باحث أميركي يكشف الإرث المنسي لمسلمي أميركا

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-12-11
ديركس يؤكد أن المسلمين وصلوا أميركا قبل كولومبس بـ 600 عام غير أنهم في حاجة إلى أن يؤسسوا هوية إسلامية وأميركية بالكامل.

كتب ـ محمد الحمامصي  - يبحث هذا الكتاب "المسلمون في التاريخ الأمريكي .. إرث منسي" للباحث الأميركي جيرالد ف. ديركس في تاريخ الوجود الإسلامي في أميركا ودوره وتأثيره وآثاره الفكرية والثقافية واللغوية على العديد من جوانب الحياة الأميركية والدينية المسيحية منها خاصة. لقد سبق المسلمون كرستوف كولمبس في اكتشاف أميركا بستمائة عام، بل وشاركوا في كل الرحلات الاستكشافية الأوروبية لأميركا بما فيها رحلة كولومبس نفسه، والأهم من ذلك أن الأفارقة المسلمين الذين تم خطفهم واستعبادهم في أميركا فيما بعد، وفي فترات رواج تجارة العبيد لم يكونوا مجرد أشخاص عاديين، بل كانوا شخصيات على درجة عالية من التعليم والثقافة والخبرات الحياتية، لكن الرجل الأبيض الأوروبي الذي بدأ في الاستعمار المنظم للأميركتين منذ كولومبس كان تحكمه الأمية والتخلف والجهل، فتعامل بوحشية مع السكان الأصليين الذين كان من بينهم مسلمون، ثم بعد ذلك مع من استعبدهم بالخطف غصبا وعنوة وفقا لقوانين مخزية بوحشية مفرطة أودت وحطمت حياة الكثيرين منهم.

إن الكتاب الذي ترجمه مشروع "كلمة" (أحد مشروعات هيئة الثقافة والتراث بأبوظبي) وترجمه الدكتور سعد البازغي، يعالج ويكشف عن الكثير من الحقائق العميقة حول الوجود الإسلامي بأميركا قبل كولومبس وبعده وحتى الآن، الأمر الذي ينبغي معه قراءته بشكل واع للتعرف على حلقات مهمة مفقودة في قضية صراع الحضارات، كما يضيء أمر تصاعد أعداد معتنقي الإسلام في أميركا في الربع قرن الأخير، وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول حيث بلغت الزيادة من 100% إلى 300%.

الإسلام انعكس على تركيبة الحياة الاجتماعية واشتبك مع السكان الأصليين من الهنود، وأثر فيهم منذ نزل إلى أميركا، كما أثر في الأوروبيين المستعمرين بعد ذلك، فضلا عن أن عمليات الخطف والاسترقاق المنظمة التي كانت تتم من بلدان أفريقية مسلمة كغينيا ومالي ونيجيريا وغيرها في فترات ما بعد كولومبس لم تكن عشوائية ولم يكن الخاطفون مجرد تجار سذج وعلى رأسهم كولومبس نفسه.

يقول جيرالد ف. ديركس أن هناك مجموعتين من الناس كانوا أكثر عرضة للاستعباد "لا ينبغي أن نفاجأ بأن كثيرا من المسلمين المستعبدين الذين أخذوا إلى أميركا كانوا ضباطا عسكريين محترفين ومسئولين حكوميين وأمراء في ديارهم، لقد كانوا فئة من الأشخاص الذين تلقوا تدريبا وتعليما عاليين، الفئة الأخرى تألفت من أولئك المنشغلين بالأسفار الكثيرة، وبالنظر إلى نظام التعليم في غرب أفريقيا فإن الأشخاص الأقرب إلى الانشغال بالسفر هم الباحثون والمعلمون المحترفون، أولئك الأكاديميون كانوا كثيرا ما يسافرون لمسافات طويلة للحصول على المعرفة وليعلموا ما تعلموه، بين هذه الفئة من المستعبدين المسلمين يجد المرء أفرادا كثيرين تلقوا تعليما جامعيا ومن بينهم عدد ليس بالقليل ممن نالوا شهادات جامعية عالية (ماجستير أو دكتوراه) في صفوفهم المحامون والمعلمون والأساتذة الجامعيون والأئمة (من يؤمون الناس في الصلاة) والمتخصصون في العلوم الدينية".

ويشير جيرالد ف. ديركس إلى أن العديد من المتاحف في الجنوب الأميركي لا تزال تضم مخطوطات عربية كتبها أولئك الأفارقة المسلمون "من يطالع في تلك المخطوطات سيجد نصا كاملا من القرآن الكريم أو أجزاء منه، بل وكتبا فقهية إسلامية بأكملها حفظها أولئك المسلمون المستعبدون حين كانوا يدرسون في أوطانهم في أفريقيا، وظل بعض أولئك المستعبدين المسلمين بعد سنوات يحتفظون بتلك الثقافة ليدونوا هذه المجلدات من الذاكرة".

ما يلفت النظر حقا ما قرره ديركس من أن السجلات التاريخية المتوفرة تشير إلى أنه "لم يتخل أحد ـ من هؤلاء المستعبدين ـ عن دينه الإسلامي"، لكنه أيضا يؤكد أن هؤلاء "المسلمين المخلصين لم يستطيعوا في بعض الحالات أن ينقلوا دينهم لذريتهم، ومن هنا فقد قدر أن الإسلام الحقيقي الذي وصل الأميركيتين من أفريقيا لم يستمر بعد وفاة آخر الأفارقة المعتقين حوالي 1920 ـ 1930".

ويكشف جيرالد أن الحضور الإسلامي في التاريخ الأميركي السابق لكولومبس ليس محصورا في فترة واحدة ولا هو ناتج عن اتصال حضارة إسلامية واحدة بالأمريكيتين "إنه في الحقيقة انعكاس لسلسلة من الاتصالات استمر بعضها لفترات طويلة ولقيام مستوطنات وطرق تجارية منتظمة وكذلك للتزاوج مع عدد من قبائل الهنود الأميركيين والاختلاط بهم".

ومن الحقائق المهمة والغائبة في تاريخ المسلمين في أميركا التي يوثقها الكاتب بتفاصيلها أنهم شكلوا مكونا أساسيا لأفضل الثورات وأكثرها تنظيما ونجاحا قام به العبيد "لقد كانوا أيضا قادة تلك الثورات، والأمثلة المستمدة من ثورة الأميستاد وثورات الهاييتيين وثورات باهيا".

وحول الأسلاف المسلمين للأفارقة الأميركيين الآن يؤكد الكاتب بالإحصاء والعمليات الحسابية لنظرية احتمالية بسيطة "من المستحيل تقريبا ألا يكون هناك مسلمون بين أجداد هذا أو ذاك"، ويضيف "ينبغي ألا نندهش إذا علمنا بأن ما تبقى من إسلام أسلاف الأفارقة الأميركيين يظهر على نحو متكرر في حياة أولئك الأميركيين، مشروع كتاب السافانا الذي يعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي تضمن عددا من الأمثلة لهذه الظاهرة في ما أصدره أولئك الكتاب بعنوان طبول وظلال دراسات حول البقاء بين زنوج ساحل جورجيا".

يقول جيرالد "مع أن إسلام الملايين من الأفارقة المستعبدين لم يستطع أن يقاوم قرونا من العبودية وقرنا من تشريع جم كرو الذي حل بأحفادهم ـ على الأقل لم يبق بشكله النقي وعلى نحو شديد التنظيم ـ فإن ما بقي من الإسلام ترك أثره على الحياة الأفروأميركية، الذكريات الباهتة والجزئية للأجداد المسلمين والممارسات الدينية الخاصة ببعض الكنائس الأفروأميركية، إلى جانب الموسيقى الأميركية التي تمثل العمق الأميركي والمعروفة بالبلوز والحركات الدينية مثل معبد العلم المغاربي، وأمة الإسلام، كل ذلك يشهد بأن البقايا الإسلامية ظلت حاضرة".

لقد سجل الكاتب الثلاث رحلات الأوائل الأولى 888 والثانية 999 والثالثة في القرن الثاني عشر. أولى الرحلات المسجلة: تمت في عهد الخليفة عبد الله بن محمد "888 ـ 912" الحاكم الأموي على الأندلس في عام 888 أبحر خشخش بن أسود أحد سكان قرطبة الأندلسية غربا عبر المحيط الأطلسي مع مجموعة من البحارة المسلمين من ديلبا "بالوس" الميناء الذي سيبحر منه كولومبس بسفنه الثلاث بعد ستمائة عام، وبعد رحلة طويلة وجد خشخش عالما جديدا أشار إليه المسعودي في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" بـ "الأرض الجديدة". عاد خشخش من رحلته التاريخية ومعه غنيمة ضخمة حصل عليها كما يفترض من التجارة وفتحه للأميركتين.

لكن الرحلة الأهم هي الرحلة الثالثة وهي تلك التي قام بها ثماني بحارة مسلمين من شمال أفريقيا "لشبونه" التي كانت يومئذ جزءا من الأندلس، هذه الرحلة التي أرخ لها الطبيب والعالم الأندلسي أبي عبد الله محمد الأدريسي، يقول ديركس "من الجوانب المدهشة في هذه الرحلة ظهور مترجم يعرف العربية بين الهنود، حضور شخص كذاك يوحي بتاريخ وإن كان قد نسي من الاتصال الإسلامي الهندي، العربية لغة يصعب امتلاكها ووجود هندي يتحدث العربية يشترط وجود اتصال بين أولئك الهنود والمسلمين العرب ربما كانوا تجارا من غرب أفريقيا".

إن الكتاب يحمل جهدا بارزا في التقصي والبحث، وقد جاء في مقدمة وعشرة فصول بدأت "ألف سنة من الاتصال الإسلامي الأميركي"، وانتهت بالإسلام في أميركا الشمالية المعاصرة، حيث يؤكد الكاتب أن الإسلام حاليا أسرع الأديان نموا وحسب معظم التقديرات، فإنه الدين الثاني في أميركا الشمالية "نموه بين السكان وفي عدد المساجد والمدارس والمنظمات والمطبوعات يشير إلى نجاح إسلامي كبير في أميركا في النصف الثاني من القرن العشرين"، لكن جيرالد يلفت إلى أن "هذه النجاحات ما تزال تتأثر بنوعين مختلفين من الفشل، أحد هذين هو عجز المجتمع المسلم أو عدم رغبته في تجاوز القبلية القائمة على الإثنية والعرق والجذور الثقافية والقومية واللغوية. الفشل الثاني يتضح في عدد المسلمين من الجيل الثاني الذين لم يعودوا ممارسين لدينهم. كلا الفشلين يؤكد الحاجة إلى أن يؤسس المسلمون في أميركا هوية إسلامية بالكامل وأميركية بالكامل".
 









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي