المشروع النهضوي العربي في حاجة إلى روح معاصرة - د . مفيد الزيدي*

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-10-15

بغداد المحتلة - "المشروع النهضوي العربي".. هذا الكتاب هو حصيلة أعداد المشروع النهضوي العربي الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين العرب حيث بدأت فكرة المشروع منذ عام 1988 في أعقاب انجاز المركز مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي وطرحت توصياته الحاجة الماسة إلى مشروع عربي نهضوي.

وسارت خطوت المشروع على أرض الواقع في عام 1996 ثم عام 1997 إلى إن وصلت إلى عقد ندوة فكرية كبيرة في مدينة فاس المغربية عام 2001 وشارك فيها نخبة من المفكرين العرب كان لي الشرف أن أشارك فيها وتناولت الندوة أهداف المشروع النهضوي العربي وهي الوحدة العربية والديمقراطية والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والقومي والتجدد الحضاري ونشرت وقائع الندوة كاملة وهي البحوث والتعقيبات والمناقشات.

وبعد خطوات تكميلية منها توزيع المسودة الأخيرة للمشروع على لجان المؤتمر القومي العربي والمفكرين والباحثين العرب والخبراء إلى أن وصل المشروع في المسودة الرابعة.

وقد حرص المركز منذ البداية على مشاركة التيارات الفكرية كافة في انجاز المشروع من القوميين والإسلاميين والليبراليين واليساريين لكي يأتي ممثلا عن وجهة نظر جميع التيارات الفكرية العربية، ولذلك طرح المركز في الختام الصورة النهائية للمشروع على أبناء الأمة العربية من صانعي القرار إلى المثقفين والمتعلمين والمواطنين من أجل الدفع باتجاه وضع آلية وخارطة طريق علمية واضحة من أجل السير بالأمة العربية إلى عالم النهضة في الألفية الثالثة حيث الصراعات في عالم الفضاءات الكونية الذي لابد للعرب من اتخاذ خطوات سريعة وعلمية لان يكون لهم دورهم الريادي إلى جانب الأمم الأخرى المتقدمة.

يتكون الكتاب من ثمانية فصول ومقدمة، جاء الفصل الأول في ضرورة النهضة وأكد أن التراجع العربي المعاصر يدعو للعمل على استنهاض الهمم العربية وان قوى المقاومة الحية في الأمة العربية مازالت قادرة على صد موجات التراجع ،وان الحياة العربية السياسية تعاني انسدادا قادت إليه سياسات التسلط واحتكار السياسة الكياني للدولة القطرية العربية وتضاءل الصلات بين الدول العربية وانعكاسات ذلك على حالة الانهيار الكبير للأمن القومي العربي.

وان التحديات العالمية والإقليمية تفرض تحليل تأثيرات العولمة في الوطن العربي وما تفرضه من تحديات يتعين على الجميع العمل للتوصل إلى السبل المثلى لمواجهتها، وان غياب المشروع النهضوي العربي المعاصر ويعرف بأنه الوجه الفكري الذي رافق المشروع السياسي العربي وأعطى له شرعيته وهو كناية عن التراث الفكري الإصلاحي الإسلامي والتراث التنويري الحداثوي في القرن التاسع عشر.

وان النهضة الأولى بدأت في الإصلاحات في عهد الوالي المصري محمد علي باشا1805-1840 ثم جاءت النهضة الثانية في الثورة المصرية في 23 تموز-يوليو 1952 ودور الزعيم القومي جمال عبد الناصر في قيادة وتجسيد هذه النهضة على ارض الواقع والتي ألهبت أفكار ومشاعر الملايين من العرب من المغرب إلى البحرين آنذاك وجاء المشروع النهضوي الناصري الوطني والقومي الذي قطع فيه أشواطا كبيرة وأثر ولازال في الواقع الجماهيري والرسمي الحكومي.

ويطرح الكتاب أسس البناء على مكتسبات مشاريع النهضة السابقة وتراكماتها من خلال عدة خطوات يرى فيها تحليل لأسباب وعوامل الإخفاق للمشاريع النهضوية السابقة وأبرزها فشل فكرة الثورة العربية وتراجع الفكر الاجتهادي الإصلاحي، ثم يدعو إلى تعظيم عوامل القوة في المشاريع النهضوية السابقة.

ويعرض الكتاب طبيعة المشروع النهضوي العربي الذي نريده وهو منظومة مترابطة من الأهداف تتصل الواحدة منها بالأخرى اتصال تلازم وترجمة هذه الرؤية سياسيا وان المشروع النهضوي لايقبل النظر إليه على أساس الأولويات لأنه هو السبب الذي كان مسؤولا في الماضي عن اعتماد هدف معين أو أهداف خاصة على حساب أخرى. أما عن شكل العلاقة بين عناصر المشروع النهضوي فانه لايمكن المقايضة بين أهدافه وعناصره لأنها هي التي سببت الكوارث التي لحقت بالأمة العربية في السابق والمطلوب وحدة الهدف وعدم تجزئته وان كان يقبل التمرحل الموضوعي. وان تتكاتف جهود أبناء الأمة للنضال من اجل بناء كتلة تاريخية يكون المشروع النهضوي برنامجها.

في الفصل الثاني جاء العنصر الأخر للمشروع النهضوي وهو التجدد الحضاري ويعرفه بأنه اكتساب العرب القوة العمرانية والتجدد الثقافي والتقدم لكي يؤهلهم للحاق بالأمم الأخرى المتقدمة مع الحفاظ على قيم الأمة وخصوصيتها الثقافية والقيمية ويعزو الكتاب السبب في طلب التجدد الحضاري هو معاناة الوطن العربي وتأخره ثقافيا واجتماعيا نتيجة الانحطاط ومايعانية الوطن العربي من بؤس الحداثة الرثة في البنى نفسها نتيجة اصطدامه مع الغرب.

وان الحل في التجدد الحضاري على أربعة أهداف ممارسة نقد مزدوج للتراث والغرب ثم عدم السقوط في نظرة عدمية إلى التراث والغرب بدعوى نقدهما وان فهم التراث والغرب فهما علميا رصينا دون انتقائية إيديولوجية والبحث عن سبل بناء علاقة رصينة وصحية وان العروبة تحتاج الطاقة الروحية الهائلة للإسلام، وان الإسلام يحتاج إلى دور تؤديه العروبة مشروعا تحرريا وإنسانيا، ثم الحاجة الى إنهاء حالة النزاع داخل المجتمع العربي بين الإسلام والعروبة وإعادة إدراك الهوية في بعدها التركيبي الجامع بان الإسلام شكل محتوى للعروبةوالقومية العربية.

ثم أن التنوع الثقافي العربي بحاجة إلى حماية وهي روافد في المجتمع العربي لأنه يشكل الوحدة الثقافية العربية.

ويدعو الكتاب إلى النسق القيمي النهضوي بان يكون معبر عن الشخصية العربية-الإسلامية ومنفتحا على العصر وان الهوية هي حصيلة مايكتسبه الأفراد والجماعات من قيم جديدة تصبح جزءا من تكوين الهوية والحاجة إلى أعادة تأهيل مؤسسات التربية والأسرة والإعلام وتزويدها برسالة اجتماعية نهضوية تقوم بها وهي مهام تقع على كاهل النخب الفكرية والاجتماعية العربية مع دور الدولة بالأساس إلى جانبها. وان دولا آسيوية كالهند والصين واليابان أدلة على التنوع الهوياتي الذي خلق الوحدة والقوة والانسجام فضلا عن ماليزيا التي تستحق القراءة والاستفادة.

الفصل الثالث من الكتاب فهو عن الوحدة وهي ضرورة حيوية ووجودها ضروري للأمة العربية مع وجود كل عوامل تحقيق هذه الوحدة من صفات مشتركة في التاريخ واللغة والمصير والقيم والموروث التاريخي والحضاري والمصالح المشتركة وتحديات الحاضر والمستقبل في التنمية والاقتصاد والعلوم والتقنيات والأمن القومي والبقاء وان الوحدة القومية حق شرعي ومشروع للأمة العربية وأننا أيضا بحاجة أليها بالأساس، ويتساءل الكتاب أسباب قيام الوحدة العربية بان التراكم الذي حققه النضال من اجل الوحدة وتجارب الإخفاق والانتكاس التي تعرض لها والتحديات الكونية الجديدة التي تفرض نفسها عليه توسس الحاجة مجددا إلى أعادة صوغ مطلب الوحدة في ضوء دروس الماضي ومتطلبات المستقبل.

ويطرح المشروع العلاقة بين القطري والقومي بان الموقف التقليدي من الدولة القطرية على قاعدة الاعتراف بها والمصالحة معها ككيان واقعي والانطلاق في العمل الوحدوي منها كخامة وكمادة وليس على أنقاضها. وان المحصلة هي وحدة الكيان القطري الوطني مدخل نحو الوحدة العربية وليس العكس وان نجاح الدولة القطرية الوطنية في الاندماج الاجتماعي الداخلي انفتحت الطريق أمام الاندماج القومي،وان تجربة النضال نحو الوحدة العربية تقدم درسا بليغا في مسالة الوحدة العربية بان الكيان الدستوري الأنسب لن يكون صيغة الدولة القومية الاندماجية وإنما صيغة الدولة القومية الاندماجية وإنما صيغة الدولة القومية الاتحادية.

ويطرح المشروع في قضية الوحدة بان مشروع التوحيد القومي ممتنع عن التحقق دون أن يتوسل بالوسائل الشعبية والديمقراطية نهجا لتحققه وان سائر الأهداف النهضوية العربية ممتنعة عن التحقق بل مستحيلة دون توحيد قومي.

أما الفصل الرابع فهو عن الديمقراطية احد الركائز الأساسية في المشروع النهضوي ويؤكد بان الديمقراطية هي حق عام للأمة والشعب والوسيلة الأمثل لإطلاق طاقات المجتمع والشعب ولأنها القاعدة التي تبنى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع في المجتمعات الحديثة وان مايميز المشروع النهضوي العربي الجديد عن سواه من المشاريع النهضوية التي سبقته هو في مضمونه الديمقراطي الذي يقوم عليه أي في حسبانه الديمقراطية ركنا مكينا من أركان النهضة .

أما الشورى والديمقراطية فان الشورى من ناحية المفهوم بان أمر السياسة والحكم متروك للجماعة تتوافق عليه،وأما الديمقراطية فهي نظام شامل للحكم ويقوم على مبادئ أساسية هي الحرية والتعددية السياسية والنظام التمثيلي وحرية الاقتراع وحق الرقابة والفصل بين السلطات واحترام استقلالية القضاء داخل المجتمع تعاظمت فرص قيام التحول الديمقراطي للسلطة ثم النظام الدستوري وانه نظام اجتماعي واقتصادي عادل لجميع المواطنين وكلما تقدمت العلاقات الديمقراطية داخل المجتمع تعاظمت فرص قيام نظام سياسي ديمقراطي وينبغي التشديد على الوظائف الاجتماعية الأربع للديمقراطية وهي أن الديمقراطية تؤسس علاقة المواطنة لأنها تشد أفراد المجتمع إلى الولاء العام للدولة ويعلو على العلاقات الأهلية والفرعية وكلما اتسعت قاعدة الاندماج الاجتماعي وتوطدت أركان الديمقراطية ورسخت علاقاتها في الدولة والنظام السياسي وان الديمقراطية السياسية لاتستقيم في الوطن العربي إلا متى أمكن للمرأة إن تخرج من هامشيتها واستعبادها لكي تشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية أسوة بالرجل وان العلاقة بين الرجل والمرأة هي رافعة للديمقراطية في المجتمع والدولة معا.

وان الديمقراطية السياسية لاتستقيم بغير أعادة تأهيل النظام الأسري والنظام التربوي على القيم الديمقراطية بحيث يسود فيه وتصبح الأسرة والمدرسة مؤسستين للتنشئة والتربية على القيم الديمقراطية ومن اجل خلق المواطن الديمقراطي في الوطن العربي.ثم أن أقامة النظام السياسي الديمقراطي ممتنعة عن التحقق أن لم تكن أدوات النضال الديمقراطي نفسها ديمقراطية وان مبدأ لاديمقراطية من دون ديمقراطيين صحيح بالتأكيد،وان المشروع النهضوي العربي أن المعركة من اجل النهضة تمر من بوابة المعركة من اجل الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون وان الحاجة إلى الديمقراطية يجب إلا تعني المقايضة بينها وبين أي من عناصر المشروع النهضوي العربي.

في الفصل الخامس يعرض الكتاب التنمية المستقلة احد ركائز المشروع، ويؤكد أن هناك سوء فهم وأخطاء في معرفة ماهية التنمية المستقلة وان وضوح المفهوم في الاستقلال والاعتماد الذاتي وان جوهر استقلالية التنمية هو توفير اكبر قدر من حرية الفعل للإرادة الوطنية المستندة إلى تأييد شعبي حقيقي في مواجهة عوامل الضغط التي تفرزها آليات الرأسمالية في مواجهة القيود التي تفرضها المؤسسات الراعية والحارسة للنظام الرأسمالي العالمي ومن ثم توافر القدرة على التعامل مع الأوضاع الخارجية بما يصون المصالح الوطنية وأدى نمط توزيع الريع وإعادة تدويره في المجتمع العربي إلى مزيد من البطالة والفقر لفئات واسعة من سكان الوطن العربي|.

وان الاستقلال نقيض التبعية والاعتماد على الخارج والاعتماد على القوى الذاتية للمجتمع بالمرتبة الأولى،ثم يدعو المشروع إلى التعامل الصحيح مع العولمة وتفكيك حزمة العولمة وإفساح المجال أمام الدول النامية لاختيار مايناسب أوضاعها،ولذلك فان مفهوم التنمية المستقلة حسب المشروع النهضوي العربي يقوم على مبادئ خمسة هي تحرير القرار التنموي القطري والقومي من السيطرة الأجنبية،والاعتماد كمفهوم واسع للرفاه الإنساني كغاية تنموية وان حرية الفرد والمجتمع والوطن والمعرفة والجمال، ثم أن المعرفة مصدر أساسي للقيمة في العالم المعاصر، وإنشاء نسق مؤسسي فعال موجه نحو التكامل القومي والأخير هو الانفتاح الايجابي على العالم المعاصر بهدف الاستفادة من أفضل منجزات البشرية وفي ضوء ذلك تتحدد ركائز المشروع النهضوي للتنمية المستقلة وهي تسليح الاقتصاد بأكبر قدر من قوة الدفع الذاتي وتمكينه من مواجهة الصدمات الخارجية، وانتقال الاقتصاد العربي من الحالة الريعية السائدة حاليا إلى الحالة الإنتاجية،ثم تخفيض الاعتماد على الاستيراد السلعي والخدمي، وتنويع سلة صادرات سلعية وخدمية للاقتصاد العربي وتحسين نوعية المنتجات، وحصر حجم الدين العام الخارجي والاعتماد على الذات ماديا وبشريا وتقوية رصيد رأس المال البشري.

وتنطلق نظرة المشروع النهضوي العربي الى دور المعرفة في التنمية المستقلة من توجهات إستراتيجية ثلاثة يتمثل الأول في بناء رأسمال بشري راقي النوعية عن طريق تعميم التعليم الأساسي وإحداث نسق مؤسسي لتعليم الكبار وترقية نوعية التعليم، وثانيا صوغ علاقة تضافر قوية بين التعليم والمنومة الاجتماعية والاقتصادية،وثالثا في أقامة برنامج لتطوير التعليم على الصعيد العربي يقوم على أساس شراكة قوية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والحاجة إلى قيام سلطة تعليمية فوق قطرية وفعالة على الصعيد.

وان الدولة التنموية والتخطيط وان أحداث زيادة ضخمة معدل الادخار المحلي شرط لاغنى عنه لاستقلالية التنمية واطرادها ويضاف إلى ذلك ثلاث مهام السيطرة على الفائض الاقتصادي ومركزته والاشتراك المباشر للدولة في مجال الإنتاج والاستثمار الإنتاجي، والنهوض بالقدرات العلمية والتكنولوجية الوطنية وتامين تكامل الأنشطة العلمية والتكنولوجية الوطنية مع متطلبات البرنامج المتكامل للتصنيع والتنمية الشاملة.

والركيزة الأخرى عدالة التوزيع في الدخل والثروة وهو قوة مقاومة للأمة في مواجهة المحن والأزمات،ثم الديمقراطية التشاركية ومكافحة الفساد فلابد من تقوية آليات المكاشفة والرقابة والمسالة حتى يمكن كشف الفساد وتصفية جيوبه قبل أن يستفحل حماية لمسيرة التنمية المستقلة. والركيزة الأخرى الانفتاح الايجابي وضبط العلاقات الاقتصادية مع الخارج وان التنمية المستقلة تعني استقلال الاقتصاد العربي وليس العزلة الاقتصادية.
ثم التكامل الاقتصادي والتعاون مع دول الجنوب وان مايجذب الاستثمار الأجنبي هو توافر إمكانات حقيقية للنمو في الاقتصاد الوطني من خلال معدلات مرتفعة للادخار والاستثمار وان خلق منطقة تكاملية اقتصادية عربية تعتبر ضرورة اليوم أكثر من أي وقت مضى،ولابد من أدراك ان التنمية المستقلة تشكل الأساس الموضوعي لاكتمال عناصر القوة الاقتصادية للأمة العربية.

في الفصل السادس من المشروع كان المحور هو العدالة الاجتماعية وتأكيده بان سيطرة الشعب على كل أدوات الإنتاج لاتستلزم تأميم كل وسائل الإنتاج ولاتلغي الملكية الخاصة ولابد من بنية ملائمة لملكية وسائل الإنتاج ومنظومة سياسات يتعين أتباعها والتفكير في آليات تسهل تجسيد العدالة الاجتماعية في الواقع العربي وتعززه.

ثم تطرق إلى منظومة سياسات العدالة الاجتماعية وتشمل تحديد دائرة السلع العامة المطلوبة وسياسات الأجور والأسعار وإعادة توزيع الدخول في المجتمع العربي من خلال السياسات المالية والاجتماعية المناسبة وهذا يتطلب أعادة هيكلة النفقات التحويلية والتدخل لتنظيم العلاقات الايجارية وتوفير الحقوق التأمينية والتي تشكل الأساس المادي والمعنوي لمفهوم الأمان الاجتماعي والإنساني،وإعادة تكييف السياسات الضريبية وأحياء دور الحركة التعاونية والتشديد على ضرورة التزام السياسات التعليمية وامتداد مفهوم العدالة الاجتماعية لتشمل العدالة على أساس النوع لوضع إستراتيجية قومية للنهوض بالمرأة العربية في جميع المجالات وتطوير قانون عربي للأسرة يضمن حقوقها كاملة.

ويطرح الكتاب بعض آليات تعزيز العدالة الاجتماعية وهي أحداث صناديق لمكافحة الفقر على الصعيدين الوطني والقومي لمنع أنتاج الفقر بين الفئات الفقيرة والدنيا من المجتمع العربي،وتفعيل دور صناديق الزكاة ومؤسسة الوقف في أطار المجتمع الأهلي والخبرة العربية الإسلامية بما يحقق قدر اكبر من الرعاية والتكافل بين المواطنين.

أما الفصل السابع فهو عن ركيزة الاستقلال الوطني والقومي ويرى المشروع ان خطورة مسألتي الأمن الوطني والقومي تفرض الحاجة إلى صوغ إستراتيجية عمل شاملة وتتضمن تحرير الأراضي العربية وان تنامي الاعتماد على المقاومة سلاحا وخيارا في مواجهة أعداء الأمة يتطلب من حركات المقاومة تطوير أدائها وخطابها وتعميق علاقاتها الوطنية والقومية والدولية بما يحول دون استدراجها إلى حالات انقسامية أو ممارسات فئوية تبعدها عن هدفها الرئيسي.

وتصفية القواعد العسكرية والأجنبية وإلغاء الامتيازات والتسهيلات العسكرية،ثم مواجهة المشروع الصهيوني وتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني والتشديد على إفلاس نهج التسوية السلمية والتمسك العربي بالثوابت القومية بعدم التفريط بالأراضي العربية في فلسطين ورسم السياسات الخارجية العربية تجاه القوى الدولية والإقليمية،ثم مقاومة الهيمنة الأجنبية بكل إشكالها،وبناء القدرة الإستراتيجية الذاتية وان الوطن العربي لايملك حماية استقلاله وأمنه ومكتسباته دون حيازة قدرة إستراتيجية ذاتية.

ويطرح الكتاب إستراتيجية الأمن الوطني والقومي وهي إستراتيجية الردع ومواجهة التهديدات غير العسكرية وان يتضمن النظام العربي مفهوما شاملا للأمن وهو الأمن الغذائي والأمن المائي وان على الوطن العربي ان يشرع في وضع المخططات اللازمة لسد الفجوات الغذائية من خلال زيادة الاستثمارات وتحقيق التكامل في السياسات الزراعية،ثم الأمن البيئي والأمن الاجتماعي.

وفي الفصل الثامن والأخير من الكتاب فيتناول المشروع النهضوي العربي بحسب آليات تحقيقه فهي القوى الاجتماعية والسياسية والوسائل النضالية والتي يطرحها المشروع بان يتم النظر لها دفعة واحدة بدلا من عدة سلاسل من المسارات المختلفة والمتفاوتة وان القوى الاجتماعية العربية في حالة حراك شديد وان أهداف المشروع ستظل تنتج قواها الاجتماعية التي تحملها حين تجد مصلحة فيه.

وعلى الرغم من المسئولية التاريخية للقوى القومية العربية فان القوى السياسية للمشروع النهضوي ليست معطاة سلفا وإنما هي قوى قيد التكوين مع نمو تناقضات الأنظمة الحاكمة وتوقع نشوء حركات جديدة وبعضها نشا أصلا،ثم تحتاج فكرة الطليعة إلى تمحيص نقدي ولابد من أعادة بناء الصلة بين الحزب والناس على نحو تصبح فيه المرجعية في العمل الحزبي للناس لا إلى النص العقائدي الإيديولوجي وان التغيير يجب ان يأتي ثمرة اختيارهم الحر واقتناعهم الواعي وينبغي عدم الخلط بين الدولة والسلطة في الحديث عن المجتمع المدني وقوى التغيير الاجتماعية.

وعند الحديث عن المنظمات غير الحكومية في المشروع النهضوي العربي ينبغي استكمال صورته باستظهار الأوجه السلبية في عملها وهي ان عملها في قسم كبير منه لانطبق عليه التسمية ذاتها وان قسما منها مرتهن لمصادر التمويل الخارجية ونادرا ماشكلت المنظمات غير الحكومية مدارس ناجحة في الديمقراطية ثم انه المنظمات جزاة المطالب الشعبية إلى شبابية ونسائية وخيرية ثم أنها تتجه إلى النشاطات القطاعية أو الموضعية ولا تؤدي أدوارا مفترضة بالأجهزة الحزبية في تكتيل المصالح والمطالب وفق الرؤى والبرامج المشتركة،ويتطلب المشروع النهضوي العربي الاستفادة من الأخطاء التي انطوت عليها التجارب السابقة وانه لامعنى للبحث في فاعلية الدعوة والدعاية للمشروع النهضوي العربي دون البحث في انتقالهما من الحيزين الشفوي والكتابي إلى الإعلامي المرئي والمسموع.

وينبغي لقوى المشروع النهضوي العربي الاستفادة من وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة،وان جدوى أي مشروع مجتمعي وفاعليته هو تبني الرأي العام معبرا عنه بواسطة الاستفتاءات أو الانتخابات للتغيير الديمقراطي السلمي.

وثانيا يطرح المشروع النهضوي العربي نحو تجسيد المشروع بترسيخ ثقافة النهضة بان تكون لها بنية تحتية عائلية ومدرسية وجامعية ومؤسسية،وان آليات النهضة ومؤسساتها بان المقاومة من حيث هي تعبير مادي عن أرادة التحرر من الاحتلال وارادة النهضة القوية تتطلب عمل عقلاني في أطار مؤسسات تحمل المشروع النهضوي العربي وان لاتنحصر عملية النهضة بالجانب السياسي المؤسسي بل تحتاج إلى المجال الاجتماعي،وان مؤسسة الثقافة تفترض عقلا مؤسسيا تتحر به المؤسسات الأهلية العربية وان مشروعا نهضويا لاتكون المقاومة مضمونا له هو مشروع هش وقابل للانكسار.

ويطرح الكتاب في الختام سؤالا مهما كيف نجسد المشروع النهضوي؟
ويرى ان الأمة العربية ليست أما ترف أو اختيارات أنها أمام احد الخيارين أما النهوض والتقدم والرقي بعيدا عن التأخر والتقهقر وأما زيادة عروة الأمة تفككا وتمزقا وفكرة الأمة الجامعة تزداد اندثار وتلاشيا.

وينبغي وضع المشروع القومي الوحدوي موضع التنفيذ إلى وجود دعاة مؤمنين به وتنظيم حلقات حوار موسعة يشارك فيها مثقفين وصانعة القرار ومراكز الأبحاث والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ليتحول إلى قضية عامة،وتكريس فكرة النهضة وجعلها موضوع التفكير والدراسة في الجامعات والتأليف والكتابة وفتح المؤسسات الإعلامية لمنابرها أما مناقشات موسعة للمشروع واعتماد آليات خاصة لمتابعة التنفيذ كتشكيل جماعات تفكير وتأمل أو أقامة مرصد خاص لمتابعة المجريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية المتعلقة بالمشروع. ان الأمة العربية اليوم في الألفية الثالثة أصبح خيارها هو النهضة فرضية وجودية دون القيام بها سقوط وانحلال.

ان التفاصيل والسياسات والآليات لهذا المشروع النهضوي الحضاري القومي العربي وصولا إلى الوحدة هي حزمة متكاملة تصاغ بأولوياتها وتتابع مراحلها من قبل الدعاة والقيادات الحقيقية التي سوف تتبنى المشروع وتعمل على تحقيقه.وبهذا فان الكتاب يجب ان يكون مرجع لصناع القرار في الدول العربية والمفكرين وأساتذة الجامعات والمثقفين والمتعلمين والفئات الاجتماعية العربية لأنه يرسم بعد جهود كبيرة وحوارات وندوات ولقاءات عدة بين النخب الفكرية والخبراء، الطريق للنهضة العربية في الألفية الثالثة حيث لاخير للعرب أما النهضة أو التداعي والتراجع المستمر،واعتقد انه لايوجد إنسان عربي شريف يقبل أو يسعى إلى تلاشي الأمة العربية كوجود وقوة ودور أنساني حضاري وعالمي

________________

* مؤرخ وأستاذ جامعي عراقي









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي