
لندن - عبر ثلاثة فصول يحاول د. نجاح كاظم في كتابه 'الاسلام وجوهر الحداثة' الصادر حديثاً عن 'لارسا للنشر' ـ لندن، الاجابة على جملة اسئلة اساسية تتمحور حول تخلف العرب على اصعدة عدة، وانفصامهم التام عن الحداثة ودور الدين في بلورة الوعي الجمعي العام.
يناقش الكاتب في الفصل الاول المعنون: 'الازمة الفكرية' التراجع الفكري والعقلي الملحوظ في المنطقة العربية، ويعزو الامر الى قلة الافكار وقدم النظام المعرفي والعودة الدائمة الى الماضي لاستخراج الافكار القديمة واعادة انتاجها مجدداً، الامر الذي يشكل على الدوام الفارق الشاخص بيننا وبين بقية الامم التي تسعى لاستثمار الحاضر لتشييد المستقبل.
يستعرض المؤلف في ذات الفصل الفكر القومي واصفاً اياه بأنه يعتمد على نظم معرفية قديمة، ويقوم على ابراز تفوق الذات واظهار نقائض الاخر، مع الفشل في رؤية نقائضه وحاجاته، ما ينطوي على نفسه في ابراج عاجية تتعالى على الواقع العملي المعاش. ويعيب الكاتب على الفكر القومي اعتماده على النصوص التراثية وتأثره بها، مستنداً الى الانتقائية في قراءة التاريخ، التي غالباً ما تتعمد تجميل مواضيع معينة وتشوه اخرى.
ولكن من وظف النص الديني لصالح السلطة؟ يجيب كاظم في متن الفصل الاول بأن مرحلة جديدة تلت الخلفاء الراشدين تميزت بالاستبداد السياسي، اذ شهدت تلك الحقبة خلطاً كبيراً بين الدين والسلطة. ومع ظهور مصلحين اجتماعيين امثال جمال الدين الافعاني ومحمد عبده ومحمد اقبال، ابتداء ما يسمى بعصر النهضة العربية الذي سعى لانسجام الدين مع متطلبات الحياة المعاصرة، لتأتي بعدها مرحلة ما بعد رواد النهضة المتمثلة بابو العلا المودودي وسيد قطب.. والعديد غيرهم.
في الفصل الثاني: 'ارتداد المجتمع العربي' يسلط الكاتب الضوء على الانقسام والتشتت والقتل بين ابناء المجتمع الواحد، الامر الذي يحد من انشاء معماريات اجتماعية جديدة يكون لها الدور الاهم في تصميم المجتمع المدني وقيام المؤسسات العصرية باعتبارها المحرك الحقيقي في صياغة السياسة وفعالياتها.
ويشير د. كاظم الى أن ثمة صراعاً مجتمعياً داخل العالمين العربي والاسلامي نتيجة التطرف والارهاب ومشاكل البطالة والضغط السياسي الهائل والانفجار السكاني وانهيار التطوير الزراعي وتدهور نظم التعليم إلى درجة الانهيار، لهذا يدعو الكاتب الى ضرورة انشاء معمارية اجتماعية جديدة تحتوي على بنى اجتماعية قابلة للعمل والتطوير من خلال مؤسسات فاعلة وحديثة، كما تقوم على اربع ضرورات:
1ـ المرأة.
2 - التعليم الحديث والتربية.
3 - مؤسسات بحث علمي قادرة على انتاج الافكار وشد الوحدات الاجتماعية بالابداع.
4 - النقد والتقويم كثقافة وممارسة. ويقدم الفصل ارقاماً واحصائيات بشأن الضرورات المذكورة وطرق اداء دورها ضمن معمارية اجتماعية مغايرة.
في الفصل الثالث من الكتاب والمعنون 'المأزق السياسي' يطرح المؤلف الازمة السياسية الخانقة التي تعانيها انظمة وشعوب المنطقة على حد سواء، سارداً دور تلك الازمة في تهميش الاصلاح والحد من الانطلاق من الذات لإحداث التغيير، اذ يرى ان الحكومات العربية هي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل، كما انه لا يمكن للمجتمع المدني النمو في ظل النخب الحاكمة. فالاصلاح يبدأ اساساً مع فصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويعرج د. كاظم في الفصل ذاته على الحركات الاسلامية، شارحاً الكثير من الملابسات التي تحيطها، حيث حاولت ملء الفراغ في الساحة السياسية بخبرة قائمة على التراث والفقه القديم، ولم تتمكن من طرح رؤية معاصرة ومتقدمة موازية لمفهوم الدولة الحديثة القائمة على القانون ومؤسسات المجتمع المدني وتبادل السلطة سلمياً والتعددية، كما انها لم تعمل على اشاعة الوعي في الامور الحساسة لانه، بحسب الكاتب، لا قيمة لرأي الناس في الفقه التراثي.
يعتبر الكاتب ان المأزق السياسي للحركات الاسلامية يكمن في برامجها السياسية النابعة من تصوراتها القائمة على الفكر القديم، فالبعض منها عند الوصول الى السلطة يصطدم بواقع معقد وكبير لا يمكن حله فقط بشعارات العودة للاسلام او رفع راية 'الاسلام هو الحل'.
ينبغي القول ان الكتاب يناقش بصورة عقلانية بعيدة عن العاطفة العديد من مفردات الازمة التي تحاصر حياتنا كالتحريم المنفلت من عقاله، والتخلف المتخفي بستار الدين الذي يحد من اطلاق الطاقات والابداعات، والعنف الدموي، ذلك الذي ساهم في وقف دورة الحياة. واعتمد الكتاب على جملة ارقام وجداول واحصائيات، الامر الذي يلامس بقدر كبير جوهر المشكلة في خطوة للوصول الى الحلول الناجعة او الاقتراب منها على اقل تقدير.
يقع الكتاب في 392 صفحة من القطع الكبير. عن القدس العربي