الفن المعاصر والفلسفة في كتاب «فلسفة الصورة»

2023-03-31

خليفة الدرعي

يؤكد الباحث المغربي عبد العالي معزوز في كتابه «فلسفة الصورة» استقلاليتها بذاتها، خارج الخطاب، فهي تمتلك إمكانيات كثيرة لتفجير النظم والخطابات.. وينكشف ذلك من خلال القراءات المتعددة وأفعال التأويل، وهذا الانتقال من كونها أداة تخدم ما هو روحي وميتافيزيقي، إلى الإحالة على ذاتها، كأي وسيط تقني، يطرح عدة إشكاليات فلسفية، بما يتضمنه ذلك من كثافة دلالية وجمالية..

يناقش كتاب «فلسفة الصورة» الصورة بين الفن والتواصل، تلك العلاقة الممكنة، بين فلسفة الفن والفن المعاصر، لأن الاستلهام الجمالي الواعي للتراث والأسطورة في وقت لم تعد لهما السلطة الدينية السابقة، هو تكسير للنمطية وتجديد للرؤية الفنية الحديثة وإسقاط للأقنعة عنها، كما نلاحظه اليوم في الفن الافريقي والطقوس الشامانية.

كتاب «فلسفة الصورة» هو دراسة رصينة، للبحث عن أفق جمالي جديد ومحاولة انفلات من مواضعات الرؤية الغربية، الممجدة لكل ما هو تكنولوجي وآلي.. لأن الأساسي حسب هيدغر، ليس التقنية وإنما ماهيتها، أي بوصفها نمط انكشاف للوجود. يحاول الكتاب عبر صفحاته، استشكال المتداول من المفاهيم، مثل: الإبداع.. الابتكار.. الإنتاج.. للكشف عن البعد العلائقي الذي يجمعها، مع الإشارة إلى أن مفاهيم أخرى مثل التراث والمعاصرة، لا تعنينا سوى في كيفية الحضور في الفن اليوم، لأن توظيف المقدس والقديم هو اشتغال على زحزحة المألوف والمعتاد أو ما يشبه، حسب قول المؤلف، «عملية مزدوجة تقضي بأن يتجه الفن وجهة الغريب والموحش في الثقافات المغايرة، كلما زادت درجة معاصرته وعلت مرتبة ثوراته الجمالية». وفي موضوع «الميتافيزيقا والتراث» يؤكد المؤلف أن التراث هو تصدع لما نعتقده خطأً أنه هوية، فتصبح استعادة التراث هي تملكه من جديد، بمحاورته وتأويله بكيفية تنقب عن مسكوته وتساؤل لا مفكره وما تم نسيانه.. لأن النسيان هو «ميسم الوجود وخاصيته» حسب هيدغر.. النسيان ليس مسألة قصد أو نية ولا مسألة خطأ عابر، إنه من صميم الوجود، بل ومن صميم الحقيقة، لأن طبيعة الحقيقة أنها تظهر وتختفي، ومن هنا ينطلق الفن المعاصر لتوظيف الغريب والموحش.. المقلق والمزعج.. في مسعى لمجاوزة القواعد التقليدية. فالهوية في النهاية تنطوي على ما ينخرها، سواء ما كان في داخلها، كما هو الحال بالنسبة لتراثها، أو من خارجها كما هو شأن التراث الغريب عنها..

يقدم الكاتب كأمثلة لذلك أعمال جاكسون بولوك وتوظيفه لأساطير الهنود الحمر، بحثا عن لغة تعبيرية عفوية، تقف أمام العقلانية الحسابية والبراغماتية الأمريكية. يعتبر الكتاب تصورا لثورة بصرية، تروم إحداث قطيعة مع الفن الكلاسيكي، وتكشف عن مقومات مستحدثة للفن المعاصر، كما نجده في أعمال بيكاسو، الذي كسر وحدة الموضوع وسلطته مهتما بالتجريب الشكلي، مستلهما الأقنعة الافريقية والنحت الإيبيري القديم.. خاصة في لوحته» فتيات أفينيون». وفي موضوع «الفن والطفرة التكنولوجية» يلقي الكتاب الضوء على الدلالات العميقة لهذا التحول من الواقع الواقعي إلى الواقع الافتراضي وتكسير الحدود بين الحقيقي والزائف.. إنه عالم «السيمولاكر» حيث تكون الصورة الفنية هي الدال والمدلول، لأن التقنيات الحديثة أحدثت شرخا في الجماليات المعاصرة وحولتها من القيمة الجمالية إلى القيمة الاستعراضية، مفككة وحدتها، أو كما قال رائد الفن المستقبلي مارينتي: «إننا نستبدل في الفن مفهوم الدائم والخالد بمفهوم الصيرورة والفاني والمؤقت». لا مادية الفن، حولته إلى مجرد صيرورة ليست في حاجة إلى موضوع أو سند، إنه مجرد صورة أو سيمولاكر، يتجه نحو تفاعلية تتيحها التكنولوجيا الرقمية، فهو يمثل تلك الهوة بين الزائف والحقيقي.. غير أن التكنولوجيا كما يقول الكاتب، ليست أداة وإنما رؤية للعالم نعيش إرهاصاتها الأولى.. نعرف مقدماتها ونجهل مآلاتها.

كتاب «فلسفة الصورة: الصورة بين الفن والتواصل « عبد العالي معزوز دار افريقيا الشرق ـ الدارالبيضاء 2014

كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي