حنان الشيخ ترصد العنصرية والاغتراب في رواية «عين الطاووس»

2023-04-19

سمير ناصيف

هل تختلف الرواية الجديدة وعنوانها «عين الطاووس» للروائية اللبنانية حنان الشيخ عن رواياتها السابقة في فحواها وقالبها، أم انها تشكل استمراراً لتوجهها الجريء في معالجة القضايا الإنسانية، استناداً إلى القيم الأخلاقية؟ هذا ما تطرقنا إليه في الحوار مع حنان الشيخ التي تحدثت خلاله عن روايتها الأخيرة.

هنا موجز للرواية: «تذهب ياسمين وابنها ناجي لإنقاذ ريكا ابن شقيقها النصف أفريقي الذي يُطرد من مجتمع المهاجرين في ألمانيا فتنقله إلى حيث تعيش ياسمين (هي الأخرى) في مجتمع سكاني مغلق للمهاجرين في جنوب فرنسا. ريكا كان قد انتقل من دكار في السنغال إلى ألمانيا ثم إلى فرنسا برفقة عمته ياسمين وابنها ناجي، اللذين كانا قد انتقلا من لبنان إلى فرنسا بعد أن هجر ياسمين زوجها وذهب مع عشيقته إلى كندا. وهي، في الرواية، تعمل طباخة في مطعم لبناني في مدينة (كان) الفرنسية الجنوبية، فيما ابنها ناجي وابن أخيها ريكا عاطلان عن العمل، ويعتمدان مادياً ونفسياً واجتماعياً عليها، ويقضيان وقتهما في جوب الشوارع في بلدات جنوب فرنسا بانتظار عودتها من رحلة «وهمية» قالت لهما إنها قامت بها إلى البرتغال لإنجاز مهمة ما أملاً منها في أن يستطيعا الاعتماد على نفسيهما مادياً من خلال العثور على عمل، لكنها كانت بالفعل ما زالت في فرنسا للقاء حبيبها اللبناني المتزوج رامي في أحد فنادق جنوب فرنسا وهو كان اتى خصيصاً من لبنان لهذا اللقاء. والسؤال في الرواية هو: «مَن سينقذ الآخر لتأمين أرض لعيش كريم لشخصيات الرواية»؟

وحسبما وردَ على الغلاف فالإصدار الجديد «يعرض الحياة الصعبة للمهاجرين العرب في الغرب بطريقة مبتكرة، ويتضمن نصوصاً أوردتها الكاتبة عن موسيقى (الراب) بوصفها وسيلة اعتراض وثورة أو نص عن العنصرية في جميع اشكالها».

تقول الروائية: هناك الكثير من وصف للعنصرية في هذا الكتاب لكن في معظم المؤلفات العربية لا نجد الكثير عن العنصرية الممارسة بين العرب أنفسهم، وأنا توجهي بأن مثل تلك العنصرية موجودة بين العرب نتيجة للاختلاف في مظهرهم الخارجي (لونهم، إذا كانوا سوداً أفريقيين أو سمراً أو بيضاً من مناطق عربية أخرى) وهذا الأمر عانى منه ريكا مع ان والده لبناني من بشرة سمراء ـ بيضاء، ووالدته افريقية ببشرة سوداء، ويعاني منه كثيرون من أبناء اللبنانيين في افريقيا المزدوجي المظهر الخارجي (الأبيض/الأسمر أو الأسود). وتضيف: «شخصيا تواجهت مع هذه المشكلة، فلدي أخ لبناني عاش في افريقيا وارتبط عاطفياً بنساء افريقيات أنجبن منه أولاداً (بينهم ابنه وابنته) عانيا الكثير في حياتهما الاجتماعية في افريقيا، وفي محاولاتهما الهجرة إلى ألمانيا أو العودة إلى لبنان، وأحدهما يشبه شخصية ريكا في روايتي، وهناك عدد كبير من القضايا الإنسانية الماثلة في هذا المجال حتى الساعة». تقول أيضا: «عندما ذهب ريكا، ابن أخ ياسمين للحصول على تأشيرة للدخول إلى لبنان (في الرواية) قال له القنصل اللبناني في دكار (السنغال) إنك غير مسجل على خانة والدك: «إذ أن كثيرين من هؤلاء الأولاد غير معترف بهم من آبائهم، لكن القنصل اللبناني كان متفهماً للأمر وأعطى ريكا التأشيرة». وتستطرد حنان قائلة: «عندما عاد ريكا إلى لبنان شعر وكأن العائلة التي ينتمي إليها والتي احتضنته لأسباب إنسانية، كان بينها بعض الأفراد الذين استمروا في اعتباره مختلفاً، وكأنه إنسان من الدرجة الثانية. وهذا الأمر حاولت الإشارة غير المباشرة إليه في روايتي». كما تؤكد أن: «ريكا تعرض لعنصرية من عرب آخرين كانوا في المحتجز الألماني للمهاجرين، بسبب لون بشرته إذ انهم لم يعتبروه في مرتبة موازية لهم وكأنهم أهم منه لكونهم أتوا من المغرب أو المشرق العربي وكانت بشرتهم أكثر بياضاً من بشرته، فهو بالنسبة إليهم لم يكن عربياً بالكامل بل نصف افريقي أسود».

وكان ناجي بالفعل يعاني من غربة وصعوبات نفسية كبيرة في الرواية، خصوصاً في غياب والدته ياسمين ولدى اختفاء نسيبه ريكا واعتقاده بأنه مات. حصلت ياسمين (حسب الرواية) على تنويه من رئيس الجمهورية اللبنانية بالنسبة لقدراتها في الطبخ في المطعم الذي عملت فيه في كان.

وعن سبب تسمية حنان للكتاب «عين الطاووس» قالت: «هناك أسباب عديدة لهذه التسمية، فمنها أن صديقه لي اعتبرت أنه عنوان مؤثر يتناسب مع غلاف الكتاب، لكن بالنسبة إليّ كان العنوان يتوافق مع شخصية ناجي ابن ياسمين، فهو كان كالطاووس ينفخ نفسه ويضع ذلك الوشم على صدره وبطنه ويحاول بث شخصية قوية (كما يفعل الطاووس) لكنه بالفعل كان ضعيفاً، يعود إلى حجمه الحقيقي الصغير عندما يتعرض لأزمة فتتقلص أجنحة الطاووس.. وكان ناجي بالفعل يعاني من غربة وصعوبات نفسية كبيرة في الرواية، خصوصاً في غياب والدته ياسمين ولدى اختفاء نسيبه ريكا واعتقاده بأنه مات. حصلت ياسمين (حسب الرواية) على تنويه من رئيس الجمهورية اللبنانية بالنسبة لقدراتها في الطبخ في المطعم الذي عملت فيه في كان. وتسخرُ حنان من هذا التنويه في الكتاب وكأنها تطرح إذا كانت قضية مهاجري لبنان هي قضية طبخ جيد أو غير جيد! كما حاولت المؤلفة السخرية من بعض ممارسات الأغنياء العرب في جنوب فرنسا الذين كانوا يشترون من الصيادلة القمل المستخرج من شعر الأطفال ويغرسوها في شعرهم سعياً منهم لتفادي الجلطات الدموية الدماغية، إذ إن القمل يمتص الدماء الكثيفة في الدماغ، كما كان الطب القديم يشير بالنسبة إلى لصق ديدان طبيعية على الجسد عموماً لامتصاص الدماء الكثيفة الضارة غير المرغوب في وجودها (Leeches). ولربما كانت الفصول ذات الصلة بوضع المرأة في الكتاب، تعكس الجانب النسوي وعلاقة الجنس بالشيخوخة، التي وردت في خلفيات علاقة ياسمين بحبيبها اللبناني رامي. فجوابها عن هذه العلاقة أن ياسمين فعلت كل ما في استطاعتها فعله للاستمرار في ممارسة الحب بشكل رافض ومنتصر على الشيخوخة، فالإنسان (في رأيها) يفعل المستحيل ليظل إنساناً كاملاً.

وفي العودة إلى اختيار عنوان (عين الطاووس) للرواية، تعود المؤلفة وتقول في الصفحات الأخيرة من الكتاب إن علاقات ابنها ناجي العاطفية وهو في المدرسة (مع الفتاة باسكال) شملت اعترافات بتناول المخدرات، وإن ناجي حاول دفع ريكا لتناول المخدرات، ما أدى ربما إلى حادثة وقعت خلال ممارستهما للعبة في دولاب متنقل ودائر. وهذا الأمر أدى إلى وقوع ريكا من الدولاب واختفائه واعتقاد ناجي أنه مات، لكنه كان ما زال على قيد الحياة.

تلخص هذه المشاهد خروج الشباب هذه الأيام من الواقع بين الحياة والموت، فيما المشهد بينها وبين الراهب الشاب البوذي في أحد شوارع بلدة محاذية للبحر في جنوب فرنسا كانت محاولة لعودتها وعودة ابنها إلى الواقع، إذ لاحقت ياسمين الراهب البوذي وحاورته لإدراك حقيقة فلسفته. تناولت الرواية أيضا علاقة ناجي العاطفية مع الفتاة باسكال وغيرها، معترفا بتناوله المخدرات، وبأنه حاول دفع ريكا إلى مماثلته في هذا السلوك، ما أدى إلى وقوعه عن الدولاب الدائر (حسب اعتقاده). كما تشير إلى أنها أضافت كلمات من تأليفها تستخدم في موسيقى (الراب) إلى الرواية للتأكيد على تأثير هذه الموسيقى الحديثة في توجهات شباب هذه الأيام وفي تفاعلها معهم، رغم عدم وضوح رؤاهم وتوجهاتهم نحو الحياة.

وفي سؤال حول حرص ريكا وتصميمه على إعادة المبادرة الإنسانية التي قام بها أبو عباس الجزائري نحوهما، بعدم مقاضاته وناجي لسرقة الموز من متجره، بل على العكس أصرّ ريكا على دفع ثمن الموز المسروق لاحقاً والقيام بمبادرة إيجابية مماثلة نحوه، تؤكد حنان الشيخ أن ذلك يؤكد أن الإنسانية لا تذوي ولا تتبخر لدى الشباب أو البالغين. فالشيخ الجزائري كان كريماً تجاههما، وكانا يردان الجميل له. وهذا تصرف إنساني يفوق الحدث، وخصوصاً أن الشيخ الجزائري نجح في دفعهما للعمل وهما نفذا نصيحته وفعلا ذلك بسبب شهامته وإنسانيته.

أما بالنسبة إلى الشاب البوذي الذي التقته ياسمين في أحد شوارع جنوب فرنسا فأهميته أنه شجعها على خيار الهروب من الواقع المادي السيئ لها ولابنها ناجي لو أن ناجي يحذو حذوه، لكن نصيحة الشيخ الجزائري الإيجابية كانت أكثر فعالية من هذا الخيار السلبي بالنسبة للشابين.

في المشهد الأخير من الرواية يُخرجُ ناجي عينه الاصطناعية ويمدها لصديقته باسكال التي تحملها بكل رفق وكأنها تخشى عليها من السقوط وتقول: «كم هي جميلة بلون البحر». والعين كانت تشبه (عين الطاووس). وبعد ذلك اختار ناجي وشم الطاووس على جسده تأكيداً لحبه لها. ربما (عين الطاووس) في نظر الكاتبة، هي العين التي ترى الأمور بشكل مخالف للعين العادية، أي بعين الحب النابع من الأمل الذي يمكن ان ينتشر في العالم ليحل مكان المآسي المنتشرة حالياً والمسيئة للبشرية في لبنان وغيره من دول العالم.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي