«عيون الغرقى» لحسين جلعاد: عودة إلى الماضي النائي

2023-01-28

حتى إن كانت بعض شخصياته مجرد أطفال أو مراهقين يجربون العالم ويختبرون حواسهم، أو طلاب جامعة في لحظة الوعي والرفض، تشعر وأنت تقرأ قصص حسين جلعاد في مجموعته القصصية الصادرة حديثًا بعنوان «عيون الغرقى» (المؤسسة العربية للدراسات و النشر) بأن ثمة خسارة ما، دون أن نعرف ما الذي فُقِد بالضبط، وأن هذه الحكايات ما هي إلا جوقة من المراثي تترنح في أرض صغيرة من التجارب والذكريات، تلك التي كانت قريبة ثم أصبحت نائية.

من الصفحة الأولى، يهدي الشاعر كتابه إلى مدينته، دون أن يذكر اسمها، نعرف من الوقائع التي يدور معظمها في إربد، حيث تابع جلعاد دراسته الجامعية، إنها المدينة موضع الإهداء. لكن قد يسأل القارئ نفسه: لماذا يهدي الكاتب مدينة وليس إنسانا؟ وكأن عدنان أيوب في «نعناع المصاطب» يرد على هذا السؤال: «إربد التي أغوته يوماً بعشق المدائن فوجد نفسه في ما بعد متورطاً بضجيج الإسمنت والمدن الكبرى. وهو لم يدرك مدى تعلقه بإربد إلا حين غادرها، تلك التي يألفها الجميع بسرعة – أو يظنون ذلك – بيد أنها تستعصي على الإتيان بتلك المجانية والتسطيح، وحدهم من تشكلوا في الأزقة والشوارع يعرفون أي أمان هي جدرانها. وهم وحدهم من يعرفون أي ذاكرة لقطط الليل». ثمة هاجس واضح بالمكان والزمان يظهر في التفاصيل كلها، بدءا من عناوين القصص التي إما أن تشير إلى زمان (المساء والخريف) أو إلى مكان (الإسفلت والبيت والبحر). فعناوين جلعاد محملة بالمعاني سواء أكانت في محاولته موسقة الماضي، أو ترتيبه في تتابع ما ووضع منطق رتميّ لتذكره، أو بالاستخدام القصدي للغة تعيدنا إلى عناوين الكتب الرومانسية القديمة، دون أن ينسحب ذلك على متن القصص نفسها.

يمثل عدنان أيوب شخصية المثقف الفنان التشكيلي الذي يعيش في أزمة لا أحد يعرف حجمها ولا سببها، إنه الشخصية التي تمتد مشاعرها وأفكارها إلى ما وراء الخسائر الملموسة والتجريبية للكائن الفردي وتصير إحساسا بالانحدار الثقافي والتوق إلى الماضي. يتصرف عدنان بعصبية ويعترض على كل شيء، بينما يعيش محاكمة مستمرة على طريقة بطل كافكا، الفرق أنه هو من يجر نفسه والآخرين إلى هذه المحاكمة صديقه نزار وحبيبته جيهان وعمله، بل ووطنه، يقول «ربما من رابع المستحيلات أن يكون للإنسان وطن» ثم يتخيل نفسه يتسلق إشارة ضوئية ويصيح ملقبا عمان بـ «أثينا المغفلة». مقابل ذلك الحب الكبير لإربد ثمة نفور من عمّان، وإشارات مستمرة إلى الزمان، نصل إليه من خلال أسماء الأمكنة التي يذكرها الكاتب بشكل مقصود لنفهم الإحباط والانكسار الذي يشير إليه زمن الراوي، كلمات مثل «نلتقي في الفينيق» أو «الفاروقي» تشير إلى أننا في عمان أواخر التسعينيات بعد حرب الخليج، وبعد اتفاقية أوسلو التي تظهر كخلفية للحدث في قصة «كائن سماوي». في هذه الأخيرة نتعرف إلى هديل وريم وحسام، ويبدو أن الاستعداد للمظاهرات في الجامعة ضد الاتفاقية يقود إلى اعتقال الطلاب المنظمين، وعلى رأسهم حسام.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي