الروائي الأردني محمد دغلس: الرواية صوت المهمشين الذين لا يعبأ العالم بهم

2023-03-02

حاوره: نضال القاسم

محمد بسام دغلس كاتب أردني ، حاصل على بكالوريوس اللغة الفرنسية من جامعة اليرموك. صدر له في مجال الرواية.. «تصبحون على انتظار» 2015 و»البيت الوحيد» 2018. وبمناسبة صدور روايته الثالثة «سارق الكرز» عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع جاء هذا الحوار عن عالمه الروائي ورؤيته الجمالية..

بداية.. كيف بدأ مشوارك مع الرواية؟

بدأت أولاً بكتابة الشعر ثم اتجهت لكتابة الرواية حين أردت في طفولتي أن أتخذ صديقاً ما، ولم أحظ في ذلك الصديق، فقد كنت طفلاً منعزلاً لا أفرح إلا عندما أكونُ وحيداً، فأبدأ بتخيل مواقف وأحداث لم تحدث في الواقع، وكانت تلك التخيلات تروق لي فكنتُ أحبُّ المشي كي أقضي أكبر وقتٍ وأنا أنسج حكاياتٍ في رأسي، فبدأتُ بكتابة القصة القصيرة، لكني لم أشعر بالرضى كون القصة ومضة فقط. كنتُ أُريدُ أن أنقل الشخصيات التي في رأسي على ورق وأكتب عن الأحداث التي كنت أتمنى أن تحدث معي. أردتُ أن أخلق شخصيات لأصادقها.

وما رؤيتك للرواية؟

الرواية هي تضميد جراح عن كل ما لم يحدث في هذا العالم المليء بالشر، هي محاولة للبقاء على قيد فرح لو كنا نكتب عن الألم، فمشاركة آلامنا مع الآخرين من خلال الكتابة هي ملاذنا. الرواية صوت المهمشين الذين لا يعبأ العالم بهم فتحتضنهم رواية ما.

وعندما تنوي خوض تجربة إبداعية ما، هل تنبجس في ذهنك أولاً صورة المكان أم صورة الشخصية أم الحدث؟

حدثٌ صغيرٌ ألهمني كتابة رواية «البيت التوحيد» مثلاً حين كنت أشاهدُ فيلماً فرنسياً، وعند انتهاء الفيلم كان هناك مقابلة مع المخرجة كانت تتحدث كيف أن الإنسان يظل يتلاشى ويتلاشى ويتقلص حتى ينزلق من هذه الحياة كأنه لم يخلق. كانت تتحدث عن شخصية الممثل في الفيلم.

استلمهت شخصية ناصر الذي انزلق من هذه الحياة، ولم يعلم أحدٌ عنه وأن الناس جزرٌ منفصلة كالبيوت الملتصقة ببعضها، ولا يعلمُ أحدٌ عمّا في داخل كل بيت.

ماذا يمثل لك العنوان الروائي؟ هل هو عتبة موجهة لعملية القراءة؟

بالطبع، يتوجب على العنوان أن يكون عتبة لعملية القراءة لأن العمل الروائي وحدة متكاملة لا تنفصل تبدأ من العنوان وحتى آخر كلمة. العنوان أصعب من كتابة النص، لأنه يحمل ثقل النص وعليه أن يعبر عن جميع مضامين الرواية، إنه يختزل كل ما نريد أن نقول على امتداد صفحات الرواية.

أين تكمن الخيوط الفارقة بين جمالية النص الإبداعي وأخلاقياته، وهل يمكن للإبداع السردي أن يعيش بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا؟

حين نتحدث عن الإبداع فهذا يعني أنه لا توجد حدود فنحن نلجأ للكتابة كي نبوح بما لا نستطيع قوله، فنختبئ خلف شخصية في رواية. في الرواية يوجد كما في الحياة المؤمن والكافر والملحد، لكن الفرق أن في الرواية جميع الشخصيات تقول ما تفكر به بلا خوف. فالالتزام بالنسبة لي هو أن أكتب الأشياء كما هي بضمير ورقي ودون تشويه. في البداية كنت اشعر بالخوف من أن أكتب الأشياء كما هي، وكنت اختبئ وراء الجماليات السردية الشعرية، كما فعلت في روايتي الأولى «تصبحون على انتظار» ثم بدات بالتحرر من ذلك الخوف كي أحمل صليب ما أكتب لا للمتعة فقط. وبالطبع لا يمكن للأدب أن يعيش بعيداً عن السياسة فنحن نكتب ما حولنا ولا نعيش في كوكب آخر، فدور الرواية أن تنقل الخراب ليصير أمام أعين الجميع. ولا أؤمن بالأدب المؤدلج، الأدب لا ينحاز إلا للإنسان.

وماذا عن السيرة الذاتية في العمل الروائي؟

لن أكذب وأقول إنه لا توجد علاقة ين رواياتي وسيرتي الذاتية، كوننا نكتب كي نبوح بما لا نستطيع قوله للآخرين وليس بالضرورة أن أكتب ما حدث معي، بل ما أود أن يحدث أيضا، لكن حين أنتهي من الكتاب لا أستطيع التمييز بين ما حدث لي وما حدث في الرواية وهنا يكمن سحر الكتابة.

ولماذا كل هذا التعلّق بالشعر؟

أشعر دوماً بأنني أكتب رواية شعرية، سواء من ناحية اللغة أو الأحداث أو ما يتصل بخلق المشهد الروائي، لهذا لا يمكنني الانفصال عن الشعر، فالشعر يكمن في الموقف وفي الحوار وفي المشهد وفي الحدث، وفي كل كلمة من كلمات الرواية. إنني أنظر إلى كل شيء في حياتنا اليومية بطريقة شاعرية. نحن لا نحتاج إلى أن نكتب قصائد لنكون شعراء، علينا فقط أن نملك عينين تريان في كل شيء شعراً.

أصدرت مؤخراً رواية بعنوان «سارق الكرز» ماذا عنها، وما هو الجديد الذي أضفته؟

ما يميز سارق الكرز أولاً من حيث الشكل هو طولها، فهي عمل تجاوز الخمسمئة صفحة، وقد حاولت في «سارق الكرز» أن أبتعد عن الشاعرية المفرطة التي تطغى على الحدث، فالشخصيات واقعية تتصارع مع اليومي وتحمل قضية، فالرواية لا تتحدث عن الأرمن فقط، بل عن كل شعب هُجِّر وتألم، وقد تناولت قضية الأرمن كونها ما تزال من القضايا الشائكة حتى الآن. أنا لا أهتم بالقضايا الكبرى، بل بما تخلفه تلك القضايا والحروب على الإنسان بتفاصيله اليومية.

من الملاحظ أنك لا تميل إلى التجديد واجتراح أشكال تجريبية وأن غالبية رواياتك يتبدل فيها الموضوع فقط، أما طريقة السرد وتقنيات الكتابة واللغة فإنها متشابهة، ما رأيك؟

لست ناقدا لأحكم على أعمالي، أنا أكتب فقط ما أحسُّ به، ولاعتقادي أن العمل لا ينتهي في آخر كلمة، بل إنه يواصل حياته في أعمالٍ أخرى.

التجديد يكمن في التفاصيل الصغيرة، وكيف نرى الأشياء من زاويتنا، وحين أكتب لا يشغل بالي سوى الكتابة ذاتها، وأن أحيا نشوة الكتابة كلمةً كلمة، ولا أكتب دون أن أشعر بأن العمل مكتملٌ في رأسي ويطرح شيئاً جديداً حتى أشعر بمتعة الكتابة. إن ما يشغلني حقاً هو هل أن القارئ سيشعر بما أكتب، وهل أنه سيتأثر به أم لا؟ وأنا أعترف بأنني القارئ الأول لنصوصي فإذا استمتعت بما كتبته فهذا يعني أني كتبت شيئا يليق بأن يوضع بين دفتي كتاب، أما هاجسي الوحيد فهو أن لا أفقد شغف الكتابة.

على الرغم من اهتمامك بالشخصيات، غير أنك تلجأ أحياناً إلى ما هو غير مقنع على صعيد الحدث المكاني. لماذا؟

أنا حقاً لا أهتم بالمكان بشكل شخصي، لكوني لا أنتمي إلى مكان محدد، وقد شكّل هذا لدي هاجس أن الإنسان عليه أن يعتاد على أي مكان، فالمهم في ما أكتبه هو الإنسان، والمكان الحقيقي هو الذي يخلقه العمل الروائي. لا أريد ان أجسد المكان، ما يعنيني هو الإنسان وهمومه، فأنا أخاف من فكرة أن الأماكن تبقى والأشخاص يرحلون، لهذا فإنني أحاول دائماً في ما أكتبه أن أنفي تلك الفكرة بأن أجعل الأشخاص هم المحور في كل ما أكتبه بغض النظر عن أماكن وجودهم.

في رأيك، أين تكمن سلطة المثقف؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تغييراً في مجتمعه؟

يمكن للمثقف أن تكون له سلطة في حال كان يتحلى بالصدق والوعي وكان هدفه الوحيد هو الحقيقة لا أكثر. فدور الفنون بشكل عام هو أن ترينا ما لا نحتمل رؤيته، أو ما لا نستطيع رؤيته، والروائي بشكل خاص لا يكتب تاريخ، بل إنه يكتب تفاصيل يعجز التاريخ عن الإمساك بها وهنا تكمن قوة الرواية فتلك التفاصيل هي التي تشكل المجتمع، ومن المؤكد أن الأدب يرصد حركة المجتمع. أتذكر رواية «كوخ العم توم» وما أحدثته من تغيير، فالكتاب المكتوب بحبر الصدق هو تغيير بحد ذاته.

وماذا عن انتشار الكاتب ومعوقاته في الوطن العربي من خلال تجربتك؟

ربما هناك فرق كبير بين ما نكتبه وآلية انتشاره، فليس كل ما هو منشور ومشهور ليس بالضرورة أن يكون عملاً ناجحاً. وأنا شخص بعيد حتى عن الأدب، لا أحب الظهور وأعاني من كسل رهيب، أؤمن بأني أكتب فقط، ولطالما حاولت ان أسوّق نفسي، وقد فشلت في هذه المهمة، ولا أعتقد أن هذا هو دور الكاتب، ومن المؤكد أن هناك معوقات لانتشار الكاتب فلا توجد دور نشر حقيقية لاحتضان الكاتب، فكما يقول ماركيز حياة الكاتب كحياة الراهب يؤمن فقط بما يكتب دون أن ينتظر مقابلا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي