ستُّونَ عاماً في محطَّتِها * - جميل مفرح

2023-07-12

عشرون عاماً يا صديقتَها
وما زالتْ تُنَقِّبُ في دمي
عن سرِّ نكهتِها..
وكافايينُها
ما زال يوماً بعد يومٍ يستطيرُ بنا
يوزِّعُ بعضَ بعضينا لبعضينا
ويكتبُ مِن خلائطِنا المُخيفةِ
كلَّ يومٍ قصَّةً كالحُلمِ...،
يغتالُ القصائدَ
قبلَ أنْ نَختارَ منها
ما يُرمِّمُ صَحوَنا ويُطيلُ غَفْوَتَنا
إلى عشرينَ أُخرى.. يا صديقتَها..


* * *
استريحي.. يا صديقتَها ببهوي
ريثما تنداحُ سلَّةُ ذكرياتي
فتِّشي إطراقتي
تجدي أصابعَها الطَّويلةَ
لا تزالُ تُبعثِرُ
اللحظاتِ والكلماتِ والعبَرَاتِ
تمنحُها لكفِّ الرِّيحِ،
للتَّبريحِ،
للألمِ
الذي يتقاسمُ الجَسَدَانِ سُكَّرَهُ..
أصابعُها الفصيحةُ
لا تُفوِّتُ بُرهةً ما بيننا
تجتاحُ أسوارَ اللُّغاتِ،
تُشَذِّبُ الكلماتِ صامتةً..
سِنانُ رموشِها تهجو
احتراقاتي وترثي ثلجَها..
ما زالَ في سكَرَاتِ جلستِنا الأخيرةِ
يا صديقتَها كلامٌ لم يُقَلْ
ما زالَ في حَدَقاتِها حُزنٌ غزيرٌ
فيهِ رائحتي وبعضُ مذاقِها...،
ما زالَ في تلك الحِكاياتِ
التي لم نَحْكِها سفَرٌ طويلٌ..


* *
يا صديقتَها.. استريحي
ريثما يتماسكُ الطَّيرُ الحَزينُ
منِ ارتعاشاتِ السُّقوطِ...،
وريثما تتبرَّجُ اللُّغةُ الخبيئةُ..
لا تلومينا..
سنكبرُ ذاتَ يومٍ
رُبما عشرون ثالثةٌ ستمضي
عَنْ قريبٍ قبلَ أنْ نحبو
ونلثغَ ما يُقالُ..
لعلَّنا سنقولُ في السِّتِّين
ما لم نستطعْ...،
سأقولُ ما لم تستطيعي أن تُغنِّي
مِنْ قصائدَ أوقدَ الحِرمانُ جذوتَها
وأنتِ ستكتُبينَ بياضَ رأسَينا
قصائدَ لم تزلْ تجترُّ
أدعيةَ الوصولِ
وتنتهي قبلَ الكِتابةِ والكلامِ..
سنلتقي
في آخرِ الدَّربِ المُلَغَّمِ بالسُّكوتِ
مُكبَّلَين ببعضِنا
وستُشرِقُ اللُّغةُ البهيَّةُ..
سوفَ يُزهِرُ بيننا وجْهُ الكلامِ
قصائداً عذراءَ
جمَّدتِ العنوسةُ ماءَها وهواءَها
ستِّينَ عاماً مِنْ مواسمِها..
ستجرفُنا السِّنينُ
إلى رصيفٍ عاثرٍ بالخوفِ،
مُلتجئٍ بصمت الزَّمهريرِ..


* * *
هنا استريحي.. يا صديقتَها
دعيها تسترحْ
وأنا على كفِّ الوداعِ
تلمَّسي مِنْ حولِنا الحَسَراتِ
والنَّهداتِ
ذُرِّينا رماداً في عيونِ الرِّيحِ،
مِلْحاً فوقَ جُرحِ الأمنياتِ...،
وودِّعِينا عاشِقَينِ تأخَّرا
ستِّين عاماً
عَنْ قِطارِهُما فَسَارا راجِلَين.


*شاعر من اليمن
-اللوحة المرفقة للفنانة التشكيلة اليمنية آمنة النصيري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي