضوابط رأس المال في الصين ما تزال قوية، وأسواقها المالية متخلفة”، كما يشدد كريس تورنر. ويزن اليوان حاليا 2,6% فقط من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، أي أقل من الين (4.8%) والجنيه الإسترليني (5.5%) واليورو (20%).

وتحدث جيم أونيل، كبير الاقتصاديين السابق في بنك غولدمان ساكس، والذي صاغ الاختصار “BRIC” في عام 2001 (انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2011)، في صحيفة  فايننشال تايمز، عن فكرة العملة المشتركة بين هذه الدول، مؤكداً أن “دول البريكس لم تقم ببناء أي شيء منذ أن اجتمعت” حتى لو كانت تشكل مجتمعة ربع ثروات العالم تقريبا.

من جانبه، يوضح روبن نيزارد، الخبير الاقتصادي في كوفاس، أن إنشاء عملة موحدة، مثل اليورو، يتطلب تقاربا اقتصاديا قويا بين الدول الخمس الأعضاء في البريكس. ويوضح قائلاً: “مع ذلك، فإن هذه البلدان عبارة عن مجموعة غير متجانسة للغاية، وما تزال التجارة الثنائية بينها منخفضة جدا”، ويضيف: “تظهر الهند وجنوب أفريقيا عجزا تجاريا مستمرا مع دول البريكس الأخرى: الاحتياطيات من أي عملة مشتركة جديدة ستحسق بسرعة”، كما يحلل مارك ويليامز وشيلان شاه، من كابيتال إيكونوميكس.

تنويع الاحتياطيات

مضت “لوموند” موضّحة أن  الخيار الآخر يتلخص في إنشاء ما يعادل حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، وهو الأصل الذي يسمح للبنوك المركزية بتنويع احتياطياتها. هنا فقط: “إذا كان تكوين هذا الأصل الجديد يعكس الوزن الاقتصادي للدول، فإن الصين ستكون مهيمنة للغاية هناك”، كما يوضح آدم سلاتر، من جامعة أوكسفورد إيكونوميكس. وهذا يمس جوهر الصعوبات الكامنة في أي مبادرة نقدية مشتركة، فهو يخاطر بتكريس الهيمنة الصينية. والواقع أن العديد من دول البريكس، خاصة الهند، والدول التي تطمح إلى الانضمام للمجموعة لا تحظى باهتمام كبير في واقع الأمر.

ويتعلق الخط الفكري الآخر ببنك التنمية الجديد، الذي تم إنشاؤه في عام 2015 لموازنة صندوق النقد الدولي، ولا سيما من خلال منح القروض بالعملة المحلية. لكنه في حد ذاته يعتمد إلى حد كبير على التمويل بالدولار، الذي يمنحه المستثمرون الأمريكيون. ولكن منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كانوا مترددين في منح قروض جديدة، لأن روسيا تمتلك حصة تبلغ 19% في رأسمال هذا البنك.

ويضيف آدم سلاتر: “إذا لم يكن الدولار على وشك الإطاحة به قريبا، فإن تراجعه على المدى الطويل يبدو مرجحا”، مستشهداً بمثال الجنيه الإسترليني، الذي هيمن على النظام المالي العالمي حتى الحربين العالميتين وسقوط الإمبراطورية البريطانية.

ويرى زونجيوان زوي ليو، أن “نهاية الدولار الملكي سوف يعجّل بها حدث داخلي، مثل السياسات الاقتصادية السيئة، مما يقوض ثقة العالم في العملة الأمريكية”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي