الجماليات البصرية في رواية «جبل موسى» للمغربي عبد الرحيم بهير

2023-02-10

مصطفى عطية جمعة

تقدم رواية «جبل موسى» للروائي المغربي عبد الرحيم بهير – منشورات وزارة الثقافة المغربية، ديسمبر/كانون الأول 2016- عالما سرديا وخطابا روائيا عنوانه الأساسي هو المفاجأة، فالأحداث متلاحقة، والشخصيات مثيرة في تكوينها وفي سماتها وفي ما تكشف عنه من مواقف، تصدم القارئ، وتجعله في لهاث دائم لمعرفة ماذا بعد. وهنا يمكن القول إن هذه الرواية أشبه بقصة فيلم سينمائي طريف، بل إنها مكتوبة بروح مؤلف مشبع بالفنون البصرية (السينما والدراما التلفزيونية والمسرح) ومتخم بجمالياتها وبنية أحداثها، مع عمق في الطرح لقضايا فلسفية وثقافية دالة على وعي المؤلف.

تدور أحداث هذه الرواية حول «مروان» المعلِّم الذي تسلم قرار تعيينه في إحدى القرى النائية في شمال المغرب وهي قرية «بليونبش» التي تقع في القرب من مدينة «سبتة» الواقعة تحت الاحتلال الإسباني منذ قرون طويلة. يصل «مروان» إلى القرية، ويتسلم عمله، ويعاني من ضيق في السكن، حتى يتوصل إلى إيجار غرفة بسيطة في بيت يسكنه شاب معاق، رآه حينما وصل إلى الباب الحديدي للبيت، وتطلع إلى وجهه المشرق وشعر فاحم وفي عينيه دعوة إنسانية ترحب به، فاستأجر غرفة عنده.

عاش مروان في المنزل الذي تمتلكه السيدة «فتيحة» وتعرف على ابنها الشاب «محمد حكيم» الذي عرف أنه معاق على كرسي متحرك، وأنه أصم أبكم، وقد علم مروان أن هذه القرية مثل الكثير من القرى في شمال المغرب، تتعيش على التهريب والصيد البحري، ومع أهلها جوازات سفر إسبانية تتيح لهم التنقل والسفر، وكذلك بطاقات مرور إلى سبتة. نجح مروان في التواصل مع حكيم من خلال الكتابة، بعدم شكت الأم له بأن ابنها منعزل عن الناس، ودائم الوحدة، ويكتشف أن محمد مثقف للغاية في الفلسفة والأدب وسائر دروب المعرفة، ولديه مكتبة ضخمة، بل إنه يضع صورة الفيلسوف نيتشة على الفيس بوك بدلا من صورته، فقد كان متيما بفلسفته ثم تتطور الأحداث، فقد أوصت الأم فتيحة مروانَ بابنها، ليستيقظ ذات يوم، ويجد أن الأم توفيت، وصار مسؤولا عن هذا المعاق، وتتعمق معرفته به، حيث يعيش الاثنان في بيت واحد، ويقوم مروان برعاية محمد وبدور الأم المتوفية في ذلك، ويكتشف مروان مصادفة أن محمدا ليس أبكم، وإنما كان يخفي ذلك، ويبدأ في حوار مطول مع مروان عن حياته، ويجد مروان في محمد شخصا محبا للفنون والموسيقى.

ثم يطلب «محمد» منه أن يصعد به إلى قمة جبل موسى، حيث الجمال والطبيعة الساحرة وحيث سيشاهد سبتة من أعلى، وهناك يكتشف مروان أن حكيم ليس معاقا، وإنما يتظاهر بذلك، ويحكي له حكيم عن والده الذي عمل في تجارة المخدرات، حتى تزوج من أمه فتيحة، التي أقنعته أن يترك هذه التجارة، ويعيش بالحلال، وبنى في سبيل ذلك منزلا، وظل الزوجان سعيدين، إلا أنهما افتقدا الإنجاب، حتى فتحا الباب ذات يوم، ليجدا طفلا حديث الولادة، على باب البيت، فحمدا الله، وتعاهدا على تربيته، ونشأ الطفل الذي هو حكيم في حضنهما، وهو يظن أنهما والداه، وقد ربى الوالدان محمدا، وعلماه تعليما عاليا في كلية الطب وعاشت الأسرة في الرباط من أجل ذلك، وتنعم محمد بثراء أبيه وبمركزه السياسي، وصار صاحب سيارة فخمة وحساب بنكي.

وأحب محمدا في هذه الفترة فتاة جميلة، وتعمقت العلاقة معها، حيث مارس الجنس معها، لتحمل منه، ثم اكتشف بعد ذلك أن هذه الفتاة ما هي إلا إلهام زوجة أبيه الثانية التي تزوجها سرا عندما ولج عالم السياسة لأنه طموح، بل إنه أسس حزبا، وأصبح أمينه العام وأنها قبلت الحمل لأن زوجها كبير في السن وعقيم، وقد أخبره أبوه عن ذلك، فيعيش محمد صراعا نفسيا عنيفا، انتهى بأن ركب في سيارة مع والده، وارتكب حادثا مع شاحنة كبيرة، مات فيه الأب، وخرج محمد متظاهرا أنه معاق وأبكم، شاعرا بالإثم لأنه أراد قتل والده عمدا، أو هكذا تساءل مع نفسه. ولم تعد هناك مشكلة نفسية، عندما علم محمد بأنه ليس ابنا من صلب أبيه وإنما هو لقيط، أحسن والداه إليه.

ويأتي ختام الرواية موضحا التغير الكبير الذي لحق بشخصية مروان من جراء مصاحبته الطويلة لمحمد، وكيف أنه أدرك أعماق الحياة والوجود، كما تغيرت شخصية محمد عندما فتح قلبه وعقله لمروان. جاءت بنية الرواية مؤسسة على المقاطع السردية المعنونة، بذكر المكان والزمان، فالمقطع/ الفصل الأول يبدأ بـ«الطريق إلى بليونيش، الساعة الرابعة زوالا، 2015» ويستمر الأمر على هذا المنوال، لينتهي الفصل الأخير بـ»شاطئ بليونيش، الغروب، صيف 2016». أي أن الرواية تدور خلال عام أو أكثر قليلا، وقد لجأ الكاتب إلى هذه البنية كنوع من التفصيل والعنونة، التي تشابه المذكرات الشخصية أو اليوميات، وهنا نلاحظ أن كل فصل يحوي متنا سرديا مكتملا في بنائه، وأيضا يمثل نقلة من نقلات الأحداث في الرواية، فكأن المؤلف مزج بين التقطيع السينمائي/ الدرامي في المشاهد، وتقنية اليوميات، من أجل إحكام السرد. أما العنوان «جبل موسى» فهو من جماليات الرواية بلا شك، فهو يشير إلى جبل حقيقي قابع شمال المغرب، ويمثل الجمال الطبيعي، واستشراف القرى والمدن من أعلى، ويمثل أيضا في الرواية فك مغاليق محمد حكيم، الذي ارتاح لمروان، وراح يحدثه عن مأساة حياته، التي هي متقلبة وحادة في تحولاتها، بل وغير متوقعة.

أسلوب الرواية مزيج من الكتابة الروائية البليغة، والوصف الدقيق للطبيعة والناس والأبنية في القرية، وأيضا في وصف الشخصيات وتحليلها، وقد برع الكاتب في تقديم الوصف البصري الذي يصور للقارئ الشخصيات والماديات بشكل دقيق، كما أن الأسلوب مكتوب بعربية سليمة، وكذلك جاء الحوار فصيحا شبه خال من العامية. يؤخذ على الرواية أن هناك حوارات خطابية ومباشرة، منها حوار بين محمد ومروان عن الجنس والحياة والفنون، وأيضا عن الدين وتجارة المخدرات، ويورد الكثير من الأحاديث الشريفة عن ذلك، ليتحول الحوار إلى خطبة دينية مطولة، والأمر نفسه نجده في حديث مروان ونعوته وتحليله لشخصية عبد الحكيم الأب، وكأنه ليس حوارا وإنما مقال صحافي. ولا شك في أن هذه الرواية فيها مفاجآت سردية كثيرة، وكأنها مصنوعة صناعة، ما ينأى بها عن التدفق السردي، وهي مكتوبة بنفس كاتب سيناريو وسينمائي، يكتب ليقدم قصة سينمائية تأخذ بتلابيب المتفرج وتدفعه إلى ترقب الأحداث، مثلما كتب بطريقة المقاطع التي تتعنون بالمكان والزمان، وكلها دالة على خبرة المؤلف وذائقته البصرية والدرامية.

‏كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي