في «الجمهورية الجديدة»: الظلم ينفي وجود الدولة المدنية

2023-02-05

عاطف محمد عبد المجيد

هذا كتاب يحمل آمالا عريضة للوطن، ويطرح أفكارا ورؤى تعقبها حوارات مع الشباب الحالمين بالغد، والدافع الرئيس وراءه هو شغفي بالإصلاح ورغبتي في المشاركة الإيجابية لتحقيق الاستدامة في التنمية، وتراكم الجهود لجعل مصر دولة عظمى وهي تستحق ذلك.

هذا ما يقوله حسام بدراوي في كتابه «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة» الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع في القاهرة، وفيه يرى أن ثروة مصر الحقيقية عبر التاريخ هي في مواطنيها، مَن صنع الحضارة المصرية في أقدم دولة في التاريخ هم المصريون، ومن بدأ بالتنوير في المنطقة كانوا هم المصريين، معلنا خوفه وقلقه من أن نفقد أهم كنوزنا، وهم أطفالنا وشبابنا، سواء بتطرف الفكر، أو رجعية السلوك، أو فقدان القيم.

بدراوي يؤكد هنا أن مسؤوليتنا رهيبة، كأجيال أكبر، ولا بد لمن يملك القدرة أن يدلي بدلوه في إطار الشرعية والقانون، وأن يفكر ويقول ويسجل، ذاكرا أنه كان قد قرأ تعبيرا غير تقليدي في كتاب عنوانه «مُت فارغا» يقول: لا تترك الحياة وأنت تحمل أفضل ما لديك، ومت فارغا بعد أن تملأ حياة البشر بأفكارك، ولأن بدراوي مؤمن بأن ما لا يُوثق كأنه لم يوجد، فقد أخذ على عاتقه أن يسجل أفكاره، ويطبق قدر ما يستطيع منها، وينشر خلاصة تجاربه وهي عديدة، كما يقول. مؤكدا هنا أن ظهور الصين كقوة اقتصادية جبارة، وظهور روسيا كقوة عسكرية متمكنة، قد يقسّم العالم إلى أقطاب ثلاثة فعلا، وهو في رأيه سيكون في صالح الدول النامية وافريقيا، أما الفرصة الحقيقية لنا فتتمثل في إمكانية المشاركة في النظام الذي سينشأ قطعا بعد مرحلة العالم ثلاثي الأقطاب بشكله التقليدي، إلى عالم السيطرة التكنولوجية ودمجها بالتكنولوجيا الحيوية، مشيرا إلى أننا علينا أن نعلم أن مصر القوية داخليا واقتصاديا، والمتماسكة اجتماعيا، والمؤثرة عسكريا هي التي تستطيع أن تؤثر في الأحداث ولا تكون مجرد رد فعل لما يحدث حولها، والأهم، يقول بدراوي هو، مصر المستعدة رقميّا وتكنولوجيّا لتكون جزءا من مستقبل يتكون الآن.

الخطر الحقيقي

بدراوي الذي يرى أن الاستثمار في البشر هو الأمل، وبناء البنية التحتية التكنولوجية هو الأهم، يرى كذلك أن الخطر الحقيقي على مصر يأتي من عدم أولوية بناء الإنسان تكنولوجيا ومعرفيا وثقافيا، مشيرا إلى أنه يبدو له أن ثورتي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية هما الآن أعظم تحديات الجنس البشري، ناظرا إلى الشعار الذي طرحته القيادة السياسية بمسمى «الجمهورية الجديدة» بجدية، ملتزما بطرح الأفكار التي تساهم في بناء الوطن، والتي تتجنب أخطاء الماضي وتتعلم منها وتنظر إلى العالم حولنا وتستفيد من تجاربه.

الكتاب الذي كتب مقدمة له كلٌّ من عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق، ومنير عبد النور وزير السياحة والصناعة والتجارة الأسبق، ويقع في ما يقترب من خمسمئة صفحة، يكتب فيه بدراوي عن الجيل الرابع للديمقراطية، عن الدول المدنية الحديثة، عن الربيع العربي والربيع الأمريكي، عن مقومات نجاح السياسة التعليمية، وعن موضوعات أخرى مهمة على المستوى السياسي والاجتماعي، إلى جانب عدد من الحوارات التي جمعت بينه وبين عدد من الشباب، وكانت موضوعاتها تدور حول تعريف الجمهورية وحول السياسة وحول الشباب، وقد تطرق فيها لعدد من الموضوعات الراهنة والمهمة منها التطرف الديني وسد إثيوبيا والديكتاتوريات وتداول السلطة وتعريف الجمهورية وحقوق الإنسان، وما إليها من قضايا لا يستقيم المجتمع الإنساني إلا بعد أن يجد لها حلولا أكيدة.

بدراوي يكتب كذلك هنا قائلا، إن الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ، وليست خططا عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة والمسؤولية الفردية، وقيام الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات، مضيفا أن النظام الأوروبي لا يناسب الشعوب التي ينتشر فيها الفقر والأمية، وأن كل نظام حكم له مميزات وعيوب نراها ونعرفها، فالديكتاتورية في الحكم، على الرغم من عدم تأييدنا لها إلا أن لها فوائد أحيانا، والديمقراطية رغم دعوتنا لها إلا أن لها أضرارا أحيانا، مؤكدا أن أغلب الديكتاتوريين انتهت فترات حكمهم إما بمصائب أو خلل ما، وقليل منهم من استدامت إصلاحاته في بلاده.

مسؤولية المتعلمين

في الغرب، يقول بدراوي، استقرت التقاليد عميقة الجذور في حماية الاستقلال الذاتي للفرد وحقوقه وكرامته من إكراه، مهما كان مصدره سواء من جانب الدولة أو الكنيسة أو حتى أغلبية المجتمع، في إطار يحمي حقوق الأقليات والحريات، لأنه يستند إلى تزاوج بين الديمقراطية والحرية والنظام، فيما لا تزال هذه البديهيات غير مستقرة هنا، في إطار نظام تعليمي وثقافي لا يُنمي هذا التوجه، ولا يجعلها مستقرة في الوجدان المجتمعي، ذاكرا أن الطبيعة قد وهبت كل إنسان قدرة غريزية على الفهم، ما يجعله مساويا للجميع ومع الآخرين، شرط أن يتعلم ويتم تحريره من فساد الخرافات والجهل، والإنسان المتحرر من كلاليب السلطة وظلام الجهل يستخدم عقله بشكل صحيح وتلقائي، مؤكدا هنا أن مسؤولية المتعلمين أمام المجتمع الذي يعيشون فيه مهمة تربوية للتحرر من الجهل والظلامية، ومن طغيان النظم الديكتاتورية المطلقة، إلى حرية ينظمها القانون وعقل يتسع لقبول الاختلاف على تنوع مسمياته، بل واحترامه.

الكاتب الذي لا يزال يؤمن بالديمقراطية، ويسعى مع آخرين، في أماكن عديدة من العالم، لخلق شكل جديد لها، يوائم التغيرات المحلية والعالمية ويحترم ثقافات الشعوب المتباينة، ويتجنب الفشل في تطبيقها، يرى أنه يوجد تنويريون في مصر، لكن لا يوجد للتنوير تيار في العالم العربي، ويقع على مثقفي مصر والعالم المتحدث بالعربية واجب الريادة في إيجاد وخلق حالة لتيار تنويري يقود المجتمع، وكذلك يرى أن عملية تطوير التعليم عملية هادئة ومتدرجة، وينبغي عدم إحداثها بصورة مفاجئة، ومن الضروري أن يُمهد لها بين المنفذين والمستفيدين، متجها نحو التأكيد أننا لا نملك إلا خيارا واحدا فقط يحدد توجهنا، وهو أن الشعب المصري يستحق إنجازا حقيقيّا وملموسا في مجال التعليم والتنمية الإنسانية والبشرية، وسيظل التعليم أهم محاور التنمية في جميع أنحاء العالم، مثلما يقول إن الجمهورية الجديدة تعتمد على إصلاح نوعي وفكري لمؤسسات العدالة ومؤسسات إنفاذ القانون «الشرطة»، وهذه الدعامة هي واحدة من أهم دعامات الدولة المدنية الحديثة، فالعدالة غير الناجزة، أو البطيئة أو الانتقائية وإحساس المواطن بالظلم ينافي وجود الدولة المدنية الحديثة، ولتطوير هذه المؤسسة، يرى، علينا اتخاذ بعض القرارات المهمة والسعي إلى استدامتها.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي