عوالم الفساد والاستلاب في رواية «يا عزيزي كلنا لصوص»

2023-07-21

رند علي

اعتاد الكاتب إحسان عبد القدوس على مناقشة القضايا الحساسة والخطيرة التي تمس سيادة واستقرار مصر، بدايةً من رواياته ومقالاته التي كان ينتقد فيها وبشدة سياسة زعماء السلطة في البلد في زمن الملكية إلى حقبة عبد الناصر والضباط الأحرار، وصولاً إلى فترة حكم السادات وحسني مبارك، كان قلمه لا يشترى ولا يجامل ولا يخاف في الحق لومة لائم، وهو صاحب المقال الشهير «هذا الرجل يجب أن يذهب» الذي شنه على ممارسات القصر، والبوليس السياسي، وهجومه على اللورد كيلرن واتهامه فيه أنه يتصرف كما لو كان ملك مصر .

أما بعد ثورة يوليو/تموز وسقوط الملكية في مصر كتب صاحب الحب والحرية العديد من الروايات التي كشفت عن الفساد الحاصل في جميع مرافق الدولة مثل، روايتي «يا عزيزي كلنا لصوص» و»حتى لا يطير الدخان». «العالم كله سرقات، اللي فوق يسرق اللي تحت، والشاطر يسرق البليد !». هل كان لسياسة الانفتاح المالي التي تبنتها الحكومة المصرية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والتي تم بموجبها تغيير التوجه المالي للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية والاقتصاد الحر، آثار سلبية في الشعب المصري؟ هذا ما يزيح عنه الستار إحسان في روايته «يا عزيزي كلنا لصوص» المخطوطة المذهلة التي تجعل القارئ يتسلق مع بطلها سلم المجد الوهمي، وهو على على دراية بدنو لحظة سقوطه المريع، فهل يستطيع مرتضى عبد السلام السلموني، الابن الفاشل للضابط الفاسد الدخول إلى عالم اللصوص من رجال الأعمال والمتنفذين في الحكومة؟

«إن مرتضى يفكر في تنظيم كتنظيم المافيا العالمي.. مافيا مصرية لا شك.. ولا شك في أن تنظيماً كتنظيم المافيا يستطيع في مصر أن يفرض نفسه أسهل مما يستطيع في أمريكا أو في أوروبا. إن مصر تقوم فيها مافيا رسمية من كبار الموظفين والمسؤولين وسيقيم هو مافيا شعبية.. ويكون رحيماً.. سيكون كأرسين لوبين يسطو على الأغنياء.. ليعطي الفقراء.. وابتسم مرتضى من نفسه.. إنه يحلم.. لقد عاش عمره كله وهو يحلم».

الرواية ذات سرد تشويقي متسلسل تجعل القارئ يتعاطف مع شخصية مرتضى الساذجة، ولا أخفي تساؤلاتي بعد قراءتها عن السبب الذي دفع إحسان إلى رسم شخصية بطله في الرواية، يفتقر الذكاء والحنكة فيسلم جميع أمواله إلى من سرقهم هو سابقاً، متوقعاً سلامة النية منهم؟ لكن بعد برهة توصلتُ إلى الرسالة التي أراد أن يبعث بها الكاتب إلى القارئ وهي، الظهور المفاجئ للطبقة الرأسمالية بعد الانفتاح وكثرة الأموال والغنى الفاحش، الذي أعمى بصيرة مرتضى، ما دفعه إلى الوثوق بعبد الله بهنس وهو أحد أكبر اللصوص من رجال الأعمال، الذي استطاع استرجاع أمواله من بطل الرواية ملحقة بالفوائد المترتبة عليها. كما تتناول الرواية موضوع سرقة مجوهرات ومقتنيات العائلة المالكة في مصر، بعد سقوط الملكية مثل مشبك الأميرة فادية الذي يسرقه والد مرتضى، عبد السلام السلاموني من قصر الملك وتمر السنوات ولا يستطيع الابن بيعه حتى في سويسرا ما يجعله فريسة للمحتالين.

عالم كامل من السراق والمرتشين ينكشف لنا في كل محاور القصة من رجال الأعمال إلى المتنفذين في الدولة، من المرتشين والفرق الوحيد بينهم يكمن بين الحرامي الذكي مثل عبدالله بهنس والجاهل مثل مرتضى السلموني. «صدقني إني أعجبت بالعملية التي قمت بها.. عملية السطو على الخزانة التي كانت في هذا البيت.. وكان يمكن أن تسمى لصاً.. لكنك لم تسرق بيديك.. وهذه هي طبيعة كل رجال الأعمال.. يسرقون لكن ليس بأيديهم، ولذلك لا يعتبرون لصوصاً، بل يعتبرون من رجال الأعمال». تم تحويل الرواية إلى فيلم عام 1989 من بطولة: محمود عبد العزيز، ليلى علوي، صلاح قابيل سعيد صالح، عبد الله فرغلى، أسامة عباس، ومن إخراج أحمد يحيى.

كاتبة عراقية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي