شجرٌ نعسان وسماءٌ في حبّة كرز

2023-07-26

عاشور الطويبي

أسود

رغم استرخاءة الكرسي الأصفر، والبيجامة الصفراء.

نبيذه ينضح:

من العينين،

من انحناءة اليد

وبقايا الرماد في السيجارة.

الليل:

هذا الشاسع،

مريبٌ في كلّ شيء.

■ ■ ■

شجرتا لوز وشمس

شجرتا اللوز المزهرتان تتلصّصان على

المرأة تسكب القهوة في فنجان مذهّب.

وقفتْ الشمس على ساق عشبة،

رفرفت نحلات فوق العشب المقطوع توّاً.

لن تعبأ بالساق، سترسل أنفاسها إلى كوكب بعيد،

ستقول له، أنّها قد تعبت من حمل الشمس ومرافقة المطر إلى الوادي.

ستخبره بأمنيتها الأخيرة - آنَ تعصف الريح بالحقل -

أن يعتني بالحجر الأصفر النائم تحت شجرة الخروب.

■ ■ ■

أصابع

أأصابع هذه، ما تلوّح بها الزهرة في الهواء؟!

إصبع لكلّ نجمة، أمّا الذراع،

فهو للوح الطين الغائر في حقل البرسيم.

أين يستريح قلب الأزهار؟

في البرّية، بين أرواح أشجار الطّلح.

الحمرةُ على خدّ الزهرة، دمٌ أم حشرجة؟!

حين تحضن الريح المساء، وتفوح الحقول بالطمأنينة،

يرتجف جناح الزهرة، وتصدح الطبيعة بالخلود.

هل طارت في الهواء، زهرة، أم

حطّتْ غيمة على حلمة الصبيّة الراكضة؟!

■ ■ ■

ميراث

الولدُ ورث عن أبيه:

بحراً على إصبع سبّابة،

جبلاً على شقفة فخّار،

نهراً يُؤكلُ في قضمتين،

حقل ذرة ينضج في الشتاء،

شجرة تتدلّى من ربطة عنق،

حرباً مؤجّلة منذ قرون،

سارية عَلم بلا علم،

أصدقاء يختبئون في بطاقة فيزا،

اسماً بطول الشمال الأفريقي.

■ ■ ■

الأجنحة

رفيفها، كينونة كاملة.

حفيفها، ذاك الذي بين الأصفر والبرتقالي، وجد العابد.

زلزلتها، حيث يحطّ الصقر صيحته العظمى.

مكانها، سموات وأرضين.

وقتها، بعد عبور الكائنات الصراط المستقيم.

■ ■ ■

غبش

غبشٌ في قاع كأس

غبش في أنفاس نبيذ معتّق

غبش في لألأة سراج.

كلّ بيت قبالة نهر، له ريح مَلك أو نسر.

كلّ بيت قبالة جبل، له ريح ذئب أو غطّاس يبحث عن لؤلؤ.

كلّ بيت قبالة نار، أهله يأكلون السحت ويقتلون الضيف ولا يصدقون أبداً.

■ ■ ■

الغابة

حاملو الغابة يخرجون

من سماء إلى سماء

من بحر إلى بحر

ومن كفّ قتيل إلى كفّ قتيل.

حاملو الغابة بيارق نار

ودلاء ماء لا ينضب.

حاملو الغابة

حولهم تصطكّ الأقلام ولا تتعب.

■ ■ ■

أسئلة

مَن هذا الذي يُدخل يداً في الرمل ويُدخل أخرى في الماء؟!

هذا رجُلٌ صاحب عراجين في واحة تسكنها الجنّ أو

لعلّه رجُل صاحب خيل وماشية وعبيد أو

رجلٌ جواب بيدٍ وقفار.

وقد يكون صاحب قلب

نخرته النمال الجائعة عند سور القرية.

أرأيتَ كيف يضعُ الخطّ على الرمل

فلا ترحل العير ولا تعوي في القفار ذئاب

وكيف يضع الخطّ على جبين راقصة

فلا يسقط مطر في ليلٍ ولا يهتزّ بغريبٍ سرير.

■ ■ ■

أزهار ميّت

أزهارٌ عند الرأس

نهرٌ يعبر حقل شعير

أزهارٌ عند القدمين

نهرٌ يعبر حقل رمان

الميّتُ وحيداً يعبر حقل نسيان

سكّر وثلج على لسان الصبيّة

خيل كثيرة تركض في البريّة تسابق بعضها

كلب الشارع يحلم بقرية بعيدة

طريق تفضي إلى طرقات

ميّت يكتب في دفتره: مقبرة جديدة

■ ■ ■

هل يغطس؟

هل يغطس لو سقط الكلام في الماء؟

قد تغطس تلويحة الشاعر في القاعة المكيّفة

قد يغطس السياسي في موكب فخم

قد يغطس المرابي في أوراقه القديمة

قد يغطس العالَم في قفزة الطائر الأُولى.

■ ■ ■

شجرة تنعس

الشجرة أيضاً تنعس وتضحك

الريح فستانها الأبدي

الماء رسولها ونبيّها

كذلك العارية الجالسة في الركن

البساط الأخضر رفيقها

خطوط الكرسي الزرقاء أحلامها الحميمة

خدّاها الأحمران حافّتا شهوتها

■ ■ ■

سماء في حبّة كرز

السماء في قلب حبّة كرز

حبّة الكرز في عين صبيّة تنزل منحدر القرية قبل الغروب

الشمس في ثنية ياقة سكّير مخمور

السكّير يدخل باباً لا باب بعده.

إذا أدخلتَ يدك في قلب الصخر، ماذا تجد فيها؟

حمرة تفّاح أو حمرة رمّان أو حمرة خدّ ريّان.

إذا أدخلتَ يدك في قلب الماء، ماذا تجد فيها؟

صيحات عبيد أتوا من صحارى بعيدة، أو أغاني طيور تأكل عسلاً.

إذا أدخلتَ يدك في قلبكَ، ماذا تجد فيها؟

تيهاً وشهوات يغرق الكون فيها أو ألسنة تلهج بكلّ اللغات.

■ ■ ■

أشياء

هذا البحر أخذ الماء كلّه

حتى السمكات التي لحقت بالشطّ سكنتْ على النهدين

وتلك الضفائر التي تتأرجح في البريّة حملها العاشق المجنون معه إلى ذئاب تعوي

هذا النهار أخذ رمل الصحراء كلّه

حتى السحالي التي قفزت من كثيب إلى كثيب التهمها السراب

وتلك القوافل التي رحلت وراء ملحٍ لم تعُد إلى واحاتها أبداً

تختبئ النساء في بتلات الأزهار

يختبئ الرجال في قواديم الحدّاد

يختبئ الأطفال في مسالك الجبال الوعرة

أين إذن يختبئ الكائن الكامل؟

شاعر ومترجم من ليبيا








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي