الإيطالي ماريانو ديدا: قصائد فرناندو بيسوا تتجه نحو المستقبل

2023-08-09

فابريزيو بوسكاليا | ترجمة: عبدالله الحيمر

تبقى ثنائية الشعر والموسيقى حاضرة في مشهدنا الغنائي العربي المعاصرة، بتجربة مارسيل خليفة وأشعار محمود درويش، وتجارب أخرى لأشعار الحلاج للموسيقي السوري عابد عازرية والمغنية جاهدة وهبة. ويبقى الشعر الأوروبي بعيدا عن تجارب الغناء العربي. ومن شمال المتوسط يأتي المغني الإيطالي ماريانو ديدا من جزيرة سردينيا، مكرسا جزءا كبيرا من عمله لغناء أبيات من أشعار فرناندو بيسوا المترجمة إلى الإيطالية. عرفته الصحافة بأنه «المغني والشاعر» وقد أصدر ماريانو ديدا أرقاما قياسية في إيطاليا والبرتغال، حيث تم الاعتراف بعمله، وحيث شارك في أحداث مهمة وأدى على خشبة المسرح وفي قاعات الحفلات الموسيقية. المسارح الشهيرة، مثل المعرض العالمي لشبونة 1998 والمسرح الوطني ماريا الثانية ومسرح ساو لويس في لشبونة، والمركز الثقافي في بيليم. كما تعاون مع الموسيقيين والمغنيين البرتغاليين العالميين مثل، المغني البرتغالي فادو كام، والمغنية البرتغالية مافالدا أرنوث، ومغنية الرأس الأخضر سيلينا بيريرا، والمغني البرازيلي كارلوس كاريكا، والتشيكية عازفة الجاز ميروسلاف فيتوس. في هذه المقابلة، يخبرنا «الشاعر المغني» المزيد عن شغفه بالكاتب والشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا وعن مشروعه الغنائي الأخير.

لقد كرست العديد من التسجيلات الموسيقية لفرناندو بيسوا، كيف ولد هذا الشغف للشاعر والكاتب البرتغالي الكبير؟

نشأت الفكرة منذ سنوات عديدة، منذ أكثر من ثلاثين عاما، منذ المرة الأولى التي قرأت فيها كتاب «اللاطمأنينة» لفرناندو بيسوا Fernando Pessoa‏ (1888–1935) الشاعر والكاتب والناقد أدبي، والمترجم والفيلسوف البرتغالي، ترجمه أنطونيو تابوكي (1943-2012) ؛ الكاتب والأكاديمي الإيطالي الذي يحاضر في اللغة والآداب البرتغالية في جامعة سيينا في إيطاليا، وهو مترجم خبير بكتابات فرناندو بيسوا، الذي كان له الفضل في ترجمته، بعدما اكتشف نصه المترجم إلى الفرنسية بعنوان «دكان التبغ» لكاتب غير معروف اسمه فرناندو بيسوا. وهكذا ولد هذا الشغف بأدب وأشعار هذا الكاتب البرتغالي غير المعروف أوروبيا، وترجم كل أعماله، وكتب الكثير من المقالات عن حياته وكتبه، ونصاً قصصياً جميلاً بعنوان «الأيام الثلاثة الأخيرة لفرناندو بيسوا». لقد تأثرت على الفور بهذه الكتابة الموجهة نحو المستقبل، وقررت تغيير مشروعي الفني، للتركيز على المواجهة بين الموسيقى والأدب. سألت نفسي: «لماذا أكتب كلمات لموسيقايا، إذا كان هناك مؤلفون قبلي كتبوا كل شيء بالفعل؟» بيسوا هو أحد هؤلاء المؤلفين، فهو فنان يهدف عمله المتمثل نحو هذا الانجذاب والحنين إلى النوستالجي الممكن، إلى متاهات ولا طمأنينة اللحظة للحاضر، إنه يفتح نافذة نحو الآخر. بمعنى الآخرين المتعددين في دواخلنا؛ بتطلعاتهم وشغفهم وقلقهم الوجودي وأحلامهم وأسرارهم. إنه مستقبلي واستشرافي وتلقائي، وهذا ما يدفعه إلى جذب الأجيال القادمة. وازداد حبي لهذا الكاتب البرتغالي الكبير مع مرور الوقت، فهو ذو شخصية انشطارية، ضائعة بين الأمكنة والأزمنة. فكان يعيش في صيرورة اللحظة الراهنة واللحظات الغائبة في الزمن العابر في وقت واحد. وبقدر ما كنت أقرأه كل يوم، أدرك أن كتاباته تتطور مع كل قراءة جديدة. في بعض الأحيان، شعرت بأن فرناندو بيسوا غير متجانس تقريبا، كما أخبرنا أنطونيو تابوكي قبل بضع سنوات: «أولئك الذين كرسوا أنفسهم لعمل بيسوا لسنوات أصبحوا اسمه غير المتجانس» (الكثير من» الأسماء غير المتجانسة « ـ وهو مصطلح يستخدمه الكاتب ـ للعديد من المقاربات الشعرية للعالم: «عندما يتحدث عن ألفارو دي كامبوس، ومع ريكاردو ريس، وكذلك مع ألبرتو كايرو..) إنه كاتب أشعر بوجوده في حياتي، أعتقد أنه ليس هناك يوم لا أتحدث فيه عنه إلى شخص ما في محيطي الاجتماعي أو الفني.

إليكم الصورة المثالية لوصف عملي بين الموسيقى والأدب: يتمثل في تصميم فستان للكلمات، بمعنى أن بيسوا، يخبرنا في كتاباته، بأناقة فائقة، أن هذا الضيق التام للوجود، قد صاغ لغة جديدة، مسؤولة عن وصولنا إلى عتبة ما لا يوصف.

كيف تصف اللقاء بين الموسيقى والأدب؟

إليكم الصورة المثالية لوصف عملي بين الموسيقى والأدب: يتمثل في تصميم فستان للكلمات، بمعنى أن بيسوا، يخبرنا في كتاباته، بأناقة فائقة، أن هذا الضيق التام للوجود، قد صاغ لغة جديدة، مسؤولة عن وصولنا إلى عتبة ما لا يوصف. إنه يفكك الجملة، وينتهك بناءها، ويصل هذا التمزق إلى حد الإغماء، فالتعايش بين الكلمات التي لا تستطيع، بطبيعتها، التعايش ـ باختصار، تهز لغته، باستخدام جميع موارد اللغة، وفي الأخير الكتابة كما يعرفها بيسوا هي: «الإحساس بكل شيء بكل طريقة، أن تكون كل الناس في كل مكان. إن امتلاك أكثر من وجود، أكثر من حياة، والركون إلى غيرية مسعورة وتعددية لا نهائية، كما لو كان الكون مصنوعاً من الكتابة». بشكل عام، عندما أقوم بعمل تسجيل الاغنية، تأتي الموسيقى أولاً، بينما في هذا النوع من المشاريع الكلمات موجودة بالفعل، وعليك أن تظل مخلصا للكلمات، دون تشويهها. أنت بحاجة إلى حساسية كبيرة. من خلال هذا العمل، أريد أن أجلب الجمال وتذوق الفن الراقي للناس. أعني بالجمال كل ما يمكن أن يعلم شيئًا ما مفيدا لإنسانيتنا. علينا جميعا أن ننظر داخل أنفسنا ونقرر قضاء حياتنا في التعلم واكتساب الجمال. أرى عملي كعمل ثقافي لهذا الغرض.

ماذا يمثل تسجيلك الغنائي الجديد «فاوست»؟

«فاوست» مسرحية عمل عليها فرناندو بيسوا من عام 1908 إلى عام 1933، كجزء من تفسيره لأسطورة الكيميائي يوهان جورج فاوست، وهو رمز للسعي وراء المعرفة المستحيلة. هذه الشخصية، كما تعلمون، تم تفسيرها سابقا في «فاوست» الشهير للشاعر الالماني غوته بين 1797 و 1832. عادة ما أقول إن «فاوست» لبيسوا، في الموسيقى هذه الأيام، هو عمل شجاع، صرخة قوية ومختلفة، تسعى إلى زعزعة الضمائر، وقبل كل شيء فتح أعين البشرية، التي حتى اليوم، لا تريد أن تتفاجأ. لقد أظهر لنا فيروس كورونا 19 بطريقة عنيفة أننا لا نستطيع أن نضع أنفسنا في مكان إله افتراضي. لقد كتب فرناندو بيسوا قائلا :

«طوال حياتي كنت أهذي، وهكذا إلى السماء دون عناء، حتى لو لم أكن أعرف سبب ذهابي إلى هناك. لقد ولدت أنانيتي وكسلي محبة حزينة، تمنيت أن أصبح الله، أنظر إذا كنت أنا الله أم لا». لقد جعلنا فيروس كورونا 19 نفهم حقيقة حدودنا في هذا العالم المضطرب، وأظهر لنا أن حقبة ما قد انتهت، تفسح المجال لعصر جديد غير معروف، كل ذلك بهدف جعلنا نفكر، يدفعنا ويجعلنا نفكر في أخطائنا، أعلاه كل ذلك حتى ننظر داخل أنفسنا ونلاحظ كوكب الأرض، موطننا الوحيد. يعلمنا «فاوست» لفرناندو بيسوا، اليوم أن نعتني بالحياة وأنه لن يكون هناك أي شيء أكثر أهمية. ستبقى على حالها للوقت التالي، ولا يمكن للبشرية جمعاء أن تحل محل الأسطورة، لأن الأساطير خُلقت للإنسانية لتستمتع بها وتعيش فيها بسعادة. اليوم، يمثل فاوست لفرناندو بيسوا في الموسيقى خطوة إلى الأمام، جسرا بين ما كان عليه وما يجب أن يكون. تذهب مسرحية فاوست ( Fausto) في هذا الاتجاه: لأن العالم ليس مجرد حلم، لكنه حلم آخر يحلم به الحالمون… التغييرات الكبيرة والتحولات الكبيرة دائما ما تواجه الخوف والألم. الناس دون إرادة، دون شجاعة، الذين لا يستطيعون أن يحلموا، ينامون إلى الأبد.

في الختام، هل تريد إضافة أي شيء؟

أود أن أقتبس بضعة أسطر من الاسم غير المتجانس لألفارو دي كامبوس، من القصيدة الشهيرة «متجر التبغ». يجب علينا جميعا الاحتفاظ بهذه العبارة معنا، مثل رمز سري للمفاهيم الكونية كما أسماه تابوكي «الكيان اللاجسدي»..

أنا لا شيء

لن أكون أي شيء أبدا

لا أستطيع أن أكون لا شيء.

بعيدا هناك، أحمل في دواخلي كل أحلام العالم.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي