ثقافة المقاومة في فكر إدوارد سعيد

2023-02-09

صدر عن دار العربي للنشر كتاب «ثقافة المقاومة في فكرة إدوارد سعيد»، لناهد راحيل، والكتاب حاصل على جائزة إدوارد سعيد في الفكر التنويري ونقد الفكر الاستشراقي عام 2021، يسعى الكتاب لمحاولة استقراء اشتغالات إدوارد سعيد حول المثقف وعلاقته بالسلطة، حيث انشغل سعيد بسؤال المثقف ودوره في مواجهة السلطة، وأجابت مقارباته الفكرية عن هذا السؤال بحديثه عن تمثلات المثقف وصوره، فيعرض في مقدمته لكتاب «صور المثقف» لمهام المثقف بقوله «إن إحدى مهام المثقف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات التصغيرية التي تحدّ كثيرا من الفكر الإنساني والاتصال الفكري»، واهتمام سعيد بالقضايا الإنسانية، ولتحديد دور المثقف في قدرته على مواجهة أشكال الهيمنة والاستبداد، نجده يهتم بطرح التساؤلات عمّا يمكن أن يواجه المثقف، ويشكل عقبة أمام أداء مهامه الخاصة بمراجعة السلطة ومقاومة هيمنتها وتنفيد مقولاتها وتفكيكها.

ويقارب سعيد سؤال الثقافة في كتابه «العالم والنص والناقد»، من خلال علاقة النقاد بها من حيث القرابة أو التقرب؛ ومن خلال محاولة الإجابة على تساؤله الخاص بـ«ما معنى أن يمتلك المرء وعيا نقديا»؛ حيث يرى أن الوعي النقدي يقف في منطقة وسط بين قوتين، الأولى هي الثقافة التي ارتبط بها النقاد بالقرابة (بالولادة والانتماء القومي والمهنة)، والثانية هي الطريقة أو المنظومة التي يكتسبها النقاد من خلال التقرب (بالقناعة الاجتماعية والسياسية وبالظروف الاقتصادية والتاريخية وبالجهد الشخصي).

ولكي يمتلك الفرد وعيا نقديا يجب عليه مقاومة تلك القوتين وأن ينعزل عنهما فـ»الوعي الفردي المنعزل، المعارض للبيئة المحيطة والمتحالفة مع الطبقات والحركات والقيم المناوئة، هو صوت معزول وخارج المكان الصحيح، لكنه حيز كبير جدا من المكان وواقف بمنتهى الوعي ضد العقيدة السائدة لمناصرة مجموعة من القيم المعروفة جهارا بأنها عمومية أو رحيمة، ومجموعة تذكي مقاومة محلية مهمة ضد هيمنة ثقافة واحدة، وواقع الحال يدل أيضاً على أن المثقفين، وبموافقة كل من بيندا وغرامشي، مفيدون غاية الفائدة في تفعيل الهيمنة». فمثلما يقف المثقف صاحب الوعي الفردي المنعزل أمام أشكال الهيمنة، هناك المثقف المفيد في تفعيل صور الهيمنة، حيث يصبح امتدادا لأدوات السلطة ومرددا لخطابها، وقد أشار إدوارد سعيد في معرض تناوله لتمثلات المثقف وصوره إلى عدد من المفكرين اهتموا بالعلاقة بين المثقف والسلطة وخصصوا لها الأدوار التي تؤطرها، ومنهم: أنطونيو غرامشي، جوليان بيندا، جان بول سارتر، ميشيل فوكو.

ومن هنا يتناول الكتاب الاستراتيجيات التي تبناها إدوارد سعيد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية الغربية، خاصة بعدما تخلت الثقافة عن ارتباطها بالنخبة، وغدت مساحة للتثاقف والتداخل، ويؤسس لأفكاره عبر قسمين رئيسين اهتم الأول، الذي حمل عنوان «الثقافة ودور المثقف»، بتناول مقاربة سعيد لسؤال الثقافة ودحضه لشمولية الثقافة وخطابها النخبوي، وبيان دور المثقف المقاوم، الذي تحدد في مقاومة أشكال الهيمنة الثقافية، في حين اختصّ الثاني، الذي حمل عنوان «استراتيجيات المقاومة»، بعرض أساليب تقويض الهيمنة الثقافية للغرب من خلال نقد الخطاب الاستشراقي وتفكيك الرواية الإمبراطورية التي لازمت المشروع الاستعماري عبر المقاومة بالسرد المضاد.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي