عماد الضمور يرصد المؤثرات الأجنبية في شعر عز الدين المناصرة

2023-04-20

نضال القاسم

عن منشورات وزارة الثقافة الأردنية صدر مؤخراً للناقد والأكاديمي الأردني عماد الضمور كتاب نقدي بعنوان «المؤثرات الأجنبية في شعر عز الدين المناصرة .. ت. س.إليوت، روبرت فروست، فيدريكو غارثيا لوركا» جاء الكتاب في 116 صفحة من القطع الكبير.

ويهدف الكتاب إلى الكشف عن المؤثرات الأجنبية في شعر عز الدين المناصرة، صاحب الثقافة الواسعة، التي أسهمت في رفد قصائده بموروث فكري خصب، فضلاً عن اطلاعه على المنجز الشعري العالمي لكبار الشعراء العالميين أمثال: الأمريكيين ت. س. إليوت، وروبرت فروست، والاسباني فيدريكو غارسيا لوركا وغيرهم من الشعراء الكبار، أمثال بابلو نيرودا، فلاديمير ماياكوفسكي، عزرا باوند، ناظم حكمت، ورسول حمزاتوف، ما أسهم في بروز ملامح تأثر واضح لقصائدهم في شعره.

السبيل إلى العالمية

احتوى الكتاب على مقدمة وثلاث دراسات وخاتمة، وقد أشار المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أن الشاعر عز الدين المناصرة، أدرك منذ إصداره لديوانه الأول «يا عنب الخليل» 1968 أن الوصول إلى العالمية لا يكون إلا بالانطلاق من المحليّة، أي من داخل النص نفسه، وهذا ما جعل المناصرة يسعى منذ بداياته الشعرية إلى ترسيخ الهوية الوطنية في النفوس انطلاقاً من فكر حضاري خصب، مُستدعياً إرث أجداده الكنعانيين، وحضارتهم الخالدة ومُستلهماً موروث فلسطين وأساطيرها، وحكايات شعبها الممزوجة بروح التضحية والفداء.

أهمية الدراسات المقارنة

وقد أكد المؤلف في مقدمة الكتاب أن مواكبة الإبداع في الوطن العربي، خاصة الشعريّ منه تتطلب بحثاً في مقوماته، وروافده الفكرية، ممّا يُبرز أهمية البحث في الآداب العالمية للخروج بتصوّر معرفي، إذ لا يمكن دراسة الشعر العربي المعاصر، دون الوقوف على تفاعلاته الفنية والفكرية مع الآداب الأجنبية الأخرى، فمن الوهم أن نفهم النص الشعري المعاصر بعيداً عن مرجعياته المعرفيّة، خاصة الأجنبية منها. وعليه، فإن الاهتمام بالدراسات الأدبية المقارنة يحقق قراءة نقديّة أكثر وعياً لإبداعنا الشعري تتجاوز حدود النص، ولغته التي كُتب بها إلى الكشف عن جوانب إبداعيّة أخرى في الآداب العالمية، تشمل الأفكار والنصوص والأنساق، إذ إن ما أبدعه الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي وحتى وقتنا المعاصر قدّم للبشريّة ميراثاً أدبيّاً خالداً.

إليوت

جاءت الدراسة الأولى بعنوان (إليوت والانطلاق من المحليّة)، إذ يلمس المتأمل في شعر عز الدين المناصرة أن الشاعر الإنكليزي/الأمريكي ت. س. إليوت ترك أثراً واضحاً في تجربته الشعريّة، ويرى المؤلف أن المناصرة تأثر في بداية مسيرته الشعرية بإليوت، وقرأ نصوصه الشعرية بلغتها الإنكليزية الأصلية، وكان يحفظ قصيدة (الأرض الخراب) عن ظهر قلب. ويرى المؤلف أن المناصرة قدّم لنا في قصيدة (كنعانياذا) شخصية السيد المبارك ذات البعد اللاهوتي المقدس، فهو مصدر البركة، وحامي الأرامل ومضمد جراح الضحايا، وهي شخصية كما يرى المؤلف تقترب من شخصية السيدة المباركة التي ناجاها (إليوت) في قصيدته (أربعاء الرماد، فهي الأم المجيدة، ومصدر البركة، والهناء، وهي التي تستجيب لصراخ المحتاجين، وتنقذهم من فعل الزمن، ويرى المؤلف أن شخصية السيد المبارك في نص المناصرة ما هي إلا صدى لشخصية السيدة المباركة في شعر إليوت، لأنهما معاً لاهوتيان رغم أنهما مختلفا الجنس، فهما من بلاد كنعان، وهي موطن الأنبياء، وقد يكون هذا السيد المبارك حامل مشعل سيأتي الخلاص على يديه. كما يرى المؤلف أن استدعاء الشاعر عز الدين المناصرة لزرقاء اليمامة، يعكس في الأساس انتماء لموروث قديم، عرفه العرب، لكنه من ناحية أخرى يقترب من شخصية مدام (سوسوستريس) التي وظفّها إليوت في قصيدته (الأرض اليباب).

روبرت فروست

وجاءت الدراسة الثانية بعنوان (روبرت فروست وجمالية الشعر الرعوي)؛ وقد حاول الباحث في هذه الدراسة الوقوف على جماليات الشعر الرعوي بين الشاعرين الأمريكي روبرت فروست، والفلسطيني عز الدين المناصرة، فكلاهما يتحلّى بروح إنسانية عميقة تجلّت في ميلهما إلى الطبيعة، وما رافق ذلك من رؤيا ذات انبعاث فكري واضح، ممّا يكشف عن جذر رعوي راسخ في شعرهما، يُعلي من الطبيعة وتفصيلاتها، وينزع إلى رعويّة المكان وإضفاء ملامح الحياة عليه. ويرى المؤلف أن المناصرة يلتقي بالشاعر الأمريكي روبرت فروست لقاءً واضحاً في كثير من تفصيلات المشهد الرعوي، مما جعلهما يميلان إلى الوحدة العضوية في مضامين قصائدهما الرعوية، لتأتي أفكارهما مؤنسنة في سياق فعل مثير، يعمق من روح حياة الغابة، وإنتاجيتها للحياة، وبعد مقارنة شعر المناصرة الرعوي مع شعر فروست فقد تبين للمؤلف أن المناصرة احتفظ برؤاه الشعرية المنبثقة من بيئته وعصره، فضلاً عن معاناة الاحتلال وما تركته من أثر قاسٍ قاده إلى تعميق الروح الرعويّة وترسيخ الهوية الفلسطينية في النفوس، وإن كانت الروح الرعويّة هي التي تجمعه بالشاعر الأمريكي روبرت فروست، فإن المناصرة ـ في شعره الرعوي ـ ارتبط ببيئته العربية وقضيته الفلسطينية، خاصة في ديوانيه: (كنعانياذا) و(رعويات كنعانية)، حتى في عنوانات قصائده التي لم تفقد روحها الرعويّة، إذ تنبثق منها الأفكار بتواتراتها الصوريّة، وأنينها الذي يؤرخ للألم الفلسطيني وجرحه النازف.

لوركا

أما الدراسة الثالثة فجاءت بعنوان (لوركا وفاعلية التأثير الحضاري) وقد حاول الباحث من خلالها التعرّف على أثر الشاعر الإسباني (فيدريكو غارثيا لوركا 1898-1936) في شعر عز الدين المناصرة، ولعل الموازنة بين الشاعرين قائمة رغم عدم التلاقي التاريخي بينهما، هي علاقة تقود إلى تأثر المناصرة بالشاعر الإسباني (لوركا)، إذ إنّ شعر المناصرة مفعم بنغمة لوركيّة ذات منحى خاص، فقد عرف المناصرة شعر (لوركا) في فترة مبكرة من حياته، ثم ترسّخت هذه المعرفة في الثمانينيات من القرن الماضي، ومن الترجمات البلغارية لشعره، أثناء دراسة المناصرة في جامعة (صوفيا) البلغارية، وثمة نسبٌ شعري واضح كما يرى المؤلف يربط عز الدين المناصرة بالشاعر الإسباني لوركا، فالإيقاع الشعري في كثير من قصائد المناصرة هو إيقاع لوركا، والبنى التعبيرية هي ذاتها في شعر لوركا، بل إن معجم الحياة اليومية المستمد من الطبيعة، يظهر بشكل واضح في قصائد الشاعرين. ويرى المؤلف أن المتلقي لشعر عز الدين المناصرة يلاحظ وجود مزاج شعري، وحزن مشترك يربطه بالشاعر لوركا، كذلك يفعل المكان ممثلاً في مدينة غرناطة مسقط رأس لوركا في إيجاد روابط مشتركة بين الشاعرين، وهو يرى أن علاقة المناصرة بالشاعر لوركا ليست علاقة التابع بالمتبوع، بل هي علاقة المستبصر والمهتدي لنماذج فكرية لها طابعها الخاص، يضفي عليها المناصرة هويته القومية، وموروثه الخصب، وإذا كان لوركا قد أحدث اتجاهاً شعرياً جديداً في أمته من ناحيتي الشكل والمضمون، فإن المناصرة أسهم في ترسيخ ظاهرة الكنعنة شعرياً، وجعلها جزءاً من الهوية القومية لفلسطين، ووسيلة للدفاع عن عروبتها بعيداً عن محاولات التهويد التي يمارسها الكيان الصهيوني المحتل.

هذه هي أهم المحطات التي استوقفتنا ونحن نطالع الكتاب، ولعل قلة الدراسات الأدبية المقارنة في مكتبتنا العربية، والحاجة الماسة إليها، سوف تمنح هذا الكتاب أهمية كبيرة، خاصة أن معظم الدارسين العرب قد تصدوا للبحث المقارن في تأثير شاعر أجنبي في آخر عربي، لكن أن يجتمع تأثير أكثر من شاعر أجنبي في شاعر عربي واحد، فهذا أمرٌ يؤكد البعد الحضاري للإبداع الشعري وأصالته.

كاتب أردني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي