المهاجرون الباكستانيون يحلمون بالغرب رغم المخاطر

أ ف ب-الامة برس
2023-03-11

   معزون متجمعون في منزل محمد نديم في غوجرات بولاية بنجاب الباكستانية في 2 آذار/مارس 2023 بعد مقتله في غرق مركب مهاجرين انطلق من ليبيا متوجها إلى إيطاليا (أ ف ب) 

حين غادر محمد نديم منزله في شرق باكستان، طلب من والدته أن تصلي من أجل أن تجري رحلته الطويلة إلى أوروبا بدون عقبات، ثم ابتعد قبل أن يتسنّى لها أن تحاول استبقاءه.

في الوقت ذاته، كان علي حسنين المتحدر على غرار محمد من غوجرات في ولاية بنجاب يستعدّ للرحلة ذاتها طلباً لحياة يأمل أن تكون أفضل، وكان يعرض على أقربائه الملابس التي سيحملها معه.

قضى الرجلان اللذان لم يكن يعرف أحدهما الآخر في شباط/فبراير بحسب عائلتيهما، خلال الرحلة البحرية ذاتها انطلاقا من ليبيا عبر المتوسط، في واحد من مسارات الهجرة غير القانونية الأكثر خطورة في العالم.

قالت كوثر بيبي (54 عاما) والدة محمد "شعرنا وكأن السماء انهارت علينا حين وردنا الخبر"، فيما كانت أرمله تنتحب في غرفة ثانية من المنزل.

وأضافت متحدثة لوكالة فرانس برس في البيت العائلي "الألم لا يحتمل".

إن كانت الرحلة إلى أوروبا طويلة وخطيرة، إلا أن المرشحين للهجرة عديدون في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها باكستان ما بين التضخم الحادّ وإغلاق المصانع.

كان محمد نديم (40 عاما) يكسب ما بين 500 وألف روبي (ما بين 1,70 و3,40 يورو) في اليوم في متجر مفروشات ليعيل زوجته وأبناءهما الثلاثة، حين غادر قبل بضعة أسابيع إلى دبي ثم مصر وأخيرا ليبيا على أمل الوصول من هناك إلى إيطاليا.

قال شقيقه محمد عثمان (20 عاما) "كنت مسرورا لرحيله من أجل اولاده، علّ ذلك يحسّن مستقبلهم".

بعث محمد نديم رسالة نصية إلى صديق يشرح له فيها كيف يعتزم تسديد قرض بقيمة 2,2 مليون روبي (7400 يورو) سمح له بتمويل رحلته، موضحًا أنه في سفينة وكتب "البحر هادئ وليس هناك مشكلة".

بعد أسبوعين، أكدت وزارة الخارجية الباكستانيّة وفاته.

أما عائلة علي حسنين (22 عاما) فعلمت بوفاته من خلال صورة على مواقع التواصل الاجتماعي قبل صدور إعلان رسمي.

- "لم يرغمنا أحد" -

قال والده محمد عنايات (72 عاما) وهو يمسح دموعه "ظننّا أنه من الجيّد إرساله إلى هناك" موضحا "بات من الصعب الاستمرار هنا".

تشهد غوجرات منذ وقت طويل حركة هجرة.

ففي الستينات قامت شركة بريطانية ببناء سد ضخم لتوليد الكهرباء في المنطقة، ما تسبب بترحيل أكثر من مئة ألف شخص دعي العديدون منهم لاحقا للانتقال إلى المملكة المتحدة لسد نقص في اليد العاملة.

وتقاسم هؤلاء المهاجرون عائداتهم مع عائلاتهم التي بقيت في البلاد، ما سمح لها بالخروج من الفقر. وبعد ذلك، ساعد المهاجرون الباكستانيون أهلهم على الهجرة بصورة قانونية إلى أوروبا حيث شكلوا جاليات في المهجر.

لكن بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، تم تشديد الرقابة على الهجرة، ما أدى إلى ازدهار حركة الإتجار بالبشر.

وباتت غوجرات وضواحيها اليوم تجتذب "العملاء"، وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى مهربي المهاجرين.

وتكشف آخر رسائل وجهها محمد وعلي إلى عائلتيهما أنهما لم يكونا ربما في السفينة ذاتها، لكن من الممكن رؤيتهما في فيديو صوره على ما يبدو مهربون، جالسَين على أغطية في غرفة مع حوالى عشرة رجال آخرين.

يقول صوت في الفيديو "سوف نرسلكم في مركب صغير. هل أنكم تبحرون بملء إرادتكم، من غير أن يكون أحد أرغمكم؟" ويجيب الرجال بصوت واحد غير واضح كثيرا "لم يرغمنا أحد" ويضيفون "إن شاء الله سنصل إلى إيطاليا".

ويرى عثمان شقيق محمد نديم أن المهربين "اغتنموا" الوضع إذ أن الفرص المتاحة للشباب في باكستان نادرة جدا.

غير أن المهربين في غوجرات لديهم وجهة نظر مختلفة وقال أحدهم لوكالة فرانس برس إن لنشاطهم "مفعولا إيجابيا".

- "أسلوب حياة رغد" -

وتساءل "هل هناك بدائل أخرى يمكن أن تحسن حياة السكان هنا بهذه السرعة؟" مضيفا "يأتون إلينا بأحلام، ونبذل ما في وسعنا لتمكينهم من تحقيقها، لكن هناك مخاطر".

وأفادت دراسة أجراها مركز "ميكسد مايغريشن سنتر" الأوروبي للأبحاث عام 2022 أن حوالى 90% من الباكستانيين الذين وصلوا إلى إيطاليا حديثا دخلوا بصورة غير قانونية.

وقدر مسؤول في وكالة التحقيق الفدرالية الباكستانية عدد الباكستانيين الذين يقومون بمحاولة للدخول بصورة غير قانونية إلى أوروبا بأربعين ألفا كل سنة.

وقال فاروق أفغان وهو سياسي من غوجرات "لا أحد يود مغادرة بلاده، لكن الفقر والفوضى والجوع ترغم الناس على الهجرة".

وأوضح أن الذين يقيمون في الخارج يمكنهم منح عائلاتهم التي بقيت في البلد "أسلوب حياة رغدا"، ما يحضّ آخرين على المجازفة بدورهم.

قرب غوجرات، تعرض قرية بهاكريفالي بيوتها الجميلة الموزعة بين حقول القمح.

وقال أحد السكان "لن تجدوا بيتا واحدا إلا وحاول إرسال أحد شبانه إلى أوروبا".

وتمكن مالك حق نزاز المزارع السابق من بناء منزل فرشه بأثاث مزين بزخارف ذهبية واقتناء سيارة رباعية الدفع بعدما أرسل ثلاثة من أبنائه إلى برشلونة حيث يعملون اليوم بصفة قانونية.

وينجح الشبان الثلاثة معاً من خلال الاقتصاد في نفقاتهم، في ادخار ما يصل إلى 1,2 مليون روبي (4040 يورو) كل شهر، فيرسلون المبلغ إلى والدهم.

غير أن جاره فيزان سليم (20 عاما) خسر مئات الدولارات محاولاً السفر إلى إسبانيا.

قال إنه شعر بـ"الحزن" حين علم مؤخرا بغرق باكستانيين في المتوسط مضيفا "البؤس هو الذي أرغمهم على سلوك هذا الطريق".










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي