الأمازيغية في المغرب بين كتابين: ترسيخٌ لمنظومة الحقوق الثقافية واللغوية

2023-02-18

الطاهر الطويل

تعززت الساحة الثقافية في المغرب بصدور دراستين حول المسألة الأمازيغية، الأولى للباحث مصطفى عنترة تحت عنوان «المسألة الأمازيغية بالمغرب.. من المأسسة إلى الدسترة» حيث تطرق إلى المقاربة التشاركية والاندماجية والتدرجية التي اعتُمدت على امتداد سنوات في التعامل مع الموضوع.

والدراسة الثانية تحمل عنوان «الأمازيغية من خلال وثائق مرجعية» وهي للباحث يحيى شوطى الذي سعى إلى توفير مادة تاريخية أرشيفية مساعدة لكل مهتم بالأمازيغية.

يرى الباحث مصطفى عنترة أن التركيز على دراسة الأمازيغية اليوم، هو تناول لجزء من إشكالية الديمقراطية في المغرب، باعتبارها مكونا أساسيا من منظومة الحقوق الثقافية واللغوية، في زمن أصبحت فيه الثقافة بمثابة أحد المداخل الجوهرية للدمقرطة، بل أضحت معيارا لقياس مؤشر ديمقراطية الفاعلين والمؤسسات، لأن الديمقراطية ـ كما يقول ـ لا يمكن أن تتحقق وتترسخ على أرض الواقع إذا لم تأخذ بعين الاعتبار العمق الثقافي كعامل أساسي في صيرورة دمقرطة الدولة والمجتمع.

تطورات متراكمة

انطلق الباحث من كون الأمازيغية تعد من أبرز الأوراش التي ميزت عهد العاهل محمد السادس في عقده الأول، وقد وظفت في عملية تجديد وتعميق شرعيته، وإبراز أسلوبه في الحكم وإدارته لشؤون البلاد. وأكد أن أهمية دراسة الموضوع تنبع من كون المسألة الأمازيغية راكمت في ظل أزيد من عقدين تطورات مهمة، تٌمكن الباحث والدارس من تقييم أولي للتجربة المغربية في تعاطيها مع هذه المسألة، وأن الهدف من ذلك يتمثل في المساهمة في إثراء النقاش العلمي والحوار السياسي حول هذا الموضوع وملامسة رؤية وفلسفة تدبير المؤسسة الملكية لمجال التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، وبالتالي الوقوف عند المقاربة والآليات المعتمدة في هذا الشأن. وأبرز أن المغرب اعتمد في معالجة المسألة الأمازيغية على مقاربة مؤسساتية واندماجية وتدرجية وتشاركية وحذرة في الآن نفسه، فهو لم يكن في حاجة إلى أي «ربيع أمازيغي» أو إراقة الدماء، ليجد أجوبة موضوعية ويقدم حلولا واقعية للمطالب الأمازيغية المشروعة والعادلة.

اتسمت هذه المقاربة في بدايتها بمقاربة ثقافية همّت المدخل الدستوري، انطلقت من الاعتراف بالأمازيغية في الخطاب الملكي في «أجدير» وإحداث «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية» الذي أسندت له مجموعة من الوظائف منها، تأهيل اللغة الأمازيغية واختيار أبجدية «تيفيناغ» العريقة لكتابة اللغة الأمازيغية، ووصلت إلى محطة إدماجها في التربية والتعليم والإعلام والثقافة، وفي مختلف مناحي الحياة العامة… قبل أن تبرز تحولات إقليمية («ربيع الشعوب» أو ما يطلق عليه بـ«الربيع العربي») ووطنية («حركة 20 فبراير/شباط» في المغرب) وتوج هذا المسلسل بمحطة متقدمة ونوعية تتمثل في الاعتراف بالأمازيغية في الوثيقة الدستورية للمملكة كلغة رسمية والتنصيص على قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي.

وخلص الكتاب إلى أن المغرب استطاع أن يؤسس لمقاربة خاصة به على مستوى تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، متفردة في شمال افريقيا، ومنفتحة على بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا الشأن، ما يجعل هذه المقاربة مؤهلة لتصبح نموذجا في المنطقة، وقد تحظى بالتتبع والدراسة كما عرفت تجربة الإنصاف والمصالحة في المغرب التي هي اليوم نموذج يدرّس في مجال العدالة الانتقالية على الصعيد الدولي. كما تطرق مصطفى عنترة إلى مقترحات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأمازيغي بشأن موضوع دسترة الأمازيغية، والنقاش السياسي والدستوري حول مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالأمازيغية، الواردين في الفصل الخامس من الدستور، وكذلك إلى سبل التفعيل الديمقراطي لهاذين القانونين على أرض الواقع، خصوصا بعد مجيء حكومة جديدة لا تضم في تركيبتها الإسلاميين الذين كانوا دائما موضوع انتقاد من قبل الحركة الأمازيغية، لتعاملهم الذي وصف بـ»السلبي» مع موضوع اللغة الأمازيغية. وفي هذا الإطار تحدث عن المخطط الحكومي المندمج الذي جاءت به حكومة العثماني، ثم الرؤية التي قدمتها حكومة عزيز أخنوش وأساسها صندوق دعم الأمازيغية 2021-2026، والشروع في تفعيل القانون ذي الصلة في التعليم والإدارة والإعلام والقضاء… وما تلاه من نقاش مهم من لدن المجتمع المدني الأمازيغي.

وثائق مرجعية

أما كتاب «الأمازيغية من خلال وثائق مرجعية» فيعتبره مؤلفه يحيى شوطى مساهمة في تعزيز الوعي الثقافي والقانوني، من أجل تملك واع للقضية، ويوفر 58 وثيقة قانونية وتنظيمية مرتبطة بالأمازيغية ما بين سنة 1914 إلى سنة 2021. ويقول إن الأمازيغية تعد من اللغات التي صمدت آلاف السنين، على الرغم من التحديات السياسية والثقافية والاجتماعية التي عرفها المغرب عبر تاريخه الطويل. قد يعود ذلك جزئيا إلى كونها لغة سكان المغرب الأصليين، لكنه يرتبط أيضا بامتلاك الأمازيغية لمؤهلات تجعلها قابلة للاستمرار والتجدد، دون القفز على حقيقة ما بات يتهدد الأمازيغية من تهديدات، ليس أقلها تصنيفها ضمن اللغات المهددة بالانقراض. ولفت الانتباه إلى أن تناول القضية الأمازيغية لا بد له من أن يكون في شموليتها كقضية هوية ثقافية حضارية متكاملة الأبعاد، مؤكدا أن التنوع الثقافي واللساني حقيقة واقعة في المغرب لا تحتاج إلى إثبات، وهو في الوقت نفسه «وحدة» لُحمتها التاريخ والتراث والدين وغيرها كثير. وفي إطار هذه الوحدة ـ يقول الكاتب ـ فإن تراث المغرب مِلك لكل المغاربة، والاعتناء به واجب على كل واحد منهم. ولاحظ أن الأمازيغية استطاعت من خلال مسيرة ربع قرن ونيف أن تراكم عددا من المكتسبات من مختلف الجوانب، مستدلا على ذلك بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 2001 وتأسيس القناة التلفزيونية الثامنة 2010، وإدراج الأمازيغية في منظومة التعليم العالي منذ سنة 2006 بالنسبة لسلك الماستر، وانطلاق العمل في مسلك الدراسات الأمازيغية منذ الموسم الجامعي 2007/2008… وصولا إلى دسترة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة في دستور 2011.

ويرى المؤلف شوطى أن تقييم تطور خطاب الحركة الأمازيغية عبر العقود الأخيرة من الزمان شيء مهم وضروري، لتفادي ما يمكن أن يشوش على الأهداف والمقاصد التي رامت تحقيقها عبر عملها المتواصل ونضالها المستميت. وهو ما يستلزم طرح عدد من الأسئلة الموجِّهة حول مستقبل الفكرة الأمازيغية في تطور وامتداد مسارها.

ويكشف الكاتب، أن رغبته وحرصه على جمع مواد هذا الكتاب، هي رغبة نابعة في توفير مادة تاريخية أرشيفية ستنفع كل مهتم بالأمازيغية، مؤكدا أن مستقبل الأمازيغية لا يمكن أن يصل مداه المنشود دون مساهمة الجميع، من مؤسسات الدولة وأحزاب ومسؤولين ومنظمات كمسؤولية وواجب وطني استراتيجي لا مكان فيه للتمييز بين الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، مشروع يروم تحقيق مجتمع متوازن تضمن فيه حقوق المواطنة والديمقراطية، ومن شأنه في الوقت نفسه ضمان استمرار المغرب التاريخي والحضاري في انسجام خلاق مع هويته الجامعة وحضارته المتجذرة.

كاتب مغربي









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي