قُبّعةٌ مرفوعةٌ طويلاً فوق البِركة

2023-04-20

منير الإدريسي

مياه البركة سوداء... من ثقل ظلّ الأشجار

ثمّة معاق يجلس على كرسيّ إعاقته ينظر إلى الشمس

إنّه أعمى!

أينما دفعوا به ينظر للأعلى،

وفي الأعلى صورة ذهنية مثالية عمّا يجري حوله

صيحاتُ نساء وأطفال يتراشقون بالماء

ضحكاتٌ، إذ لا طائرة حربية في الجوّ

أخوض في الماء البارد إلى ركبتَيّ، ثمّ إلى صدري

فكتفَيّ...

أندفع في المياه كدُلفين،

أحرّك ذراعَيّ كمجاذيف، وساقَيّ كزعانف

هكذا نفعل، طافين فوق الماء بسعادة

وحين أغوصُ بعينَين مفتوحتَين

أرى عالماً مُظلِماً أصمّ بسرداب غرقى يُفضي

إلى عالمِ آخر... أبيض.

عالم يحدسه القلبُ، أدفع برأسي إلى فوق لأشهق

صبيّاتٌ ونساءٌ كالزبدة، مجهولاتٌ،

ملتفتاتٌ من حين لآخر إلينا بوجوه كالزهور

والحصى تحت أقدامنا ناعم الملمس.

بالونٌ أصفر خفيف من حين لآخر

كانت تتقاذفه حولي أيادي الأخوات

الودودات من فرط الطول والنحافة

هو الآن فارغٌ من الهواءِ عند حجرٍ مخضرّ

أيعني ذلك موتَ لحظة؟

لكنّ النهارَ الصيفيَّ ما يزالُ يرفع قبّعته لنا...

يسلّينا بسباحة كلبٍ، تشبهُ ركضاً في الهواء

نهارٌ بوقت وفير في الجيب

يدخّن غليونهُ الخالي من النيكوتين

ويمجّ نتفاً من سحاب كثيف، بقي مُتلكّئاً

فوق رأس عازف غيتار بوهيميّ يشربُ البيرة.

تَحلّقنا حول معزوفته التي تحطّ كسرب عصافير فوق أوتاره وتطيرُ

حدّقتُ في شعره الحريريّ الطويل وفي أصابع قدميه

وهي في صندل جلديّ، متعجّباً،

إنّها تشبهُ أصابع المسيح!

لكنّه لم يرفع عينيه للسماء أبداً، ليكلّم الربّ.

نهارٌ

يفتحُ علبَ السمك، فيلمع وجهُه فيها

يفتحُ الكراسي تحت الأشجار أيضاً

ومغاليق قناني اللّيمونادا

رُسمت في باطنها أجزاء درّاجة هوائية للفوز

حتى لو جمعناها كلّها ستنقصها الدوّاساتُ

نهارٌ يفرش ملاءات موائدنا على العشب

ويضع شعر الشمس البرتقالي مُستعاراً في المياه وقت الغروب.

نهارٌ طازجٌ

مثل خبز منتفخ في سلّات الشخصيات الكرتونية القديمة،

مدهون بالمربّى

لم يشبعنا أبداً

واللّحظة الواحدة كطيّات الأكورديون العديدة

تعزفُ بين يديه بروعة كبيرة

أمّا همومنا الثقيلة فقد وقفت بعيداً

كعانسات عبوسات، أدرنا لها ظهورنا العارية

إلى أن تلاشت تقريباً

مثل شفق هائل ترك تَفلته

على غيمة صغيرة ووحيدة

واختفى.

شاعر من المغرب








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي