«نهاية النسيان»: وهم الفرار من تسلط وسائل التواصل الاجتماعي

2023-04-30

محمد عبد الرحيم

«النضج هو تراكم للمعرفة بقدر ما هو تراكم للنسيان»

لمرّات عدة وبالمصادفة نُطالع أنفسنا في صور فوتوغرافية أطفالاً كنا أو مراهقين، ربما في ألبوم الصور المنسي في بيت الطفولة، أو صورة قديمة بين أوراق مُهمَلة لأب أو أم، أحياناً نبتسم لملامحنا البعيدة، وأحياناً نغضب أو نحزن لوجودنا على هذه الحالة، هناك الخجل أو الخوف من الآخرين، الذين قبضوا على لحظة وجودنا رغماً عنا، ولو تمادينا أكثر، فيمكن أن يصل الأمر إلى الشعور بالعار من هذه اللقطة التي خطّت تاريخاً نود نسيانه، والأكثر من ذلك نود من الآخرين نسيانه ومحوه من ذاكرتهم، وفي بساطة يمكننا تمزيق هذه الصورة، حتى لا يجد الزمن دليلاً على هذه الذكرى السيئة، فنصمم على إنكارها وعدم حدوثها من الأساس، حينها نشعر بأن حملاً ثقيلاً قد انزاح بلا رجعة. لكن.. ماذا عن عصر التواصل الاجتماعي ومنصاته المتعددة.. تويتر، فيسبوك، إنستغرام، وغيرها، حيث انتفت سلطة أب أو أم في التقاط صور أطفالهما، وأصبح هؤلاء الأطفال أو المراهقون يتمتعون بحرية قصوى في التقاط الصور ونشرها، دون أن يشعروا بأنهم سقطوا في شَرَك سلطة أخرى لا ترحم. عن هذه الأزمة تدور فصول كتاب «نهاية النسيان.. التنشئة بين وسائط التواصل الاجتماعي» لمؤلفته كيت إيكورن، ترجمة عبد النور خراقي، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت فبراير/شباط 2023.

بعيداً عن سُلطة المحيط الاجتماعي

في ظل تقنيات التصوير في كل عصر.. لوحات، لقطات فوتوغرفية عائلية، أفلام منزلية بكاميرا فيديو، خضعت مرحلة الطفولة لأنواع مختلفة من التوثيق، وكان أغلب الصور الشخصية القديمة تحدد موقع الأطفال على نحو رمزي ضمن سياق اجتماعي أو سياسي، بأن تكون معزولة وفي حدود مكان استديو التصوير، ومن خلال مصوّر محترف له بعض الحق في رقابة مبدئية، ومع مغادرة هذه الحدود ـ انتشار كاميرات التصوير ـ أصبح الأمر يقترب من تصوير اللحظات اليومية، وبالتالي توثيق عبث الأطفال أو دموعهم، وكذا الكثير من المواقف المحرجة، التي ربما كانت تثير ضحك الكبار وقتها، لكن الآن أصبح بمقدور هذا الطفل نفسه أن يلتقط صوره الخاصة، وبالتالي تمثيل نفسه وفق منظوره الخاص لأول مرّة، وبالتبعية أصبح هناك جمهور مُحتمل ـ افتراضي ـ لهذه الصور في الحاضر والمستقبل لن يرحم أو يتسامح.

لن تنسى ولن تُنسى

كان يمكن في الماضي الاحتفاظ بالذاكرة ـ التي تمثلها بعض الصور الفوتوغرافية ـ أو التخلي عنها طوعاً أو كرها، كما في حالة الهجرات أو الترحيل القسري، أو التخفي العرقي، أو الهرب من مهنة أو فكر سياسي مُشين. تذكر المؤلفة عدة أمثلة.. كاختيار بعض العائلات اليهودية تربية أطفالها دون إبلاغهم أنهم من الناجين من الهولوكوست، أو أن يتخفى أحد الأشخاص ناكراً كونه عميلاً للغستابو مثلاً، وهنا يتم تغييب وثائق الطفولة عمداً ليصبح من السهل بشكل أو بآخر أن يبدأ هؤلاء حياة جديدة أكثر طمأنينة وأملاً في المستقبل. مع ملاحظة أن معظم صور الهولوكوست كانت صوراً/وثائق عامة، ولا تخص أحدا بعينه من الضحايا.

ومقارنة بما يحدث الآن من توثيق لحظات قاسية من خلال الهاتف المحمول، خاصة من المهاجرين والنازحين بفعل الحروب والنزاعات، وبث هذه الصور على شبكات التواصل المختلفة، لكن.. عندما يصبح المهاجرون الشباب اليوم بالغين، هل سيتوفر لهم خيار النسيان بما يمكّنهم من العيش ومواصلة الحياة مرّة أخرى بعيداً عن هذه العذابات؟ وتنتقل المؤلفة إلى فعل (النسيان) ومحاولات تحققه في عصر وسائل التواصل، فهل مجرد اختفاء الشخص من تطبيق ما، سيحقق له ما يود نسيانه، أم أنها محاولة فاشلة في الأساس؟ فإن حاول أن ينسى، فهو في الوقت نفسه لن يُنسى! فالرغبة في نسيان الشخص، والمتمثلة في حذف البيانات أو الصور ليس لها أدنى تأثير في نسيان الآخرين له.

حالة بارسونز

وتشير المؤلفة إلى حالة الفتاة (رحته بارسونز) التي ذهبت وهي في سن الـ15 إلى حفلة منزلية تضم بعض المعارف والأصدقاء، وبعد تناول بعض المشروبات الكحولية، تعرضت للاعتداء من مجموعة أولاد مراهقين، ثم بدأت صور الحفلة تنتشر على الإنترنت، فصُنفت الفتاة على أنها (عاهرة) فوجدت نفسها معزولة اجتماعية، ولن ينفعها الانتقال إلى مدرسة أخرى، أو متابعة جلسات الإرشاد النفسي، وانتهى الأمر بانتحارها. هذه حالة فتاة عادية لم تكن تسعى إلى شيء، أو تفكر في عاقبة خطأ كان من الممكن نسيانه وتجاوزه في الماضي، مقارنة بما يحدث اليوم، وربما الحوادث والجرائم اليومية التي نشهدها جرّاء منصات التواصل الاجتماعي، تبدو المثال الدائم ـ للأسف ـ لخطورة العالم الافتراضي، هذه الخطورة التي لم تعد قاصرة على الأطفال أو المراهقين.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي