رواية «وشائج ماء»: بين جماليات الحكاية والتفكير الفلسفي

2023-03-24

ضحى عبدالرؤوف المل

يروي عبده خال في روايته «وشائج ماء» حكاية فلسفية جمع من خلالها بين جماليات الحكاية والتفكير الفلسفي، في خلط سحري، هو كنه هجين بين الفلسفة والأسطورة، والفكرة النابعة من معتقدات شعبية، ومن غموض الحبل السري وما يتمثل فيه بشكل رمزي من خشية الإنسان مما هو مقبل «نحن نخشى المقبل ونضع مصدات طقسية لحمايتنا، فمن ذا الذي يقدر على الإفلات من قدره؟» فالرجل العارف بسر الخلود في «وشائج ماء» هو الروائي القابع خلف ستار البعد المنطقي لمسارات الشخصيات، التي جعلتنا نتساءل عن ماهية الفكرة من «وشائج ماء» الفلسفية في ربطها الذي يتحد معها الخطاب الأدبي الروائي عند عبده خال، الذي يطرح إشكاليات النشأة من خلال تفاعل الشخصيات مع أفكار الجدة حليمة، التي تؤمن بقيمة الحبل السري، والمتغيرات القدرية برموزها أثناء الولادة، أي منذ قطع الحبل السري الذي يربطنا بالأم، بعيداً عن منعطفات الخيال الأسطورية، التي أدخلنا في متاهاتها منتقدا ما تؤمن به الأجيال من معتقدات قد تكون خاطئة، وقد تكون صحيحة بما تعنيه للبعض. إلا أنها في الكثير منها هي ترجمة أفعالنا، فالبصمة الخالدة في وشائج ماء هي حبل سري، «وهبنا إياه وبقي أثرا لا يُمحى، بقي جاسوساً يتربص بنا، وربما كانت به معادلتنا الرياضية المشفرة» فهل الطموح الفلسفي في الأدب الروائي هو جدلية قدمها عبده خال في «وشائج ماء»؟ أم أن الفكرة الغامضة في الحبل السري هي جوهر معين يسعى من خلاله لتقديم فلسفات مختلفة تبدأ من الأنفس الشريرة المرتبطة بحبلها السري، والأنفس المطمئنة التي تسعى في الحياة لتحقيق رسالة الخضر إن صح القول؟ وهل الحبل السري يحمل فعلا طاقة مهوولة لم يصل إليها الإنسان؟ أم هي الجينات التي تتآلف وتتنافر كما هي الحال مع أمين، وسمية، وطاهرة؟

تسود الفلسفات في عقل الجدة حليمة التي انبثقت عنها عائلة تختلف أقدارها تباعا، وأمين بطل الرواية الذي يؤتمن على السرد أو على الحكاية الشعبية بمعناها الفني المرتبط بما تؤمن به الجدة حليمة التي تحتفظ بالحبل السري في وعاء من زجاج داخل محلول مائي، لما يرمز لها من خير وشر، أو الأقدار في تفاؤلاتها أو سوداويتها. وربما في اتجاهاته الحياتية يمثل الكاتب الأمين الذي يسعى من خلال كتاباته الروائية تحقيق التحرر العقلاني من فلسفات لا تؤدي إلا إلى العقم، فالسخرية باب واسع للأغبياء، كما يقول في روايته بينما «كبار السن يموتون يوميا لتكسيرنا أوامرهم، ولو عادت بهم الحياة لما أقدم على بذر نطف ماء تغدو وحوشاً كاسرة. فكم من رحم أم غذّت وحشا افترسته حين عظمت مخالبه» فهل حاول عبده خال التخفيف من حدة الفلسفة في حكايته ضمن السرد عن شخصية طاهرة ووسمية بشكل منفصل في الفصل الأخير؟ وهل تنافست الفلسفة مع الحكاية في رواية هي وشائج ماء تنتفض على بعضها بعضا، ضمن مفارقات الجدة حليمة وطاهرة ووسمية؟ أم أنه كما يقال يخلق من ظهر عالم فاسد ومن ظهر فاسد عالم؟ وهل الإنسان سجين المعتقدات التي تولد معه عند قطع حبله السري؟ أم المعنى أن بصمتنا البشرية ترتبط بالمجتمع الذي ننشأ فيه؟

يمارس عبده خال التطهير الفكري الذي يجسد نوعا من الاعتقادات المجتمعية التي نتوارثها من جد إلى جد، كالجدة حليمة، وهي تدفن كتاب الخلود مع أبيها حاملة جثته من بيت إلى بيت، لتدفنه في مسكن آمن بعيداً عن المثل الأعلى الاجتماعي الذي يمثله الجد، ومن ثم أمين بعيدا عن ما هو ديني، هادفا إلى توضيح أهمية الحبل السري أو الجين الوراثي، في إشارة إلى لفت الانتباه لأقدارنا التي نصنعها تبعاً لسلسلة من الأحداث التي تخدم الفكرة الذي انطلق منها عبده خال في تكوين حكايته الفلسفية، التي يعترف من خلالها بالأمانة الروائية من خلال الفكرة التي تنمو وتثمر في رأس الروائي منذ نشأته إلى مماته، ومن التكوين إلى السرد الملفع بحكايات الجدات وتأثيرهن في الحياة. «فمن المعلوم أن الإنسان يستخدم جزءاً ضئيلا من ملكات عقله، والحبل السري يحمل طاقة مهوولة لم يصل إليها الإنسان».

‏كاتبة من لبنان







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي