الشخصية الإنسانية والحضارية: الثورة اليمنية

خاص - شبكة الأمة برس الإخبارية
2010-10-29

لعله ليس من المبالغة في شيء القول بأن الأثر الذي تركته الثورة اليمنية الكبرى (سبتمبر وأكتوبر) لا يمكن إنكاره ومحوه من سجلات التاريخ إلى الأبد.
فقد مثلت هذه الثورة الهادرة والجبارة ، سفينة خلاص طال انتظارها  بحيث أنها استطاعت بحول الله الإنطلاق بشعب العربية الأولى بأقصى سرعة ممكنة ، إلى ذرى التحرر والإستقلال والعزة والكرامة ، كما لم يحدث مع أغلب ثورات العالم كون هذه الثورة اليمانية بدأت رحلتها من الدرجة صفر ، وقامت على أطلال حكم بائد كان يعيش خارج نطاق التاريخ بقرون وحقب ، وبدحر مستعمر غاشم احتل ما ليس له.
فقد مثلت الثورة اليمنية ، في شمال اليمن وجنوبه كتيبة ضوء ساطعة بحجم الشمس واستطاعت برجالها وشعبها من فتق سواد الظلمات المهيمن على فضاءات وسماوات شعب بأكمله ، وهتك ستره مرة واحدة وإلى الأبد ، موصلة أحفاد سبأ إلى مشارف الصبح الجديد وإشراقة شمس أرض العروبة الأولى مرة ثانية أمام التاريخ ، ووحدت كافة طبقات أبناء الشعب شمالا وجنوبا للدفاع والذود عن وحدتهم الوليدة والبشارة العظيمة وسفينة الإنقاذ والخلاص ، التي كانوا يعلمون جيدا بأنها ستقودهم جميعا إلى مرافئ النصر الأكيد ، وخارطة الإنبعاث من رماد الإستبداد وقيود المتحل ، وستصنع من دمائهم ألف شمس وشمس في دربهم الطويل والمنشود إلى ضحى اليمن الأغر والواحد وذلك ما حدث.


4 – الشخصية الانسانية والحضارية :


الثورة اليمنية الكبرى (سبتمبر وأكتوبر) : الشمس اليمانية الساطعة في ليل الطغيان والاحتلال الطويل التي غيرت وجه اليمن الى الأفضل وصنعت تاريخه المجيد


الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م لم تكن وليدة الصدفة او انها جاءت من فراغ بل كانت نتيجة حتمية ومنطقية انطلقت من صميم معاناة ابناء الشعب اليمني ضد الحكم الامامي الرجعي المتخلف، وشكلت مخاضاً لكل ما سبقها من حركات شعبية ثورية ضد النظام الامامي بذل فيها العرق والجهد والدماء وضحى من اجلها كثيراً من الشهداء حتى تحقق حلم ابناء الوطن في 26 سبتمبر 1962م، الذي كان لتنظيم الضباط الاحرار فيه دور وطني هام  باعتمادهم على مبدأ تغيير نظام الحكم الذي عانى منه ابناء الوطن لعقود من الزمن، وباعتبارها جزءاً من حركة الاحرار التي شملت كافة فئات الشعب، فشعروا بما كان يشعر به هؤلاء واحسوا بالالم والاضطهادات التي كان يتعذب بها شعبنا آنذاك.. فكانت ثورة تنتظرها جميع فئات الشعب، وانطلاقاً من المبادئ والاهداف السامية والوطنية للثورة التي تبلورت في ستة اهداف ومبادئ رئيسية هي:
- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما واقامة حكم جمهوري عادل.
- بناء جيش وطني قوي لحراسة البلاد وحماية الثورة ومكاسبها.
- رفع مستوى الشعب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.
- انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني يستمد انظمته من روح الدين الحنيف.
- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نظاق الوحدة العربية.
- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز والعمل على اقرار السلام ودعم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.

إعداد:مراد القدسي
لقد قوبلت هذه الاهداف لدى كل فئات الشعب وطبقاته وحظيت باهتمام شعبي واسع، ولهذا نجحت الثورة وقيام النظام الجمهوري معتمداً على خطة محكمة لاسقاط النظام الامامي بتوزيع القوات التي كانت محدودة داخل العاصمة صنعاء، وتسنى لها ذلك واحدثت صدىً واسعاً على المستوى الاقليمي والدولي باعتبارها اول جمهورية في شبه الجزيرة العربية..حيث ادت الافكار التحررية للثورة اليمنية الى المقاومة العنيفة من قبل بعض الانظمة العربية، فمنذ الاسبوع الاول لقيام الثورة ظهرت دلائل لوجود تكتل للقوى الرجعية ونشاط فعال للقوى الملكية، التي راهنت على اسقاط الثورة في بدايتها.. حيث تزعمت الثورة المضادة بعض القيادات من الاسرة الامامية البائدة التي انطلقت من الحدود الشمالية للوطن، الى جانب الدعم من قوات الاحتلال البريطاني في جنوب الوطن التي رأت في قيام الثورة خطراً عليها وعلى مصالحها في جنوب اليمن فعملت على تكوين بؤرة وجبهة مضادة للثورة اليمنية في المناطق الشرقية وعلى اراضي جنوب الوطن، والتي جعلت من بيحان مركزاً للتكتل ضد الثورة الفتية يشاركها في ذلك بعض من الملكيين الفارين، ووجدت الجمهورية ومنذ ايامها الاولى نفسها امام تهديد حقيقي وخطر جاد عليها في بداية ايامها التحررية.
وعلى الفور اتخذت حكومة الجمهورية جملة من التدابير والاجراءات الهامة في صراعها مع القوى الملكية المضادة، فاعلنت حالة الطوارئ في البلاد واتخذ مجلس قيادة الثورة (الجيش) قراراً يقضي بتشكيل الحرس الوطني واعادة تشكيل الجيش السابق ووضعهم تحت قيادة موحدة، ورفع مرتبات الجنود والضباط ومضاعفة التعيينات اليومية، الى ذلك وجهت الثورة نداءها الى كل الشباب ودعتهم للنهوض دفاعاً عن الثورة والجمهورية، وفي تلك الاثناء وتحديداً في 29 سبتمبر 1962م وصلت طلائع القوات المصرية الى اليمن واستعدت بالوقوف الى جانب الثورة اليمنية والى جانب فرق الجيش اليمني على مقاومة القوات الملكية والرجعية، ونظراً للظروف اليمنية السائدة حينذاك كانت امكانية الجيش اليمني ضئيلة ومحدودة نظراً لقلة عتادها وعدتها، لهذا لعبت القبائل اليمنية دوراً بارزاً في دعم الثورة والدفاع عنها والترصد لكل المعادين للثورة الى جانب الجيش على طريق الحرية والشرف.

استمرار المؤامرة
استمر تمركز القوى الملكية (الثورة المضادة) في شمال وشرق اليمن وبدأ انصار الملكيين وخصوصاً العناصر التي كانت لحظة قيام الثورة متواجدة في الخارج تتوافد الى مقر قيادة الثورة المضادة والقوى الرجعية المتواجدة على الحدود اليمنية - السعودية.
من جانب آخر كانت احدى الفرق الملكية في الجبهة الشرقية (بيحان) تحت قيادة ابن الحسن عبدالله والمدعومة بمبالغ مالية هائلة وكميات ضخمة من الاسلحة من الاحتلال البريطاني وبعض الانظمة العربية، والتي تمكنت من احتلال مأرب وحريب واشتد الانقسام على مستوى القبائل اذ وقف قسم من القبائل الى جانب الملكيين ضد الثورة واستلموا بالمقابل المال والسلاح مما ساعد على احتلال حرض وصعدة من قبل القوى الرجعية وحاصرت القوى الملكية مدينة حجة، ومع نهاية ديسمبر 1962م ترسخ نفوذ الجمهورية العربية اليمنية دولياً، اذ اعترفت بالجمهورية الفتية ما يزيد عن خمسين دولة واصبحت عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
ولكن كان الوضع السياسي الداخلي في البلاد يزداد تعقيداً، ولتقوية وترسيخ النظام الجمهوري تم تنفيذ جملة من التدابير والخطوات الهامة، فتم تشكيل عدد من التشكيلات العسكرية الجديدة للجيش اليمني وفرق الحرس الوطني طعمت بقوات مصرية، الأمر الذي مكن من ايقاف تقدم القوات الملكية نحو العاصمة صنعاء.

معركة صعدة
إلا أن ذلك لم يمنع من ازدياد تحركات القوى المعادي للثورة، فتم ارسال حملة عسكرية في اكتوبر 1962م بقيادة عبدالرحمن الترزي وعدد من الضباط الى حرف سفيان، وبمساندة حملة شعبية بقيادة النقيب امين ابو راس، وتقدمت الحملة باتجاه صعدة بعد نزع الالغام وتم قصف مواقع القوى الملكية واستقبل ابناء صعدة القوات الجمهورية بهتافات «تحيا الثورة».

معركة مأرب
ونظراً لتمركز القوى الرجعية في منطقة بيحان تم محاصرة مدينة مأرب من الملكيين فتم ارسال حملة عسكرية قوية لفك الحصار عن مدينة مأرب وتطهيرها من فلول الملكية بقيادة الملازم علي عبدالمغني، تحركت الحملة في 3 اكتوبر 1963م عن طريق جحانة لتواصل سيرها باتجاه مدينة صرواح عبر طريق العرقوب والاعروش ودخلت الحملة صرواح دون ان تواجه اية مقاومة، واستقبلهم قائد الحامية العسكرية في صرواح ومشائخ وشباب قبيلة جهم وسط هتافات المواطنين ب«تحيا الثورة والجمهورية»، وتحركت الحملة باتجاه مدينة مأرب بعد ان انضم اليها جماعة من ابناء المنطقة، إلا أن الحملة واجهت مقاومة بوضع كمين عند باب الضيقة، فعبرت القوات منطقة الكمين لتسقط عدداً من المصفحات في كمين حفر لها وسط الطريق كانت مغطاة باوراق الاشجار، فبدأ افراد الكمين باطلاق النيران بغزارة من الخلف والجنب على القوات الجمهورية، واستمر القتال دائراً لمدة ثلاث ساعات استشهد خلال هذه المعركة قائد الحملة العسكرية البطل علي عبدالمغني وعدد من الافراد وجرح آخرون، ثم عززت قيادة مجلس الثورة حملة عسكرية كبيرة وشعبية الى منطقة صرواح لطرد المرتزقة من صرواح ومأرب، وقبل ان تبدأ الحملة هجومها اصدر عبدالرحمن البيضاني اوامره بالانسحاب الى الخلف لكي يضرب المناطق الشرقية بالغاز السام على حد تعبير البيضاني ولكن الصحيح لكي يستطيع المرتزقة تثبيت قواعدهم في تلك المنطقة.

معركة قعطبة
بعد ايام من قيام الثورة  تعرضت مدينة قعطبة للعدوان عن طريق الاحتلال البريطاني القابع في مدينة عدن، حيث بدأ بحشد المرتزقة لغزو منطقة قعطبة، إلا أن الحامية العسكرية الجمهورية المتواجدة هناك تصدت واستطاعت ان توقف الزحف المعادي حتى وصلت التعزيزات العسكرية لقوات الثورة من مدينة اب بقيادة الملازم احمد الكبسي، ومن تعز قوات بقيادة الملازم علي محمد الضبعي وتم تطهير المرتزقة من منطقة قعطبة وجبال مريس.

معركة حريب
ونظراً لقرب منطقة حريب من تمركز القوات المعادية للثورة في منطقة بيحان الا أن الحامية العسكرية المتواجدة في حريب لم تقو على الصمود، وعلى اثر ذلك فرت مجموعة من مشائخ مراد الحريبات والمصعبين وتم استقبالهم في صنعاء واعطاء قيادة الثورة المعلومات الخاصة عن التحركات البريطانية في بيحان وحريب، ووفق تلك البيانات تم تجهيز حملة عسكرية وشعبية انطلقت من مدينة رداع لدحر القوات الملكية من مدينة حريب، ولكن الحملة اصطدمت بكمين معادٍ عند عقبة ابلح واستشهد قائد الحملة مع كثير من المقاتلين.
وفي اوائل ديسمبر 1962م نجحت حملة الشيخ احمد عبدربه العواضي في الاستيلاء على منطقة حريب باعتبارها احدى البوابات الرئيسية للعدوان البريطاني.

معركة الجوف
كغيرها من المناطق التي كانت تنطلق منها القوات المعادية للثورة تم تجهيز حملة عسكرية بقيادة الشهيد محمد مطهر زيد وأخرى شعبية بقيادة الشيخ امين عبدالواسع نعمان، إلا ان الحملة لم تستطع اجتياز الطريق امام كثافة النيران المعادية التي كان يمتلكها المرتزقة وقدرتهم الفنية على استخدام الهاونات، إلى ان احدثت كارثة سنوان التي ذهب ضحيتها عدد من العسكريين والمدنيين شهداء الثورة والجمهورية، وهذه مجرد اشارة عابرة الى ابرز ما واجهته الثورة من صعوبات وعوائق في بدايتها الاولى. ورغم التحسن الكبير في مواقع القوات الجمهورية غير ان ذلك لم يتحول الى نجاح حاسم، حيث تواصلت الصدامات الحدودية وعلى الاخص في شرق البلاد مع قوات المرتزقة من الاحتلال البريطاني، والاشتباكات مع الملكيين في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية.


مؤتمر خمر للسلام.. مايو 1965م.
نظراً لتشديد القوات المصرية بمنع وفرض حظر العمل السياسي، الأمر الذي دفع بالزبيري والنعمان والارياني الى تقديم استقالتهم من مناصبهم والخروج من العاصمة في ديسمبر 1964م لتأسيس حركة معارضة علنية لتحقيق الاهداف المرجوة لهم، ولذلك دعا الزبيري الى عقد مؤتمر شعبي موسع يعقد في مدينة خمر يقرر مصير الشعب اليمني وينقذه من الحروب الطاحنة، في حين كانت البلاد تعيش تحت ضربات الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية التي استهدفت افراغ الثورة من محتواها الفكري والسياسي والتقدمي.
الا أن سقوط أبي الاحرار محمد محمود الزبيري شهيداً في جبال برط حين كان يدعو الى عقد مؤتمر وطني في ظروف غامضة لم يتمكن من حضور مؤتمر خمر، وقد فجر استشهاده موجة تذمر شعبي وبتنحي اللواء العمري رئاسة الحكومة وتعيين النعمان رئيساً للوزراء قام بتشكيل حكومته الجديدة في اجواء خالية من الضغوط ليذهب مشاركاً في مؤتمر خمر ويترأس مؤتمر خمر للسلام، وشكل الجيش وفده في ذلك المؤتمر برئاسة العقيد علي سيف الخولاني وباعتذار الوفود الشعبية عن عدم المشاركة من المنحازين الى صف القوى المضادة تلخصت بنود ممثل الجيش في ثلاثة بنود رئيسية هي:
- الجمهورية.
- الوحدة الوطنية، وحدة التراب الوطني.
- عدم قبول اي فرد من أسرة آل حميد الدين.
استطاع الخولاني ان يلعب دوراً فاعلاً في تقريب وجهات النظر المتباينة للحيلولة دون اي اختراق معادٍ للنظام الجمهوري.

توصيات مؤتمر خمر للسلام
1- تشكيل هيئة دائمة للسلم الوطني.
2- منح الثقة للحكومة الجديدة.
3- ضرورة ارسال وفود الى جميع الدول العربية لإنهاء حالة الحرب.
4- تنفيذ المطالب الأساسية التي وضعها الشهيد الزبيري ورفاقه وتتلخص في:
- تعديل الدستور.
- اقامة مجلس جمهوري.
- قيام تنظيم شعبي كامل.
- اقامة مجلس الشورى.
- تكوين جيش وطني.
- تأليف مجلس دفاع وطني.
- تشكيل محكمة شرعية لمحاكمة العابثين بأموال الشعب.
- الشكر و التقدير للجمهورية العربية المتحدة على ما قدمته من عون للثورة والشعب.
- التحية والاكرام الى الثوار في الجنوب.

بروز قوى المنشقين
وبعد ان انفض مؤتمر خمر للسلام تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الاستاذ احمد محمد نعمان، وخلال هذه الفترة وفي ظل هذا الجو الساخن برزت قوى المنشقين واطلقت على نفسها القوة الثالثة والتي كانت مدعومة من بعض دول الجوار، قسم منها ذهب الى المملكة العربية السعودية بقيادة الشيخ علي بن ناجي القوسي، والقسم الثاني الى لبنان وعند وصولهم الى هذه الدول التقوا بزملائهم المشائخ المنحازين الى صف المعسكر الملكي، وهيأت لهم هذه الدول عقد مؤتمر موسع بمدينة الطائف لمناقشة قضية الحرب.. في اليمن في 10 اغسطس 1965م بدأ المؤتمر جلساته الى يوم 14 من نفس الشهر وتوصلوا الى توقيع اتفاقية للسلام عرفت باتفاقية «الطائف» تضمنت حلولاً وسطية لا جمهورية ولا ملكية على ان يحل محل النظام الجمهوري نظام دولة اليمن الاسلامية، و لذلك قوبلت اتفاقية الطائف بالرفض.
وفي 24 اغسطس 1965م تم التوقيع على اتفاقية جدة بين الملك فيصل وجمال عبدالناصر، التي كانت تمثل الوجه الثاني لاتفاقية الطائف وحينها تأرجح الموقف اليمني بين الرفض او القبول بهذه الاتفاقية، وعقدت عدة اجتماعات رسمية وشعبية وفي الأخير توصلت القيادة السياسية الى قرار الدخول في مؤتمر حرض لمناقشة اتفاقية جدة.

مؤتمر حرض
من ناحية ثانية كانت القيادة العسكرية اليمنية قد بادرت الى اتخاذ بعض الاجراءات العسكرية الدفاعية والأمنية بامكاناتها الذاتية، اذ حاولت القوات المصرية ان تصر على موقفها من اتفاقية جدة وهنا كثف الشباب العسكري والمدني نشاطهم في تعبئة الجماهير ضد حملات المساومات وقوى الردة والانهزامية، وتشكل الوفد الجمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن الارياني وكان الوفد الملكي برئاسة احمد محمد الشامي.. وفي يوم 24 نوفمبر 1965م بدأ مؤتمر حرض اولى جلساته الرسمية تحت الرقابة المصرية والسعودية، وطلب الوفد الملكي ان تشكل حكومة ائتلافية دون ان يبقى النظام الجمهوري قائماً حتى تتم عملية الاستفتاء الشعبي عن نوع النظام الذي يقرره الشعب لنفسه، ولكن الوفد الجمهوري رفض رفضاً قاطعاً ان يسمح بالنقاش حول النظام الجمهوري وخير الوفد الملكي باجراء عملية الاستفتاء فوراً وانتهى مؤتمر حرض بالفشل.
والحقيقة ان الشعب اليمني وقف موقفاً صارماً أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الجمهورية او الموت والدليل على ذلك ان الكتيبة الرابعة من لواء الثورة المرابطة في منطقة حرض بقيادة المقدم عباس محمد الشامي كانت في حالة استنفار قصوى تعد لعملية انتحارية في حالة التواطؤ على النظام الجمهوري من قبل المشاركين في مؤتمر حرض، وفي تلك الأثناء كان بديهياً ان تتلاشى موجة المعارضة للحكم في ظل الجو المتوتر القائم وان تنام المعارضة والنزاعات الداخلية ولكن على ارضية ملغومة الى ان عاد المحتجزون من القاهرة في اكتوبر 1967م، حيث اشعلوا الفتيل وفجروا حركة 5 نوفمبر 67م الانقلابية في ظروف كانت ادعى الى وحدة الصف لأن القوات المصرية قد شرعت في شد رحالها من اليمن والعدو المشترك قد شرع بمد نطاق الحصار على العاصمة صنعاء.

حصار السبعين يوماً وما بعده
ومنذ نكسة يونيو 1967م بدأ جمال عبدالناصر يفكر جدياً في عودة القوات المصرية من اليمن، ولذلك اعلنت مصر في مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في الخرطوم اغسطس 1967م اقتراحها باعادة احياء اتفاقية جدة، وفي مؤتمر القمة وافقت مصر والسعودية على اتفاقية الخرطوم القاضية بسحب القوات المصرية ابتداءً من 15 اكتوبر لتنتهي في نهاية ديسمبر 1967م انهى الجانبان مساعداتهما المباشرة في اليمن غير ان السلال اعلن رفض الاتفاقية وعند وصول اللجنة الثلاثية في اكتوبر 1967م قوبلت بمظاهرة شديدة في صنعاء، فعادت الى القاهرة في الحال غير ان الانسحاب المصري بدأ بالفعل وهذا وفر شهية لا حدود لها لدى الملكيين للانقضاض على النظام الجمهوري.
لكن الرئيس السلال بدأ يستعد لتطوير القدرة القتالية للجيش فكان قد ارسل نائبه عبدالله جزيلان الى موسكو على رأس وفد بهدف الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية مباشرة، فعزم على السفر الى موسكو بنفسه لاستعجال ارسال المساعدات العسكرية السوفيتية.
وكانت الاستعدادات الملكية جارية بهدف محاصرة صنعاء بقوة كبيرة مجهزة باحدث الاسلحة، وقد ثارت شكوك لدى المؤيدين للثورة كالاتحاد السوفيتي ومصر عقب حركة 5 نوفمبر 1967م في قدرة الجمهوريين على الصمود امام الهجمات من الجانب الملكي، مما جعل الامداد بالسلاح والذخيرة والمؤن امراً صعباً بل وانسحبت كل السفارات من العاصمة ولم تبق سوى سفارتي الصين والجزائر.
وقد رأى الملكيون أن ما حصل من انشقاق في صف الجمهوريين وانسحاب القوات المصرية من اليمن وعدم امداد الجمهوريين بالسلاح والذخيرة من مصر والاتحاد السوفيت يجعل النظام الجمهوري في وضع ضعيف يمكن الانقضاض عليه واسقاطه بسهولة بحسب رأيهم.
ان احتلال مناطق ومدن نائية وقطع طرق الامداد على الجمهوريين لم يكن له فائدة كبيرة.. ان احتلال صنعاء هو الخيار الوحيد لحسم الموقف وستسقط كل الحسابات فتسقط بعد احتلالها مواقع الجمهوريين ويتم الاستيلاء على السلطة.
وفي ذلك هاجم الملكيون القوات الجمهورية في كل مكان وبدأوا بالضغط على صنعاء من خلال محاولتهم الاستيلاء على الجبال المحيطة بصنعاء، كما أن الجمهوريين ادركوا اهمية تلك السلسلة الجبلية فتسابق الجانبان الى احتلالها والتمركز فيها لما تشكله من اهمية بالغة للدفاع او الهجوم و نتيجة لقطع الطرق وحصار صنعاء تعذر وصول الامدادات والتموين إلى صنعاء وهو هدف الملكيين، كما انهم ركزوا في قصفهم من الجبال التي سيطروا عليها على قصر السلاح الذي يعتبر المخزن الاستراتيجي لتغذية القوات الجمهورية ما ادى الى وقف الامداد والتموين.

لكن المدينة الباسلة لم تستسلم فأخرج سكان صنعاء كل ما لديهم من مخزون سلعي وساعدوا المدافعين بكل ما كانوا يطلبونه وتحول الكثير من ابناء اليمن وصنعاء خاصة الى مقاومة شعبية، والتحق الكثير بالقوات المسلحة وفرضت الرقابة على النشاط التجاري على السلع التي تم تحديدها والالتزام بها، كما تمت مصادرة السلع المخفية.
واخترقت المحافظات الاخرى الحصار المطبق على العاصمة فدفعت كل المحافظات بالمساعدات من المواد الغذائية والذخيرة والرجال عبر طرق مختلفة واهمها عن طريق الطيران المدني الذي كان يتعرض لنيران الملكيين، ويهبط في المطار الجنوبي (ميدان السبعين حالياً).
تماسك الصف الجمهوري واتخذ موقفاً قوياً في الدفاع عن عاصمة الثورة والنظام الجمهوري وعدم التسليم او الاستسلام، فاستبدلت حكومة العيني بحكومة العمري في 21 ديسمبر 1967م لمواجهة الظروف العسكرية الجديدة ومجابهة خطة الملكيين المهاجمين التي وضعها عدد من المرتزقة وعلى رأسهم الجنرال الامريكي «كوندي» والجنرال بوب دينار، والتي تتكون من شقين اقتصادي وعسكري حيث كانت تقضي بقطع طرق الامداد والتموين عن العاصمة ومنع الدخول اليها او الخروج منها والانقضاض السريع على المواقع العسكرية، والضرب الشديد بالمدفعية بعيدة المدى على المعسكرات والمطارات والاذاعة والكهرباء والقصر الجمهوري والضرب العشوائي على العاصمة لنشر الذعر بين اهالي المدينة.
وتوقع الملكيون ان تنهار المدينة وان تفعل المجاعة فعلها فيقومون بتحطيم دفاعات المدينة واختراقها بمساعدة من داخلها، لكن المدينة كانت قادرة على اطعام نفسها وعلى حماية نفسها من كل اختراقات الطابور الخامس الذي كان الملكيون يتوقعون منه المساعدة، الا ان المدافعين كانوا حذرين من هذه الفئة وتعاملوا معها بما أملت عليهم المواقف والظروف.

ورغم ان القوات الملكية المهاجمة لصنعاء قد تجاوزت 50 الف مسلح و8 آلاف جندي نظامي ولم يكن عدد المدافعين عند بدء الحصار سوى اربعة آلاف جندي بمن فيهم قوات المقاومة الشعبية والجيش الشعبي - اي بنسبة 1 من الجنود الجمهوري الى 7 من جنود الملكيين- الا ان خطة الجمهوريين العسكرية بدأت اولاً بتجميع الوحدات القريبة من صنعاء «المظلات، والصاعقة، ولواء النصر» وجهزتهم مع الوحدات الاخرى والمقاومة الشعبية والقوات الشعبية وقسمت ساحة القتال الى اربعة محاور رئيسية، فالمحور الشمالي بقيادة قائد قوات المظلات والغربي بقيادة قائد سلاح المشاة والجنوبي بقيادة قائد الصاعقة.
وقامت مراحل خطة الدفاع خلال فترة الحصار بثلاث مراحل، الاولى يتم فيها الصمود في الدفاع فقط حتى يصبح الجنود جزءاً من المواقع بمساعدة الطيران العسكري، والثانية بالاغارة على الاهداف المحددة والانقضاض السريع على مواقع الملكيين والتسلل خلف خطوط العدو لارباك قواته وتدمير اسلحته، أو الحصول عليها وعلى الاسرى والعودة وفتح ثغرات في تحصينات الملكيين والقيام بعمليات انتحارية لتدمير اسلحة العدو.
وقضت المرحة الثالثة من الخطة بالهجوم المكثف لانزال اكبر خسارة ممكنة بالملكيين المهاجمين لاجبارهم على ان يتحولوا الى موقف دفاعي والسيطرة على الطرق بعد محاولة فتحها.

فك الحصار
وبعد حصار واجهته صنعاء بصمود مدة 70 يوماً تمكن الجمهوريون بدعم الجيش والمقاومة الشعبية والقبائل من فك الحصار ودحر الملكيين في هزيمة عسكرية اعتبرتها النخب السياسية والعسكرية ايذاناً بأن الثورة اليمنية وجدت لتبقى، وأنه يستحيل انهاء النظام الجمهوري عسكرياً وان مستقبل الملكية في اليمن قد اغلق الى الأبد لما تملكه الثورة من قوة ذاتية يكفل لها الاستمرار، ولأنها خيار شعبي عام غير قابل للمساومة او التفاوض على اسقاطه اوالتراجع عنه.
واعاد خبراء الاستراتيجية العسكرية انتصار الثورة وانهزام الملكيين الى عوامل داخلية وخارجية..اهمها الصمود البطولي للقوات المسلحة والامن والمقاومة الشعبية والجيش الشعبي، وتهيب الملكيون من اختراق مواقع المدافعين وتم ضرب القوى الملكية في مختلف المناطق والعمق البشري والجغرافي الذي يدين بالولاء للنظام الجمهوري ما أثر في صمود المدافعين وعدم اتحاد القوى الملكية التي انقسمت الى ثلاث مجموعات متباينة، ثم ان المقاتل الملكي لم يكن له قضية بعكس المقاتل الجمهوري الذي يقاتل لاجل قضية وهي الثوة والنظام الجمهوري، وكذلك افتقار الملكيين الى الطيران الحربي، ايضاً استقلال جنوب الوطن شكل عنصراً جديداً وسنداً قوياً عزز من صمود صنعاء.
والعوامل الخارجية تمثلت في استمرار دعم مصر وسوريا في مساندة الثورة اليمنية عسكرياً ومعنوياً كذلك الجزائر والاتحاد السوفيتي والصين الشعبية.

والحقيقة أن أحداث حصار السبعين يوماً والنضال المستميت والصمود التاريخي للجيش والمقاومة الشعبية وسكان العاصمة صنعاء يعد من أهم محطات انتصار الثورة اليمنية لكونها شكلت حداً فاصلاً بين الحق والباطل.
فما أعظم ذلك التلاحم الوثيق بين القيادة والشعب والجيش والمقاومة الشعبية وصمودهم بصلابة وتفاني أمام فلول الإمامة الكهنوتية ومرتزقتها الذين كانوا يقصفون صنعاء بالمدفعية من مواقعهم فوق الجبال المحيطة بصنعاء في محاولات يائسة لإسكات أصوات الثورة والجمهورية وإسقاط صنعاء.. ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل والهزيمة النكراء أمام ذلك الاصطفاف والنضال الوطني الراسخ الذي هز الجبال من تحت أقدام أعداء الثورة والجمهورية.. حيث كان الجميع في صنعاء (جيشاً ومقاومة شعبية ومتطوعين ورجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً) قلباً واحداً وصفاً واحداً مدافعين عن صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية اليمنية وتحمل الشعب الصامد في صنعاء بصبر وثبات قسوة أزمات الغذاء والكهرباء والماء وغيرها.. والتي في خضمها برزت عبقرية إدارة الأزمات من شخصيات وطنية لن ينساها التاريخ.. ناهيك عن الصبر والتجلد النادرين على الإصابات البالغة من القذائف المدفعية والدور الإيجابي الفاعل للخدمات الإسعافية والطبية الذي قام به مجموعة من الأطباء اليمنيين والأصدقاء الصينيين.
كما قام الإعلام بدور وطني كبير في توعية الجماهير وإلهاب حماسها من خلال الخطاب الوطني الزاخر بالثورية والوطنية الصادقة والأناشيد والأغاني الوطنية التي كانت تهز المشاعر والوجدان وتزيدهم إصراراً على الصمود ومواجهة أعداء الثورة والجمهورية ودحرهم من الجبال وتلقينهم دروساً قاسية وهزائم نكراء ليؤكد الشعب اليمني بتلك الملحمة أن الثورة وجدت لتبقى وتستمر على رغم أنف كل الحاقدين والمارقين ودعاة الارتداد والارتزاق وما أحرانا اليوم باستيعاب دروس ودلالات تلك الملحمة العظيمة التي تجسدت فيها أبلغ معاني الوحدة الوطنية لأبناء الشعب اليمني من مختلف مناطقه وشرائحه ليشكلوا بذلك التلاحم الكبير صمام أمان الثورة وحاضر ومستقبل اليمن الجديد.

ثورة 14 اكتوبر تسلسل تاريخي


مثل الرابع عشر من أكتوبر من عام 1963، انطلاق الشرارة الأولى للثورة في جنوب الوطن اليمني الواحد  ضد الاستعمار البريطاني، بقيادة الشهيد راجح بن غالب لبوزة، والتي دامت أربع سنوات، خاض خلالها المناضلون مواجهات عسكرية مع القوات البريطانية في جميع جبهات القتال زلزلت مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني، حتى نال جنوب الوطن استقلاله من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، بعد احتلال دام 129 عاماً. ونرصد في هذا الإطار أهم الإرهاصات الأولى لثورة الـ14 من أكتوبر.

1950
27 ديسمبر: مثَّل هذا اليوم ذروة الانتفاضة الوطنية لأبناء مدينة المكلا ضد عملاء الاستعمار، الذين عبروا عن رفض أبناء حضرموت للهيمنة الاستعمارية وتوقهم للخلاص من الوجود الاستعماري.

1954
4 يناير: بريطانيا تبدأ بوضع مخطط بشأن إقامة اتحاد الجنوب العربي الذي يضم المحميات الغربية والشرقية لمستعمرة عدن. جاءت فكرة الاتحاد في خطاب ألقاه الحاكم البريطاني على عدن (توم هيكتبوثام) في اجتماع دعا إليه سلاطين ومشايخ "محميات عدن الغربية". وكان هدف الاتحاد -كما كشف عنه الخطاب- إقامة اتحاد فدرالي يضم محميات عدن الشرقية، وآخر يضم محميات عدن الغربية مع الإبقاء على مدينة عدن بمثابة كيان قائم بذاته ومنحه حكماً ذاتياً في إطار الكومنولث البريطاني. يذكر أن الاستعمار البريطاني قد عمل على تقسيم جنوب الوطن إلى 21 إمارة وسلطنة ومشيخة بالإضافة إلى مستعمرة عدن. وكان لكل منها كيانها السياسي والإداري وحدودها وعلمها وجواز سفرها وجهازها الأمني، والمرتبطة في الأخير بالمندوب السامي البريطاني في عدن.

1955
14 فبراير: بدأت التمردات القبلية ضد التواجد البريطاني في إمارة الضالع بمقتل أحد المسؤولين البريطانيين العاملين في عدن ويدعى "موندي" عند زيارته للمستشار البريطاني في الضالع على يد اثنين من حراسة حاكم الضالع، تمكنا من الفرار إلى قعطبة إثر تنفيذ هذه العملية الشجاعة.

1956
3 مارس: تأسيس المؤتمر العمالي في عدن، وهو اتحاد ضم 26 نقابة عمالية ومهنية، تولى قيادة الحركة العمالية في عدن والمطالبة بحقوقها. وكان من أهدافه تحقيق الوحدة اليمنية.
21 ديسمبر: القوات البريطانية في الضالع تلاحق رجال قبائل الاحميدي والاحمدي والمحاربة والازارق وهديان، بعد تعرض المراكز العسكرية البريطانية لهجمات متكررة من قبل أولئك الرجال أدت إلى مقتل وجرح العديد من أفراد تلك المراكز. وقد جاءت تلك الهجمات عقب تزويدهم بالسلاح من قبل حكومة الشطر الشمالي.

1957
19 فبراير: المركز العسكري البريطاني في الحرف منطقة الازارق - إمارة الضالع يسقط بيد مجاميع من قبائل الاحمدي والمحاربة والازارق واستسلام جميع أفراده.
24 فبراير: مقتل جندي بريطاني وجرح ستة آخرين بعد تعرض دوريتهم لكمين نصبه عدد من قبائل الضالع في منطقة الازارق ذي جلال، وقد سارعت السلطات البريطانية إلى إرسال قوات إسناد تتكون من فرقة من حرس الحكومة وأخرى من "الكاميرون هايلا ندوز" وكتيبة من جيش محمية عدن.
مارس: الطيران البريطاني يقصف عددا من القرى في الازارق والمحاربة وبني هديان ويدمر قرية الذنية (الازارق) تدميرا كاملا، فلجأ الأطفال والنساء والشيوخ إلى كهوف الجبال مأوى لهم طيلة فترة القصف التي دامت تسعة شهور متواصلة. وبعد توقف العمليات الجوية لم يعودوا إلى قراهم بل توجهوا إلى مدينة قعطبة. وقبيل إنهاء البريطانيين للعمليات الجوية تمكن عدد من قبائل المحاربة من إسقاط طائرة عسكرية بريطانية بعد أن اعتلوا قمة أحد المرتفعات وأمطروها بالرصاص فسقطت وقتل طيارها الذي أرسل رأسه ويده إلى نائب الإمام في إب، فكافأهم بمائة بندقية "بشلي" وكمية من الرصاص ومبلغا ماليا.

1958
22 ابريل: المئات من قبائل إمارة الضالع ومعهم بعض من قبائل حالمين وردفان، يحاصرون مركز الحرس الحكومي في رأس جبيل جحاف، حيث وجد نائب المستشار البريطاني في الضالع "روي سومر ست" نفسه محاصرا في المركز بعد وصوله إليه للتحقيق في عدد من الحوادث التي جرت في الجبل، وكان رجال القبائل قد سيطروا على الجبل بأكمله بعد معارك شرسة مع القوات البريطانية. وقد جاءت هذه العملية بعد استدعاء مشايخ وأعيان وعقال إمارة الضالع وغيرهم من مشايخ حالمين وردفان ممن كانوا قد حصلوا على السلاح من الإمام، استدعوا إلى قعطبة وكلفوا من الإمام بواسطة نائبه في إب، بشن هجوم على جبل جحاف والسيطرة عليه ومن ثم التقدم نحو الضالع، إلا أن السلطات البريطانية تمكنت من فك الحصار يوم 2 مايو 1958 بعد معركة شرسة.
.. ابريل: عدن تشهد إضراباً عاماً شمل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بسبب الغلاء وتدفق الهجرة الأجنبية إلى المدينة بتشجيع من السلطات الاستعمارية البريطانية، التي كانت في يناير 54 قد أصدرت قانوناً للهجرة، أعطى الأولوية لهجرة الأجانب إلى عدن، ووضع قيوداً مشددة على أبناء المحميات وشمال اليمن من دخولها، الأمر الذي أثار مخاوف الحركة الوطنية من أن تطبيق هذا القانون سيؤدي إلى غلبة العنصر الأجنبي في المدينة، وكان القانون قد منح الأجانب حق المواطنة بمجرد بقائهم في عدن عدة سنوات، إذ استقبلت عدن ما بين عامي 53 و56، 27 ألف مهاجر أجنبي سنوياً، بالإضافة إلى قانون الهجرة، أصدرت السلطة البريطانية قانون الجنسية الذي أطلق عليه "قانون التعدين" حددت فيه الشخص الذي يحق له حمل الجنسية العدنية وممارسة الحقوق السياسية. كما أعطى القانون حق المواطنة للبريطانيين وكل أبناء دول الكومنولث، وحرم منها أبناء اليمن شمالاً وجنوباً.

1959
11 فبراير: الإعلان رسمياً عن تأسيس "اتحاد إمارات الجنوب العربي" وضم سلطنة الفضلي وسلطنة العواذل وإمارة بيحان وإمارة الضالع ومشيخة العوالق العليا وسلطنة يافع السفلى. وأنشئ للاتحاد مجلس وزراء باسم "المجلس الأعلى" من ممثل واحد عن كل إمارة من الإمارات الست، ومجلس تشريعي باسم "المجلس الاتحادي" من ستة ممثلين عن كل ولاية. وعلى مدى الأعوام الأربعة التالية انضمت إلى الاتحاد كل من سلطنة لحج ومشيخة العقارب وسلطنة العوالق السفلى وولاية دثينة وسلطنة الواحدي. وفي ابريل 62 أصبح اتحاد إمارات الجنوب العربي يعرف باسم "اتحاد الجنوب العربي" وفي يناير 1963 انضمت "المستعمرة" عدن إلى عضوية الاتحاد. أما سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة (محميات عدن الشرقية) فقد رفضت الانضمام إلى الاتحاد. وبرغم ترحيب المجتمعين من سلاطين ومشايخ بما طرح إلا أنهم ما لبثوا أن اختلفوا على رئاسة الاتحاد وهو ما أجل إقامته لعدة أعوام، إلا أن الإدارة البريطانية ظلت في جهودها لتحقيق ذلك مستخدمة مختلف وسائل الترغيب والترهيب، بهدف خلق كيانات إقليمية في المحميات يتولى الحكم فيها من ترضى عنهم تمهيداً لمنحها شكلاً من أشكال الاستقلال وبالتالي قطع الطريق أمام الحركات الوطنية المطالبة بالتحرر التام.
.. فبراير: جرت انتخابات المجلس التشريعي لعدن، المكون من 23 عضواً، منهم 12 بالانتخاب والـ11 الآخرون بالتعيين، وذلك على النحو التالي: الأعضاء المنتخبون 9 أعضاء عرب، عضوان عن الجالية الصومالية، وعضو واحد هندي، و11 عضواً بالتعيين.
كانت أكثرية المنتخبين لهذا المجلس هم من دعاة "عدن للعدنيين" الذين ساعدهم على دخول المجلس مقاطعة أكثرية العناصر الوطنية لهذه الانتخابات، التي وصفت بأنها مزيفة.

1962
25 سبتمبر: شهدت مدينة عدن مظاهرات حاشدة احتجاجاً على مشروع السلطات الاستعمارية البريطانية بدمج المدينة بالاتحاد الفيدرالي، وقد قامت السلطات البريطانية بقمع المظاهرات بوحشية.
26 سبتمبر: قيام الثورة والإطاحة بالحكم الملكي، وإعلان النظام الجمهوري، وقيام الجمهورية العربية اليمنية، وتسمية الزعيم عبد الله السلال أول رئيس للنظام الجمهوري.
19 أكتوبر: صدور دستور مدينة عدن الذي أعدته وأصدرته السلطات الاستعمارية البريطانية لأول مرة منذ احتلالها في 19 يناير عام 1839.

1963
24 فبراير: عقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر "القوى الوطنية اليمنية" حضره أكثر من 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب. وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة. وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وذلك على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي، حيث استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل" أخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوبا وحيدا وفعالا لطرد المستعمر. وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي، وبعد اجتماعات عدة عقدتها اللجنة التحضيرية، أقرت في 8 مارس 1963 نص الميثاق القومي الذي كان يتألف من مذكرة والميثاق نفسه، وبرز في صدر الميثاق شعار الجبهة "من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية". وفي مايو 1964 نشرت الوثيقة الموضحة للخط السياسي لهذا التنظيم.
19 أغسطس: إعلان تأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل". وتم تشكيل قيادة الجبهة من 12 شخصاً. وقد تكونت الجبهة من خلال اندماج سبعة تنظيمات سرية أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، وهي: حركة القوميين العرب، الجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل)، ثم التحقت ثلاثة تنظيمات أخرى بالجبهة القومية، وهي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، منظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
أغسطس: أبناء ردفان يستقبلون الثوار العائدين من شمال الوطن بقيادة غالب بن راجح لبوزة، بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الوليدة.
14 أكتوبر: انطلاق الشرارة الأولى لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 في جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة. وقد شنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة "الأرض المحروقة"، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.
10 ديسمبر: خليفة عبد الله خليفة ينفذ عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، وأسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لها في عدن. وكانت هذه العملية الفدائية التي أعاقت هذا المؤتمر هي البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة.
11 ديسمبر: صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني. وفي عام 1965 اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

1964
7 فبراير: أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج).
3 ابريل: شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها.
28 ابريل: مجموعة من فدائيي حرب التحرير يشنون هجوماً على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان).
14 مايو: قامت طائرات بريطانية بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ"الذئاب الحمر".
22 مايو: ثوار الجبهة القومية في ردفان يصيبون طائرتين بريطانيتين من نوع "هنتر" النفاثة.
24 يوليو: انطلاقة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه في إمارة الضالع بقيادة علي احمد ناصر عنتر، عقب عودة عدد من الشباب من مدينة تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينظموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني. وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية، حيث سلم لكل مقاتل بندقية "خشبي" وثلاثمائة طلقة رصاص وقنبلتين.

1965
19 يونيو: سلطات الاحتلال البريطاني تصدر قانون الطوارئ، إثر اشتداد الأعمال الفدائية على قواتها، وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بأبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.
22 يونيو: الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل تعقد مؤتمرها الأول في تعز، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن. واعتبرت نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمني المحتل. وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية والميثاق الوطني.
30 يوليو: إصابة القائد الميداني علي شائع هادي بثلاث طلقات رصاص، عند قيادته لفرقة اشتركت مع فرقة أخرى بقيادة علي احمد ناصر عنتر، في هجوم على سرية بريطانية كانت قد تمركزت بنفس اليوم حول دار أمير الضالع، لتعزيز الحراسات لحمايته من هجمات الثوار.
25 أغسطس: الجبهة القومية ترفض نتائج مؤتمر جدة بين الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، ونعتته بـ"مؤتمر الخيانة"، ورفضت أي حلول أو تسوية مع الملكيين باعتبار ذلك تهديدا للنظام الجمهوري وإضعافا للثورة في الجنوب.
2 أكتوبر: بريطانيا تعلن عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968، وانتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة تسفر عن خسائر كبيرة بشرية ومادية.
18 أكتوبر: قيادة جبهة الضالع تتلقى دعما ماليا من المغتربين اليمنيين في المملكة المتحدة بلغ ثمانمائة وعشرين ريالا "ماريا تريزا" مساهمة منهم في دعم الكفاح المسلح ضد المستعمر الأجنبي.

1966
22 فبراير: أصدرت الخارجية البريطانية "الكتاب الأبيض" الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968.
5 ابريل: الجبهة القومية، تشكل لجنة للعمل على جمع التبرعات من إخوانهم في المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب، حيث بادر المسؤولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.
22 ابريل: ثوار جيش التحرير يسقطون طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى وتنكل بالمواطنين فيها.
28 يوليو: نفذ الفدائيون في حضرموت عملية قتل الكولونيل البريطاني جراي، قائد جيش البادية. وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبوعماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
.. أغسطس: الحكومة البريطانية تعلن اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965 الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.
10 سبتمبر: نظم نادي اتحاد الطلبة في مدينة سيئون مسيرة طلابية للتنديد بزيارة المندوب السامي البريطاني لحضرموت.
31 ديسمبر: قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات "لاند روفر" وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات. في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها "الفرقة المتجولة" بقيادة علي شايع هادي.

1967
15 فبراير: جماهير غفيرة في عدن خرجت في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
8 مارس: الجامعة العربية تصدر قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.
2 ابريل: بدون تنسيق مسبق، حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
3 ابريل: فدائيو حرب التحرير ينفذون عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي